آخر الأخبار
  منخفضان جويان متتاليان يؤثران على المملكة مع نهاية 2025   تحقيق: جنرالات الأسد يخططون لتمرد سينفذه 168 ألف مقاتل   "الأرصاد" : طقس بارد ومنخفض جوي يؤثر على الأردن السبت   تقرير المحاسبة: جرافة "الكرك" تسافر للصيانة وتعود بعد 4 سنوات "معطلة" في واقعة غريبة   منخفض جوي ماطر وطويل التأثير يبدأ السبت ويشتد الأحد والاثنين   تحديد موعدي شهري شعبان ورمضان فلكيا   حاويات ونقاط جمع نفايات لوقف الإلقاء العشوائي في المحافظات   ورقة سياسات: 3 سيناريوهات لتطور مشروع مدينة عمرة   الأردن استورد نحو 300 ألف برميل نفط من العراق الشهر الماضي   "وزارة التربية" تصدر تعليمات حاسمة لطلبة التكميلي وتحدد آليات الدخول للامتحانات   المعايطة: أعياد الميلاد المجيدة تمثّل صورة حضارية مشرقة للتعايش والوئام الديني وتبرز الاردن كوجهة روحية عالمية   نقيب الألبسة: استعدادات كبيرة لموسم كأس العالم عبر تصميمات مبتكرة لمنتخب النشامى   33328 طالبا يبدأون أول امتحانات تكميلية التوجيهي السبت   أمطار غزيرة وثلوج كثيفة في عدد من الدول العربية نهاية الأسبوع .. تىفاصيل   ابو علي: مباشرة صرف الرديات الاحد واستكمال صرف الـ 60% المتبقية خلال الاشهر الاولى من 2026   تنويه هام من التنفيذ القضائي الى جميع المواطنين   وفاة 3 أطباء أردنيين .. اسماء   وزير الداخلية يتفقد الأعمال الإنشائية في جسر الملك حسين   الخارجية: استلام جثمان المواطن عبدالمطلب القيسي وتسليمه لذويه   العدل: تنفيذ 2143 عقوبة بديلة عن الحبس منذ بداية العام الحالي

حين غاب نهر عمّان عن الأنظار؟؟!!

{clean_title}

جراءة نيوز - اخبار الاردن :

 يشعر كثيرون بشيء من الغبطة حين نفاجئهم بسؤال عن نهر عمّان. ويتحدثون بحماسة وحنين عن أيام ليست ببعيدة، حين كانت المياه تتدفق بقوة في ذلك المجرى الذي ظل يشق المدينة العتيقة قسمين عبر مئات السنين.

كانت مياه النهر، أو "النهير" كما يدعوه البعض، تنبثق من منطقة رأس العين، وتخترق الجبال نحو الرصيفة والزرقاء لترفد النهر هناك، وتفيض في فصل الشتاء بفعل الأمطار الغزيرة.

لم يتوقف جريان النهر وفيضانه عبر تلك السنين، وكان يمد المدينة وما حولها بالمياه، بل كان شاهداً على حياة السكان حوله، رفيقاً لهم ولأمواج متتالية من المهاجرين الشركس والشوام والحجازيين والفلسطينيين ومجموعات من الباكستانيين الذين وفدوا إلى المدينة في ما بعد. 

كانت مياه النهر تندفع في مجرى بلغ عرضه نحو 10 أمتار، تحف به أشجار مثمرة زرعت على ضفافه. عبر أولى محطاته كان الحجاج إلى مكة يتوافدون على ما أصبح يدعى منطقة المهاجرين. وفي طرف آخر لمجراه كان المسافرون يتوقفون عند محطة القطار التي بنيت أيام العهد التركي لتكون جزءاً من خط الحجاز الشهير.


رافد لحياة الإنسان والمدينة

تميزت منطقة نهر عمان بنظام صرف صحي متطور أيام العصر الروماني، حين كانت مياهه تجري أمام "سبيل الحوريات" حيث بنيت حمامات اتسمت بطابع البذخ والفخامة، لا تزال آثارها بادية إلى جانب المسرح الروماني في وسط المدينة. وقد أنشأ الرومان أيضاً عدداً من القناطر فوق النهر، إلا أنها اختفت بفعل العوامل الطبيعية والزلازل.

