جراءة نيوز-عمان:
مجلس النواب القادم سيخلو من المعارضة الحقيقية التقليدية التي تمثل الحركة الإسلامية أهم أجزائها وأكبرها حجما وأكثرها تنظيما. ومجلس خالِ من المعارضة يجعلنا نتصور مجلسا نيابيا على وتيرة واحدة وذو طابع ينسجم بغالبه مع ما ستطرحه الحكومة. ويمكن الخروج من هذه الصورة بحال وجود تكتلات تخلق مناخا من التنافس والتسابق على تشريع ما يخدم الوطن والمواطن.
أما إذا تم استنساخ النهج السابق فبذلك لن يختلف عن المجالس الصورية في بعض الدول التي أعضاءها يكتسبون عضوية المجلس بتوليف وتجهيز ودعم من الحكومات وبالتالي يكون الأعضاء النواب مجبرون على رد المعروف لداعمهم. وعندها يكون الشعب أمام حكومة معينة بالعلن وأخرى غير معلنة ورديفة لها تؤيد وتصادق وتوافق على ما تقترحه الأولى.
كنا نتمنى على الحركة الإسلامية أن تكون ذات رؤيا تقوم على قراءة الواقع بدقة أكثر وتستنبط ما يمكن أن يؤول إليه الحال بعد مقاطعتها للإنتخابات. والحركة لم تترك لنفسها هامشا للمناورة ولم تصنع مخرجا لتحاول النفاذ منه عندما ترغب بالخروج بماء الوجه. فالتصلب وغياب المرونة في الكثير من الأحيان قاداها لطريق ذو اتجاه واحد ولم يبقى لديهم خيارات سوى المقاطعة. وهذا سيحتم عليها بعد الإنتخابات الإستمرار بنفس النهج أو الزيادة عليه بشيء من التصعيد وانتهاج أساليب إستفزازية تصل لمستوى التصادم سواءا مع القوى الشعبية الركائزية غير المنظمة حزبيا أو مع النظام.
والحركة الإسلامية لن تجد بدا من الإلتزام أمام نفسها وكوادرها وقواعدها وأنصارها وملزمة من المراقبين والمتابعين والمهتمين بسلوك نمطية متطورة لإثبات صحة نهجها وعدالة مطالبها وتأكيد تصميمها على عدم النكوص والتراجع.
ولا أظن الحركة إلا مدركة أن التراجع عن النهج المتشدد واللجوء للمرونة التي تخلق حيزا للحلول التوافقية سيجعلان منها حركة تنحو منحى الوسطية والإعتدال وهذا في الواقع ليس خطها الذي تأسست عليه. عندها, إن فعلت فسيكون انقلابا على الذات بمُثله وقيمه وأهدافه التي جعلتها تشكل قاعدة مناصرين التقوا معها بمشتركات من الصعب أن يفصحوا عنها. وبالتالي إن لجأت للمرونة وهذا مستبعد فسيكون سببا لإضعافها وانتكاسها وانطفاء بريقها.
وهنا لا ندعو الحركة على المضي بالنهج الذي رفضناه سابقا بل نستقرء ما يمكن أن نصل إليه من حال بعد الإنتخابات التي قاطعتها الحركة. كما نحاول الأخذ بالأسباب والمسببات والدوافع وما يمكن أن ينتج عنها معتمدين على ثلاثة عناصر هي معطيات الواقع والعقل والمنطق.
المزارع الذي يقوم بحرث أرضه ويعزقها ويسمدها ثم يزرعها بالبذار المحسن المناسب وبالوقت المناسب ويهطل المطرالوفير ليسقي البذار، فلا بد من أن يراهن على جني محصول وفير ذو مردود عال. وبطبيعة الحال العكس صحيح،أما إن تركت الأمور للصدفة والحظ والقول بأن لكل حادث حديث ، ما هذا إلا عجز واستناد على أرضية هشة وضعف يقود لضعف.
