أولت السعودية خلال السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً لقطاع السياحة، لتنويع مصادر دخلها إلى جانب النفط، فعملت على إحياء المدن التاريخية في البلاد، وتهيئتها لاستقبال السياح.
وأطلقت المملكة خطة لتطوير القطاع السياحي، حيث تستهدف المنطقة استقبال 400 ألف سائح سنوياً، وتوفير 4200 وظيفة، إضافة إلى تحقيق إيرادات متوقعة بقيمة 360 مليون ريال (95,948 مليون دولار).
كما خططت المملكة إلى الاستثمار بأكثر من تريليون دولار في قطاع السياحة، خلال السنوات العشر المقبلة، حيث بدأت بإنشاء مطارات لخدمة السياحة غير الدينية، وبناء فنادق جديدة.
وبدأت الرياض، في سبتمبر 2019، إصدار تأشيرات لمواطني 49 دولة في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا بقيمة 120 دولاراً. كما تستهدف جذب 100 مليون سائح على الأقل سنوياً بحلول 2030.
وأعفت المملكة من يريدون الإقامة أقل من 18 ساعة من التأشيرة؛ وهو ما يجعل التنقل برّاً بين دول المنطقة أمراً ممكناً.
وأعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في فبراير الماضي، استثمار أكثر من 3 مليارات دولار في بناء فنادق تتألف من 2.7 ألف غرفة و1.3 ألف وحدة سكنية و30 منشأة تسوُّق وترفيه.
وفي أكتوبر الماضي، أطلقت السعودية أكبر استراتيجية لتطوير رأس المال البشري بالقطاع السياحي المحلي، تضم 20 برنامجاً تسعى من خلالها لتوفير مليون وظيفة خلال السنوات الـ10 المقبلة.
وجاءت الاستراتيجية تماشياً مع "رؤية المملكة 2030" في تطوير القطاع السياحي، وتعزيز مكانته في خلق الفرص الوظيفية والمساهمة في رفع الناتج المحلي.
وتتضمن الاستراتيجية برامج تطويرية للكوادر السعودية تهدف إلى العمل التدريجي على توطين وظائف القطاع السياحي، وضمان توافر الكوادر المؤهلة لشغل هذه الوظائف.
وتهدف الاستراتيجية أيضاً إلى تقديم أعلى معايير جودة التعليم من خلال المؤسسات التعليمية والتدريبية المحلية والدولية ذات العلاقة.
وتتضمن الاستراتيجية برامج لتطوير القدرات الوطنية في مجالات صناعة السياحة، وفقاً للمعايير العالمية، ودعم الشركات المتوسطة والصغيرة لتطوير أعمالها وإسهامها في توفير الفرص الوظيفية للسعوديين والسعوديات في مجموعة واسعة من الأنشطة والقطاعات المرتبطة بالقطاع السياحي.
وبدأت الرياض تنفيذ مشروعات ضخمة لتطوير مدن تاريخية مثل مشروع "جدّة التاريخية"، فضلاً عن مليارات الدولارات التي تضخ في مدينة نيوم، وغيرها من المشروعات السياحية التي تقيمها المملكة على ساحل البحر الأحمر.
وبعد النفقات التي صرفت على السياحة في السعودية، استقبلت المملكة، السبت 29 يناير الماضي، أول طائرة تحمل رحلة سياحية إلى مطار العلا الدولي قادمة من العاصمة الفرنسية باريس.
وحملت الطائرة على متنها 75 سائحاً فرنسياً، حيث يأتي إطلاق الرحلة المباشرة من باريس بالتزامن مع موسم فعاليات الشتاء في المدينة التاريخية "العلا".
وسيتاح للزوار الفرنسيين استكشاف العلا، والمشاركة في واحدة من العديد من الفعاليات الفنية والموسيقية والثقافية القائمة.
وأولت المملكة اهتماماً كبيراً بمدينة العلا، تمهيداً لاستقبال السياح، حيث سجلت منظمة اليونسكو عام 2008، موقع الحجر الأثري في المدينة ضمن قائمة التراث العالمي، لتصبح بذلك أول موقع أثري سعودي يسجل ضمن القائمة.
وفي عام 2017، صدر قرار ملكي بإنشاء هيئة ملكية لتطوير مدينة العلا، يرأسها ولي العهد، وفي أبريل الماضي، أطلق بن سلمان الرؤية التصميمية لمخطط "رحلة عبر الزمن" بهدف إحياء وتأهيل المنطقة الأثرية الرئيسة في العُلا.