ظل النهر، الذي أصبح يدعى سيلاً في ما بعد، على حاله، وافرَ المياه من منبعه إلى مصبه طوال قرون. وقد كتب الرحالة والمستشرق السويسري الشهير يوهان لودفيغ بيركهاردت عند زيارته عمان عام 1812: «تقبع البلدة على طول نهر اسمه ميّة عمان الذي ينبع من بركة... هناك جسر عال فوق النهر، ولكن لا يمكن عبوره خلال الشتاء... ضفافه مثل قاعدة مرصوفة، لكن معظم الرصف انجرف في أماكن عدة بسبب عنف السيول الشتوية».

بدأت مظاهر الحياة في المدينة تتطور بسرعة في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعدما شهدت عمان تحولات تاريخية كبيرة عبر العصور المختلفة. ويقول المهندس عبد الرؤوف أبو رصاع (68 عاماً)، الذي سكنت عائلته في المنطقة منذ أوائل القرن العشرين وشهدت تطوراتها الطبيعية والإنسانية خلال تلك الفترة: "تاريخ عمان يرتبط بتاريخ السيل. كان هطول الأمطار الغزيرة يؤدي إلى حدوث سيول جارفة. وفي أثناء دوران السيل، كان يشكل حوامة بمياه متدفقة يصطاد منها السكان الأسماك الصغيرة. وبعد انتهاء الشتاء كانت تقام قناة في وسط السيل لتحديد مساره والحد من تكاثر الحشرات".

ينابيع كثيرة كانت ترفد السيل في مجراه، وكان بعضها يتفجر من باطن الأرض في أماكن مجاورة فاجأت أصحاب منشآت تجارية عديدة في وسط عمان منتصف القرن الماضي. ويروي المهندس عبدالحليم الوريكات، مدير منطقة عمان المدينة، أن فيضانات السيل كانت تثير قلق السكان بصورة متزايدة. وكانت المياه شحيحة في فصل الصيف، إذ بدأت الأمطار تتناقص سنة بعد سنة، إضافة إلى الاستخدام الجائر للمياه، ما خلق آثاراً تهدد الصحة والبيئة بسبب نضوب مجرى السيل.

وهذا ما دفع بلدية عمان في نهاية الستينات إلى تشييد سقف لإغلاق مجراه. وهكذا أصبح يطلق على المنطقة سقف السيل (شارع قريش). ويرى الوريكات أن ذلك كان "حلاً سليماً" في تلك المرحلة، مضيفاً أن الكثيرين شعروا بالراحة عند إنشاء ذلك السقف.


هل كان لا بد من سقفه؟

قيل الكثير عن عمان قديماً، ومنها أنها سُكنت لوجود المياه فيها بوفرة، بل إنها سميت في التاريخ مدينة المياه أو مدينة الينابيع. لكنها اليوم تفتقر إلى المياه بشدة.

يقول المعماري الدكتور رامي ضاهر: «ربما كانت التغيرات المناخية وقلة الأمطار وراء نضوب مياه السيل مع السنين. لكن السبب الرئيسي لإغلاقه بسقف هو إلقاء السكان للنفايات فيه، مما اعتبر خطراً صحياً. وإذا كان سقفه الحل العملي آنذاك، فهو لم يكن حلاً جوهرياً بل ممارسة هندسية افتقرت إلى رؤية واضحة. ويرى أنه كان بالإمكان تطوير السيل كمساحة حضرية في وسط عمان، «لكن الفرصة ضاعت، وهو وضع تكرر في عدد من الدول العربية التي لم تحترم أنهارها». ويضيف ضاهر: «السيل يستحق إعادته إلى الحياة، فلا تزال مياهه تجري في جوف الأرض باتجاه منطقة الرصيفة. لكن ذلك يستوجب تغييرات كبيرة قد يكون من الصعب تنفيذها في ما يسمى وسط البلد».

منطقة السيل في عمان تموج اليوم بمختلف أوجه الأعمال الاقتصادية والتجارية، إلى جانب الأسواق القديمة. ويعكس ذلك بحق واقع مدينة تاريخية تختلط آثارها العريقة بتطورات الحياة الحديثة. ويذكر المهندس أبو رصاع أن كثيرين ممن سكنوا المنطقة باعوا أراضيهم بعدما شيد سقف السيل، وانتقلوا للسكن في جبال المدينة حيث انتعشت حركة العمران والبناء وارتفعت أسعار الأراضي بصورة خيالية. (الحياة اللندنية)