"إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي"، هكذا حذرت الأمم المتحدة من تداعيات الحرب الأوكرانية وتراجع النمو العالمي.
هل نتجه للكساد؟
للإجابة على هذا السؤال علينا الإشارة إلى توقعات رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، والأمم المتحدة، بشأن انخفاض معدلات النمو العالمية، وأبرزها توقع انفجار أزمات في الدول الفقيرة نتيجة أزمة غذائية فجرها التضخم وتوقف سلاسل الإمداد وغلاء أسعار النفط والغاز وبطء التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، مما يترتب عليه حالة من الكساد في ظل ضعف الرواتب أمام غلاء الأسعار.
وفي تقرير جديد، حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، وهو مركز أبحاث اقتصادي تابع للمنتدى الأممي، من الضرر الاقتصادي الهائل الذي يسببه النزاع الأوكراني في مناطق كثيرة من العالم النامي.
مقر الأمم المتحدة
وقالت الأمينة العامة للأونكتاد ريبيكا جرينسبان "واجهت دول نامية عديدة صعوبة في تحقيق تعاف اقتصادي ديناميكي من الركود المرتبط بكوفيد-19 وتواجه الآن تداعيات كبيرة جراء الحرب. وسواء أدى ذلك إلى اضطرابات أم لا، فإن قلقا اجتماعيا عميقا بصدد الانتشار".
وفق الأمم المتحدة، تجاوزت أسعار الحبوب مستواها في بداية الربيع العربي وأعمال الشغب بسبب نقص الغذاء في 2007-2008.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قبل عشرة أيام من "إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي" بسبب عدم تصدير الإنتاج الزراعي من أوكرانيا وروسيا، وستكون تداعيات الحرب أشد على الدول الأكثر فقرا.
ويخشى الأونكتاد أن يؤدي تزامن ضعف الطلب العالمي وعدم كفاية تنسيق السياسات على الصعيد الدولي وارتفاع مستويات التداين بسبب الوباء إلى "موجات صدمة مالية قد تدفع بعض البلدان النامية في دوامة من الإعسار المالي والركود وتعطل التنمية".
وترى جرينسبان أنه بشكل عام "ستؤدي الآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي الحالي في العالم وإضعاف التعافي من جائحة كوفيد-19".
وخفضت الأونكتاد في تقريرها توقعاتها للنمو العالمي إلى 2.6% لعام 2022، مقابل توقعات أولية في سبتمبر/أيلول بلغت 3.6%.
"مسدس موجه" نحو الاقتصاد
سيكون النمو العالمي عام 2022 "أبطأ وأكثر تفاوتا وهشاشة مما توقعنا"، وفق التقرير الذي يوضح أن التقديرات الجديدة تأخذ في الاعتبار الحرب في أوكرانيا وكذلك "تشديد سياسة الاقتصاد الكلي في الاقتصادات المتقدمة".
وكان أونكتاد قد حذّر في منتصف مارس/آذار الجاري من التدهور السريع في آفاق الاقتصاد العالمي مع الحرب في أوكرانيا، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة وزيادة التقلبات المالية وإعادة التشكيل المعقدة لسلاسل الإمداد العالمية وارتفاع التكاليف التجارية، من بين مسائل أخرى.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ينتظر أن تعاني روسيا التي تخضع لعقوبات شديدة بسبب حربها في أوكرانيا، من ركود عميق هذا العام (-7.3%).
كما يُتوقع حدوث تباطؤ كبير في النمو في أجزاء من أوروبا الغربية ووسط وجنوب وجنوب شرق آسيا.
يشير التقرير إلى أن الحرب تضع مزيدا من الضغط التصاعدي على أسعار الطاقة والسلع الأساسية، مما يجهد ميزانيات الأسر ويرفع تكاليف الإنتاج، في حين أن الاضطرابات التجارية وآثار العقوبات قد تثبط الاستثمارات طويلة الأمد.
ووفق الأونكتاد، من المرجح أن يفاقم النزاع التوجه نحو التشديد النقدي في الدول المتقدمة، بعد أن بدأت دول نامية عدة إقرار إجراءات مماثلة في نهاية عام 2021 بسبب الضغوط التضخمية، مع توقع خفض الإنفاق في ميزانيات السنوات المقبلة.
وأسفت الهيئة الأممية لأن تلك الإجراءات اتخذت "رغم أن التضخم لم يؤد بعد إلى نمو مستدام للأجور، ما يجعل الخشية من حدوث دوامة تضخم في الأجور والأسعار بلا أساس".
وذكر التقرير أن "مسدسا موجها نحو الاقتصاد العالمي، بالمعنيين الحرفي والمجازي. يجب أن يكون وقف الحرب في أوكرانيا وإعادة بناء اقتصادها وإبرام اتفاق سلام دائم على رأس الأولويات".
توقعات "النقد الدولي"
قالت كريستالينا جورجيفا رئيسة صندوق النقد الدولي، الثلاثاء الماضي، إن الصندوق يتجه إلى خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري نتيجة الحرب في أوكرانيا، حيث يرى البنك مخاطر حدوث ركود اقتصادي.
وقالت جورجيفا في مقابلة نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن الاقتصاد العالمي مازال قادرا على تحقيق نمو خلال العام الجاري وإن كان بمعدل أقل من 4.4% الذي كان متوقعا من قبل.
شعار صندوق النقد الدولي
وأشارت وكالة بلومبرج للأنباء إلى أنه من المقرر أن يعلن صندوق النقد توقعاته الجديدة للاقتصاد العالمي خلال اجتماعات الربيع السنوية في أبريل/نيسان المقبل.
وقالت جورجيا "إن بعض الاقتصادات التي كانت أسرع في التعافي من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد في موقف أقوى" للتغلب على تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأضافت أن الولايات المتحدة بشكل خاص لديها "أسس اقتصادية قوية للغاية... لكن تلك الدول التي تخلفت في مسيرة التعافي ستجد أن الأمور أصعب" بالنسبة لها مع احتمال مواجهة شبح الركود الاقتصادي.
وبحسب جورجيفا فإن تشديد السياسة النقدية كما يفعل مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي وغيره من البنوك المركزية للدول الغنية، سيؤدي إلى "صدمة كبيرة" للكثير من الدول.
وبحسب جورجيفا فإن نحو 60% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني من "أزمة ديون" أو قريبة من ذلك وهو ضعف عدد الدول المصنفة كذلك في عام 2015.
من ناحيتها قالت جيتا جوبينتا كبيرة نواب رئيسة صندوق النقد الدولي إن الصندوق يرى "انقسامات متزايدة" في أنظمة المدفوعات العالمية كأحد عواقب الحرب الروسية في أوكرانيا، في إشارة إلى لجوء روسيا والعديد من الدول الأخرى إلى أنظمة تسوية مدفوعات بديلة لنظام التسوية العالمي سويفت الذي تم استبعاد روسيا منه نتيجة غزوها أوكرانيا.