فالحركة الإسلامية الآن أمام استحقاق التحدي والإنعزال الذي وضعت نفسها تحت رحمتهما. والتحدي القائم على محدودية التأييد نسبيا والإنعزال الذي مؤداه التقلص والتقوقع حول الذات جعلا من الحركة حصانا متعبا لا يقوى على السباق إلا بمراجعة أدوات السباق وطرح التالف منها بعيدا واستحداث أدوات تنسجم مع الواقع. وعلى الحركة أن تتذكر أنها ليست الوحيدة في الساحة السياسية فهناك الأحزاب وهناك العشائر الركائز التي ربما لا تتفق معها بالنهج والمطلب والأسلوب.
فنهجها به الكثير من الإحتكار وإنكار الآخر مما يجعلها موضع الحذر الدائم. وحديثنا ينحصر على الحركة الإسلامية لأنها في الواقع هي التي تتصدر مشهد المعارضة الجاذبة والمحركة لمن لا يعنيهم الأردن وهي بحق تستحق لقب معارضة سيما وأن الآخرون غائبون أو معارضون بالإسم وليس بالفعل. كما أن الحديث عن الحركة ليس القصد منه تحميلها كل مساوىء المعارضة بمفهومها الواسع ، بل محاولة نقرأ بها الواقع ونستقرء بها المستقبل.
ومن خلال هذ المنظور،ننتظر من الحركة الإسلامية والمعارضة عموما والدولة أن يعملوا جميعا على إيجاد الأدوات والوسائل التي تجعل من الممكن الإلتقاء بمنتصف الطريق بدل محاولة كل طرف إثبات وإقناع الغالبية بجدوى وصحة توجهه وبراءته من أي خلل أصاب أو قد يصيب العملية الساسية.
دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها ونقر بالواقع الحقيقي المتعلق بمطالب الحراك ومطالب الحركة الإسلامة إذ نحن على تماس مباشر مع الناس ومراقبين للأحداث وقارئين للتطورات. ونحن مع الناس بمجالسهم ومناسباتهم ولقاءاتهم التي من خلالها نرصد نبض الأغلبية وأمنياتها ومطالبها.
ولن نجانب الحق والحقيق ما حيينا لأننا ننطلق من هدف واضح ونهج صادق إنشاء الله يتلخص بما يؤدي لمصلحة الأردن الوطن. فمن هو مع الوطن نأخذ بيده ومن هو ليس معه نحاربه كائن من كان،فمصلحة الوطن تهون أمامها كل القوى المعارضة إذا كانت معارضتها لا تنسجم مع المصلحة الوطنية وتهون أمامها الأحزاب إذا كان هدفها خدمة جهة خارجية. ويهون أي مكون سكاني إذا كان يرى مصلحته بغير الأردن .
ويهون كل شخص أو مجموعة ترى من حملها للرقم الوطني الأردني سببا لتحميل الأردن أكثر مما يحتمل. ويهون كل شخص مهما علا مقامه أو موقعه من الذين يجيّرون مواقعهم ونفوذهم للعمل على دمار الوطن .
كل هؤلاء ذاهبون والوطن باق والأشخاص متغيرون والوطن ثابت والكل صغير أمام عظمة الوطن.
فمن يتخندق بخندق الوطن نتخندق معه ونشد من أزره ومن يتخندق بخندق الإستقواء على الوطن نشد من أزرنا أمامه ونهيل عليه التراب،ولا نقلل من مستوى وعي المواطن الأردني عند القول أن مطالبه لا تصل لحد التعديلات الدستورية والحكومة البرلمانية والحد من صلاحيات الملك.