وقبيل وصول الطائرة الفرنسية السياحية، شرعت الهيئة الملكية في تنفيذ خطة طويلة الأمد لتطوير المحافظة وتحقيق التحول المستدام وتعزيز مكانتها كإحدى الوجهات الأثرية والثقافية المهمة، والنهوض بها لاستقبال الزوار من كافة أنحاء العالم.
وتعمل الهيئة على تطوير وتنفيذ مبادرات مختلفة للنهوض بقطاعات الآثار والسياحة والثقافة والتعليم والفنون والبيئة في المحافظة، تماشياً مع أهداف رؤية 2030.
بدوره أكد الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا عمرو بن صالح المدني أن الهيئة أطلقت، في فبراير الماضي، المرحلة التجريبية من خدمة النقل العام بواسطة المركبات الكهربائية ذاتية القيادة.
ويعد إطلاق الخدمة، وفق تصريح المدني، خطوة أولى نحو تحقيق هدف الهيئة المتمثل في تمكين المقيمين والزائرين في محافظة العلا من الحصول على أحدث خدمات النقل والآمن والفعّال من حيث استهلاك الطاقة.
ويهدف إطلاق التجربة، حسب المدني، إلى تحقيق الاستدامة التي تعد هدفاً استراتيجياً للهيئة في محافظة العلا نحو تحويل منطقة شمال غرب شبه الجزيرة العربية إلى مركز للابتكار والسياحة والأعمال التجارية.
استقبال السياح
الإعلامي والباحث في تاريخ مدينة العلا السعودية حامد السليمان، يؤكد أن الفترة الأخيرة شهدت العلا فيها قفزات كبيرة في السياحة ووصول السياح، خاصة في ظل إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا للحفاظ على تراث وإرث العلا.
وستشهد المدينة، وفق السليمان، نهضة سياسة كبيرة خلال الفترة القادمة، خاصة أنها تتضمن العديد من المواقع الأثرية، والطبيعية، والبيئية المبهرة.
وخلال الأيام القادمة، يوضح السليمان في حديثه لإذاعة "وصال"، في سبتمبر الماضي، سيكون هناك مزيد من قدوم السياح، خاصة مع وجود فنادق ومنتجعات سياحية بجميع الفئات، وشقق فندقية، إضافة إلى مشاريع يعمل عليها.
إشادة فرنسية
فرنسا التي وصلت أول طائرة سياحية للمدينة منها، أكد سفيرها لدى السعودية لودوفيك بوي، أن محافظة العلا ستصبح إحدى أهم الوجهات السياحية العالمية، لما تملكه من مكونات طبيعية خلابة، وتاريخ وآثار متنوعة تعود إلى آلاف السنين.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية" واس"، في نوفمبر الماضي، عن السفير بوي قوله: "نعمل من خلال الشركات الفرنسية في المملكة، وخاصة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لاكتشاف هذا المكان الخلاب من التاريخ القديم، بهدف دعم التنمية بالمحافظة في شتى المجالات".
وحسب السفير، وقع اتفاق بين الهيئة وشركة "Thales" بهدف تحويل العُلا لمنطقة ذكية من حيث الأمن وإدارة حشود السياح، بمشاركة عدد من المختصين ذوي الخبرة العالمية.
وأكد أن "ما يقوم به السعوديون والفرنسيون سيكون مفيداً للعلا وللمنطقة وللعالم بأسره، لكونها شراكة عالمية استراتيجية بين المملكة وفرنسا".
وأشار إلى أنهم يستطيعون في السنوات القادمة بذل المزيد من الجهد في كل المجالات، وجلب الخبراء الفرنسيين والشركات التي تشارك في هذا المشروع الطموح لرؤية 2030.
فنادق جديدة
ولتجهيز المدينة سياحياً اتفقت السعودية مع أكبر مجموعة فندقية في أوروبا على توسعة وتشغيل منتجع في مشروع العلا السياحي الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار؛ في المنطقة التي تقع بشمال غرب السعودية.
وتؤكد الهيئة الملكية لمحافظة العلا السعودية أنها بدأت أعمال توسعة منتجع "عشار" بالشراكة مع أكور تحت اسم العلامة التجارية بانيان تري، بإضافة 47 وحدة جديدة، لتبلغ طاقة المنتجع 82 فيلا فاخرة، إضافة إلى منتجع صحي ومطاعم مميزة.
ويقام مشروع العلا في موقع حضارة قديمة في ركن ناءٍ بشمال غربي البلاد، وهو جزء من خطة السعودية لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط والانفتاح بعد انغلاق دام لعقود.
ويقع المشروع في وادي عشار على مسافة 15 كيلومتراً من أول موقع تعلنه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ضمن مواقع التراث العالمي في السعودية في منطقة الحجر التي تعرف أيضاً باسم مدائن صالح.