على النقيض من تصريحات الحكومة حول دور برامج الإصلاح الاقتصادي في حماية الطبقة الوسطى، يؤكد خبراء أن هذه الفئة من المجتمع الأردني تعاني من ضغوط اقتصادية ومالية شديدة
وثمة فجوة زمنية مدتها تتجاوز عشر سنوات تجعل تقدير حجم الطبقة الوسطى في الأردن أمرا صعبا، فآخر رقم أصدرته الحكومة حول حجم الطبقة الوسطى في الأردن يقدر بنحو 28 % من المجتمع، لكن الخبراء يؤكدون أنها في حالة انحسار مستمر
ويوضح الخبراء أن حماية هذه الطبقة والحد من تقلصها يحتاج إلى تحفيز الاقتصاد الوطني بشكل يسمح بتحسين معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى ضرورة إعادة النظر بالنظام الضريبي وتخفيض ضريبة المبيعات بنسب حقيقية، فضلا عن أهمية تغيير السياسات الاقتصادية والمالية السائدة
كما دعا هؤلاء الخبراء إلى وجوب الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية الحكومية، بما يمكن هذه الطبقة من تقليص إنفاقها على هذه الخدمات، علاوة على ضرورة زيادة الأجور، وتخصيص الحوافز والإعفاءات على مختلف الخدمات التي تستفيد منها هذه الطبقة
يأتي هذا في وقت قال فيه وزير المالية محمد العسعس، مؤخرا "إن برامج الإصلاح الاقتصادي التي وقعها الأردن خلال السنوات الأخيرة هدفت إلى حماية الطبقة الوسطى من تداعيات الظروف الإقليمية والعالمية"
ولفت الخبراء إلى أن الطبقة الوسطى تعد من أعمدة الاقتصاد الأساسية، إذ تعد المسهم الأكبر في عملية الإنتاج وتقديم الخدمات، فضلا عن المساهمة في زيادة حجم الاستهلاك، كما أنها تعد لبنة أساسية لاستقرار المجتمع والاقتصاد في أي بلد
ويقصد بالطبقة الوسطى في المجتمع، أنها تلك التي تتراوح عادة بين الطبقة ذات الدخل المرتفع والطبقة متدنية الدخل، إذ إن الطبقة الوسطى التي تتمتع بقسط مناسب من الدخل والتعليم، وفيها يكون عادة، ليس بالضرورة، من المعلمين والمحامين والمهندسين والأطباء والأكاديميين وغيرهم من الموظفين والعمال المهرة
وكان قد أكد العسعس، خلال اجتماعات فريق الوزارة مع اللجنة المالية في مجلس النواب، أن برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي الذي وقعته الحكومة، مؤخرا، مع صندوق النقد، هو خيار إستراتيجي أردني ووضع بأيد أردنية وجاء استكمالا لنجاح البرامج السابقة في حماية الطبقة الوسطى من تداعيات الظروف الإقليمية والعالمية
من جهته، قال الخبير الاقتصادي فهمي الكتكوت "إن حماية الطبقة الوسطى يحتاج إلى تحفيز الاقتصاد الأردني بشكل يسمح بزيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات مرتفعة؛ حيث إن معدلات النمو الاقتصادي المحلية منذ عقد تراوح مكانها ولم يتجاوز متوسطها 2.5 %، ما يعني أنه لا أثر للنمو المتحقق حاليا في العملية التنموية"
وأضاف الكتكوت، أن المحافظة على الطبقة الوسطى تتطلب العمل على إعادة النظر في السياسات الضريبية المحلية وتوزيع الدخل بشكل عاجل، إذ إن النظام الضريبي لدينا أردنيا يركز على الضرائب المباشرة، لا سيما ضريبة المبيعات، وفي ذلك عدم عدالة للطبقات الوسطى والفقيرة من المجتمع، داعيا إلى ضرورة تخفيض ضريبة المبيعات والتحول إلى تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل والتي حثت عليها المادة 111 من الدستور الأردني
وتنص المادة 111 من الدستور الأردني بأنه "لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون، ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة، وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي، مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وألا تتجاوز قدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة الى المال"
