رفعت يدها متضرعة بالدعاء، بُح صوتها من كثرة قول «ياااا رب»، سارت بينهن جميعهن متلفحات بالسواد، وحدها كسرته باللون الأصفر، ليميزها الحزن والصراخ عنهن، وتبدو الطرحة الصفراء وكأنها تاج وُضع فوق رأسها يوم فقدت أبنائها الثلاثة.. «ماتوا الدكاترة يا حاجّة»، الأحضان والمواساة لم تشفع ولم تهدئ نارها المتقدة، انهمرت دموعها رغمًا عنها فانسكبت من عيون كل من يحيط بها، مشهد مهيب حزين، هكذا هو على الرائي، فما وقعه في قلب الأم الذي كسر حزنا ووقف جلدا ليكون مشهد النهاية يليق بالدكاترة.
وفاة الأشقاء الثلاثة الدكاترة هرولت مسرعة إلى الشارع تركض في جنازتهم وكأنها تزفهم إلى الجنة، بين جنبات ترعة صغيرة موصولة داخل القرية محاطة بالخضار، سارت الأم بينما تجر رجليها بقلبها الممزق في مشهد يوحي بمكانتهم بعد موتهم فجأة في رمضان، واليوم الأول لهم في مدفنهم، الأم هي البطل بلا منافس، بطل الصمود والصبر لتربية الابن المتبقي، سيرها وسط أبنائها المتوفين بشجاعة وقوة تحمل استثنائية، انهيارها كان سِكينة في قلوب كل من حولها حاول إسنادها.
كانوا كل ما تحلم به، آية البالغة من العمر 24 عاما معيدة في صيدلة، ومحمود في عامة الـ22 طالب في طب الأسنان، والثالثة هي آلاء طالبة في نفس الكلية.. تفوق وعمل في كليات القمة، شقا العمر ذهب في لحظة تهور، خلال حادث مأسوي على الطريق في منطقة القنطرة شرق، لدى عودة الأشقاء الثلاثة من جامعة سيناء ومعهم رابع زميل بالسكن وحده أنقذته العناية الإلهية واختارت الأشقاء ليكونوا جوار ربهم، الحادثة كانت خلال عودتهم إلى محافظة دمياط بعد الامتحانات التي كانت مقررة عليهم في جامعة سيناء.
الأم هي البطل بلا منافس وصباح اليوم تنتظر المقابر الثلاثة وصول الأم من جديد في أول زيارة لقلبها المدفون والذي قسمته على أبناءها أمس، ودفنته معهم ولسان حالها كما التبريزي في ديوان الحماسة:
إذا ما دعوت الصبر بعدك والأسى.. أجاب الأسى طوعًا ولم يجب الصبر
فإن ينقطع منكَ الرجاء فإنه..سيبقى عليكَ الحزن ما بقي الدهر لي كبِد مشطورةٌ في يد الأسى.. فتحت الثرى شطرٌ، وفوق الثرى شطر
يقولون لي صبِر فؤادك بعده.. فقلت لهم ما لي فؤاد ولا صبر