ما تزال تداعيات التغيرات المناخية التي باتت أشكالها أكثر تطرفا خلال المواسم الشتوية الأخيرة في مختلف مناطق المملكة، ما بين هطولات مطرية غزيرة ومضية، وأخرى متذبذبة التوزيع مقابل جفاف عانته مواسم شتوية أخرى، تستدعي ضرورة إعادة النظر في خطط طوارئ قطاع المياه والسدود، وفق خبراء في القطاع المائي.
وبين كفّتي الاكتفاء بخطط طوارئ وزارة المياه والري – سلطة وادي الأردن القائمة حاليا، والتي أشار المختصون، في تصريحات الى أنها "لم تعد تواكب الانعكاسات المتطرفة لمظاهر التغير المناخي”، وبين أهمية صياغة دراسات جديدة، رجحت كفّة أهمية إجراء دراسات حديثة ترتبط بأهمية استثمار أكبر حجم ممكن من الهطولات المطرية من جهة، والمضي بتحديث خطة طوارئ شاملة تتضمن أنظمة إنذار مبكرة تلافيا لأي ضرر محتمل.
وذهب الأمين العام الأسبق لسلطة وادي الأردن سعد أبو حمور إلى ضرورة المضي في خطة طوارئ شاملة للسدود، تتضمن تركيب أجهزة إنذار مبكر خاصة للفيضانات على مجاري مياه الأمطار، استعدادا لأي ظروف طارئة قد تشهدها السدود خلال المواسم المطرية نتيجة التغيرات المناخية، علما أن وزارة المياه والري – سلطة وادي الأردن قامت سابقا بدراسة هذا الموضوع مليّا.
وأيّد أبو حمور اقتراح إعادة إجراء دراسة هيدروجيولوجية على مساقط المياه في ظل انعكاسات التغيرات المناخية، حيث يتم من خلالها اختيار مواقع بهدف الاستفادة منها في تجميع الهطولات المطرية.
وفي الإطار ذاته، أكد أبو حمور أن الأولوية في الوقت الراهن تكمن في الاستعجال بمشاريع تحلية المياه لأغراض الشرب، وتحرير استخدامات المياه المخزنة في السدود لأغراض الزراعة وتخصيص المياه المحلاة للشرب.
وأبدى الخبير في مجال السدود فؤاد عجيلات قلقه إزاء عدم توفر نظام إنذار تقني متطور يقوم على مراقبة جسم السد من أي ظروف طارئة خلال فترات الهطولات المطرية، بناء على تنبؤات جوية دقيقة، مشيرا إلى ضرورة أن يكون هذا النظام على تماس مباشر مع المدير المعني بالسدود، للحؤول دون وقوع أي حوادث مفاجئة وغير متوقعة.
وبين عجيلات أن "النظام المتبع حتى الآن لدى قطاع المياه والسدود، في مراقبة ظروف السدود خلال المواسم الشتوية، لا يزال قائما على الرقابة والمشاهدات في الأحواض الصّبابة، وهو ما يفتقر للدقة في قراءة تطورات تلك الظروف”.
واستعرض مجموعة من مشاريع سدود تقع على بعد من الأهمية، حيث جرى دراسة بعضها، فيما ينتظر بعضها الآخر تمويل دراساتها، ومن ضمنها سد وادي عسال بسعة تخزينية تبلغ 4 ملايين متر مكعب، وتكلفة تقديرية تصل لما يتراوح بين 25 إلى 30 مليون دينار، وسد وادي النخيلة بسعة تخزينية تبلغ 15 مليون متر مكعب، بالإضافة لسد الوادات بسعة 400 ألف متر مكعب، وسد مدّين.
من ناحيته، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة وادي الأردن دريد محاسنة أهمية إنشاء السدود، باعتبارها ضرورة ماسة لتخزين واستيعاب مياه الأمطار خاصة تلك التي تهطل بشكل غزير، مشيرا إلى ضرورة القيام بتجميعها أولا في برك أو سدود صحراوية شرق المملكة، وبعد ذلك في سدود في مناطق الوديان قبل أن تصل وادي الأردن، سواء في شماله أو وادي عربة في جنوبه.
وبين محاسنة أن قضية امتلاء السد ووصوله إلى كامل سعته التخزينية أو اتخاذ قرار بتفريغه من المياه أو عدمه، يرتبط أولا بالتغير المناخي الذي باتت تأثيراته واضحة خلال الفترات الأخيرة، مبديا قلقه من استمرارية فقدان حوالي 90 % من الهطولات المطرية عبر التبخر، وما يتبقى منها هو عبارة عن كميات ضئيلة يتم تخزينها في السدود، وسط هدر كثير من المياه عبر جريانها في الأودية التي تم القضاء على مجرى المياه التي تصل للسدود من خلالها.
من ناحية أخرى، قلّل محاسنة من تقديرات وصول كميات الأمطار الهاطلة في المملكة لحدود الامتلاء، منوها بأن تنبؤات المناخ المرتبطة بهطول الأمطار واحتساب الكميات المقدر تخزينها في السدود تتم برمجته أوتوماتيكيا ومن خلال تقديرات وخبرات مهندسي السدود في وزارة المياه والري وسلطة وادي الأردن.
وأبدى قلقه حيال عدم تخصيص سدود بهدف الاستفادة منها لأغراض الشرب في المملكة، باستثناء سدي الوحدة والموجب، لافتا إلى أنه رغم ذلك فإن سد الوحدة لا يزال يعاني مخزونا منخفضا "نتيجة الانتهاكات السورية للحقوق المائية الأردنية”، إلى جانب الاستعمالات الإضافية من مياه سد الموجب، سواء المرتبطة منها بأغراض التنمية في وادي الأردن وتزويد الفنادق شرق البحر الميت أو الصناعات البوتاسية في جنوب البحر الميت وفي المناطق الأخرى والزراعة أيضا.
وفي السياق ذاته، أكد خبير متخصص في قطاع المياه، فضل عدم ذكر اسمه، حاجة قطاع المياه ووادي الأردن للقيام بدراسة معمقة يكمن ملخصها حول كمية المياه الواجب حصادها من مياه الأمطار من كميات الهطول المطري للمعدل طويل الأمد والبالغ نحو 8 مليارات متر مكعب.
وقال الخبير إنه بعد إتمام الدراسة بشكل علمي وصحيح وبإشراف مختصين في مجال السدود، يتم إجراء خطة عمل تنفيذية تتمحور حول مناطق تجميع المياه التي من الواجب تجميعها.
وأشار المتخصص في مجال القطاع المائي لضرورة التوسع في الحصاد المائي، سواء من خلال السدود أو الحفائر أو البرك أو من خلال خلق تجمعات صغيرة للمياه، خاصة في ظل ما يشهده الأردن من تغيرات مناخية وسياسية في المنطقة.
وبين على هذا الصعيد، أن الدراسة المقترحة يجب أن تكون حول مدى الاستفادة من كميات الهطول المطري التي تندرج تحت حصد مياه الأمطار، وإن كانت بنسب تتراوح بين 4 إلى 5% من المعدل السنوي العام طويل الأمد