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري، بدوره، أكد أن الطبقة الوسطى تعد من أعمدة الاقتصاد الأساسية في أي بلد حول العالم، إذ تعد هذه الطبقة المساهمة الكبرى بعملية الإنتاج وتقديم الخدمات، إضافة إلى أنها المساهمة الكبرى كذلك في عملية الاستهلاك، ما يعني أن النشاط الاقتصادي مبني عليها بشكل كبير، لذا فإن المحافظة عليها جزء من المحافظة على أركان الاقتصاد الوطني ككل
وأوضح الحموري أن الطبقة الوسطى في الأردن في حالة تآكل وتقلص منذ سنوات طويلة نتيجة تشوه النظام الضريبي القائم على ضريبة المبيعات التي تعد مرتفعة وتثقل كاهل المواطنين وتحد من معدلات الإنفاق، فضلا عن تواضع معدلات النمو وبقائها على مدار الأعوام الماضية تتراوح ما بين 2-2.5 %، إذ إن معدلات النمو هذه لا يسفر عنها تحسن في المستوى المعيشي للمواطنين أو زيادة في الدخل، ما أدى إلى ركود الدخل الشهري لقطاع واسع من الطبقة الوسطى
ودعا الحموري، الحكومة، إلى ضرورة الالتفات لأهمية هذه الطبقة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، داعيا إلى وجوب العمل على إعادة النظر بالنظام الضريبي وتخفيض ضريبة المبيعات بنسب كبيرة وذات أثر، إضافة إلى أهمية تخصيص بعض الحوافز والإعفاءات على مختلف الخدمات لهذه الطبقة، علاوة على ضرورة تحسين معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس على تحسن المستوى المعيشي للمواطنين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي مفلح عقل "إن الطبقة الوسطى ينظر لها دائما بأنها صمام أمان للمجتمع ومحرك رئيسي للعملية الاقتصادية، وتعد لبنة أساسية لاستقرار المجتمع والاقتصاد في أي بلد، ومن هنا يأتي حرص الدول عادة على حماية هذه وتوفير كافة السبل لاستدامتها"
وأكد عقل أن السياسات المالية الحكومية الأخيرة أسهمت في المحافظة على بقاء معدلات التضخم في نطاق معتدل، وأن ذلك بلا شك كان له دور في تخفيف بعض الأعباء الاقتصادية على الطبقة الوسطى
ومن أجل حماية هذه الطبقة والحد من انحسارها، طالب عقل بضرورة الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية الحكومية، إذ إن هذه الطبقة تنفق عادة جزءا كبيرا من دخلها على هذه الخدمات، ما فاقم الأعباء الاقتصادية عليها في السنوات الأخيرة، علاوة على أهمية تحسين الأجور التي لم تطرأ عليها أي زيادة منذ سنوات طويلة، إلى جانب أهمية المحافظة على مستويات التضخم وعدم ارتفاعها من خلال مراقبة الأسواق وضبط أسعار السلع والخدمات
وبين عقل أن الطبقة الوسطى في أغلب المجتمعات تعد الطبقة الواسعة؛ حيث تشكل حوالي 60 % من تركيبة المجتمع مقابل 20 % لكل من المجتمعات الثرية والفقيرة، إلا أن هذه التركيبة تبدو مختلفة محليا، إذ انزلقت كثير من العائلات في السنوات الماضية إلى الطبقة الفقيرة
إلى ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن الطبقة الوسطى في الأردن تعرضت، خلال السنوات الأخيرة، لتحديات قضت على بنيتها الاقتصادية والاجتماعية، وكان ذلك نتيجة للسياسات الاقتصادية التي أفرزت معدلات نمو اقتصادي متواضعة صاحبها ارتفاع في أسعار الاحتياجات المعيشية والخدمية الأساسية، كالنقل والمحروقات والكهرباء والتعليم مقرونا بثبات تقريبي للأجور وتوزيع غير عادل في تحمل الأعباء الضريبية وسوء توزيع لمكتسبات التنمية، إذ أفضت الظروف السابقة كافة إلى انحسار هذه الطبقة وتراجع دورها في مفاصل العملية الاقتصادية
وأكد زوانة أن حماية هذه الطبقة تتطلب من الحكومة تغيير السياسات الاقتصادية والمالية السائدة بما يفضي إلى تحسين المستوى المعيشي وإصلاح النظام الضريبي لصالح خفض ضريبة المبيعات، لتتمكن هذه الطبقة من استعادة ألقها ودورها
الغد