بل ذلك موجود برأس النخبة المعارضة التي تطرح المطالب المثالية وتنتظر تحقيقها بأسرع ما يمكن. أما الحراك منذ بدايته وما زال ينادي بمطالب اقتصادية ترفع مستوى المعيشة ومطالب اجتماعية تحقق عدالة الفرص وتمنع تغول فئة محدودة على مقدرات الوطن ومطالب باسترداد الحقوق من الذين صادروها ومحاسبتهم ليتعافى الوطن. فالعامة من الناس لا تقلقهم التعديلات الدستورية كثيرا ولا يهمهم إن كان أعضاء المحكمة الدستورية ذوي اختصاص بالقانون أو باللغة الإنجليزية ولا تقلقهم تراتبية المسؤولية بهذه المحكمة.
ما يقلق العامة وهم الأغلبية السكانية من قوات مسلحة وأمن ودرك ومخابرات وعمال وموظفين وخريجين, هو انعكاس التغيير والتعديل والتشريع على نمط حياتهم اليومية من مستوى المعيشة والرواتب والأسعار وفرص العمل. هذه في الواقع الأمور التي تأمل الناس أن تلاحظ بشأنها التغيير الإيجابي الناتج عن التغيير والتعديل والتشريع،لكن لا نبالغ إذا قلنا أن الناس تعيش برعب وقلق وعدم طمأنينة جراء القرارات المتسرعة التي تزيد من الأعباء والإختناق لتسارع الصدمات الحكومية.
أما المطالب الحراكية فتم توظيفها من بعض مكونات المعارضة لتحقيق غرض في نفس يعقوب. إذن علينا التفريق بين الحراك التلقائي ومطالبه العادلة والمشروعة وبين المعارضة ومطالبها التعجيزية التي هي بمثابة إنقلاب على الثوابت والمرتكزات التي بمجملها أدت لتكوين الدولة الأردنية. فمن الطبيعي أن تقوم الدولة بحماية ثوابتها ومرتكزاتها والحفاظ عليها وإذا تم التفريط بها أو التحامل عليها أكثر مما تحتمل فستهتز وتكون عرضة للأنكسار والسقوط .
نلتقي على الكثير من المطالب المشروعة التي تتحمل الحكومات المسؤولية بشأنها. لا نذيع سرا ولا نتجنى على الحكومات عند القول أنها لا تمتثل لكتب التكليف الملكية التي هي بمثابة خارطة طريق شاملة وبنفس الوقت تترك الباب مفتوحا أمام الحكومات للإجتهاد الفعال وخلق الأجواء الإيجابية المريحة التي من شأنها إيلاج الأردن بمناخ إقتصادي واجتماعي وسياسي يحقق تطلعات الشعب والقائد.
لكن ما نراه في الواقع جُلّه مخالفات ومعاكسات لكتب التكليف الملكية. فاللوم بالتالي يقع على الحكومات التي تعرقل المسيرة وتزيد من احتقان الشارع. وللإنصاف ، وحتى لا يقال أننا نبتعد عن لوم النظام ونجمّله بسبب وبغير سبب ، نقول النظام هو المنتظر منه محاسبة من يقوموا على العرقلة وزيادة الأحتقان وتأزيم الشارع. أما أن نبقى نرمي باللائمة على الحكومات ونحملها مسؤولية الأخطاء المتلاحقة لوحدها فهذا ليس من العدل. فالأوْلى محاسبة هذه الحكومات عندما تسيء وعندما لا تمتثل للدستور وكتب التكليف الملكية.
لقد كنا ننتظر من المعارضة أن لا تقيّد نفسها بدور لا تستطيع الخروج عنه كما كنا ننتظر من الدولة والنظام أن يتعاملا مع الناس بمجملهم وليس فقط مع المعارضة النخبوية التي تشكل نسبة بسيطة من الإجمالي. فهناك الحراك المتظاهر وهناك حراك آخر مؤيد غير متظاهر وهو غالبية الأردنيين . لذا على الجميع أن يكونوا أكثر حصافة وفطنة حتى لا نغفل البعض ونهمشهم.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
[email protected]