آخر الأخبار
  تصريح رسمي حول انتشار الانفلونزا في الأردن   سوريا .. تصفية شجاع العلي المشتبه بتورطه في جرائم مسلحة   خطة أمنية شاملة خلال فترة امتحانات الثانوية العامة   مهم من وزارة العمل حول أخر يوم للإجراءات التنظيمية للعمالة الوافدة   مراكز الإصلاح تُمكّن أحد نزلائها من اجتياز متطلبات الماجستير   مندوبا عن الملك وولي العهد .. العيسوي يعزي الشوابكة   "جمعية البنوك الاردنية" تبشر الاردنيين بخصوص أسعار الفائدة للعام القادم   أمطار قادمة للمملكة في هذا الموعد!   الأردن يرفض اقتحام وزير أمن الاحتلال للمسجد الاقصى   النائب عطية يسأل الحكومة عن هرب 13 ألف عاملة منزل   الضريبة تدعو الأردنيين لتقديم طلبات التسوية.. وتعلن السبت دوام رسمي   التعليم العالي: لا مخالفات علينا في تقرير ديوان المحاسبة 2023   وزير الداخلية ينعى المساعدة   الاردن .. كم لاجئاً سوريا عاد إلى بلاده منذ سقوط الأسد ؟   وفاة موظف في وزارة التربية .. والوزير ينعاه   الأوقاف تدعو المواطنين لأداء صلاة الاستسقاء   بشرى سارة للمقترضين في الأردن   هذا ما ستشهده سماء المملكة في الفترة من 28 كانون أول/ ديسمبر إلى 12 يناير   محاضرة توعوية في عمان الأهلية حول العنف الأسري   وفد طلابي من عمان الأهلية يزور اللجنة البارالمبية الأردنية

تجارة موسمية تخترق " التوجيهي"والهاتف النقال يستحوذ على %30 من حالات الغش بالامتحان

{clean_title}

 جراءة نيوز-عمان:

وطّي صوتك؛ محمد عنده توجيهي"، "محمد مش هون"، هذه الكليشيهات تصد كل زائر أو قريب يجازف بزيارة منزل أبو محمد. أعصاب الأسرة مشدودة على مدار العام، خوفا من أن يلاقي محمد مصير ابن عمّه عامر، فيخسر من عمره عاما لإعادة هذا الامتحان؛ بوابة مستقبل شباب الأردن أو انتكاستهم. 

حظر التجول يشل الأسرة على امتداد العام، فالزيارات غير مرحب بها في الأغلب الأعم إلا لمدرسي الخصوصي الذين يتقاطرون إلى غرفة محمد، علّه "يبيض" وجه والديه.
أكثر من 130 ألف طالب وطالبة ثانوية عامة يعيشون وأسرهم سنويا ذات الأجواء التعبوية تقريبا.
على أن بعض تلك الأسر والطلبة يجهلون ما انزلق إليه "عميد" الامتحانات الأردنية الذي يُشكل كابوساً للكثيرين. فلم يعد من الصعوبة تسريب أسئلة أهم امتحان وطني أردني منذ أكثر من نصف قرن، والمتاجرة به في الأسواق السوداء عبر خلايا رقمية متخصصة في بيع أوراق الامتحان الرسمية -الحقيقية- وإجاباتها، عدا عن مظاهر التسيب والغش في أرجاء القاعات، وتواطؤ بعض المؤتمنين من مسؤولين، ورؤساء قاعات ومراقبين على جودة الامتحان، وسلامة مخرجاته.
يكشف هذا التحقيق خفايا عمليات التسريب والإتجار المنظمة لأسئلة الامتحان وأجوبته، من خلال مجموعات تضم شبانا مزودين بأجهزة خلوية وحواسيب شخصية تستلم الأسئلة المسربة من داخل القاعات ثم يجيب عنها أساتذة متخصصون في المبحث قبل إعادة إرسالها للطلبة/ الزبائن داخل القاعات باستخدام مسجات قصيرة عبر الهواتف النقالة، أو سماعات أذن صغيرة.
يحدث كل ذلك وسط ضعف الرقابة الفاعلة من وزارة التربية والتعليم وتغاضي بعض رؤساء القاعات والمراقبين عن ممارسة الغش.
                                             تجربة حية 
بالنسبة لكاتب التحقيق بدت أحاديث الطلبة وبعض وسائل الإعلام عن الغش في قاعات امتحان الثانوية أمرا عشوائيا، إلى أن قرر أن يكتشف حجم المشكلة عبر خوضه تجربة التوجيهي مجددا بعد تخرجه بست سنوات. سجّل كاتب التحقيق في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للدورة الصيفية للعام 2011-2012، ثم بدأ رحلة التعامل مع وسطاء وسماسرة يعملون ضمن ما يشبه الخلايا المنظمة في بيع وشراء أسئلة وإجابات الامتحان، كما عمل على تصوير مشاهد التسيب والغش داخل قاعتين للامتحان في عمان ومادبا باستخدام الكاميرا المخفية.
اتفق كاتب التحقيق مع أحد الوسطاء على شراء أسئلة مادة علوم الأرض/ المستوى الثالث لقاء 100 دينار، ليتسنى لهُ حلها على يد أحد الأساتذة المختصين وإرسال إجاباتها إلى طالبٍ قريبٍ لهُ أثناء انعقاد الامتحان من خلال الخلوي؛ هكذا أوهم الوسيط ليقبل العرض.
 مع بدء الامتحان في التاسعة صباحا يوم 30/6/2012 وصلت كاتب التحقيق رسالة وسائط متعددة "MMS" تحمل صورة كاملة لورقة الامتحان، وقد وثّق فريق التحقيق تلك الواقعة بالصوت والصورة.
اخترق كاتب التحقيق خمس خلايا متخصصة في بيع أسئلة وإجابات التوجيهي للدورة الصيفية في محافظة مادبا، كما رصد خلايا مشابهة في السلط، سحاب، الزرقاء وبعض مناطق العاصمة عمان.
بورصة الأسعار لإجابات الفرع العلمي تبدأ من 25 ديناراً صعودا إلى 200 دينار، وللأدبي من 10 دنانير متجاوزة 150 ديناراً والإدارة المعلوماتية 15 دينارا.
سعر ورقة أسئلة الامتحان كاملة يتراوح بين 75 دينارا و1000 دينار، فهو يتغير تبعا للفرع الدراسي، صعوبة المادة، المستوى والغاية من الشراء.
مثلا أسئلة التاريخ الوزارية للمستويين الثالث والرابع للفرع الأدبي وصلتا كاتب التحقيق مع بدء الامتحانين مقابل 75 دينارا لكل منها من إحدى خلايا بيع الأسئلة المنتشرة في مادبا. ولم تحمل أوراق الامتحانين أي أختام أو أسماء للطلبة، فيما بدا واضحا أن أسئلة التاريخ المستوى الثالث مصورة من أحد الطلبة، إذ يظهر دفتر الإجابة في ثنايا الصورة؛ وقد وثق كاتب التحقيق وفريقه ذلك أيضا. 
تهدف تلك الخلايا من وراء شراء الأسئلة أو تهريبها إلى إيصال إجاباتها للطلبة لاحقا أثناء انعقاد الامتحان وعبر الهواتف المحمولة.
لم يقتصر الأمر على بيع الأسئلة. فالإجابات لها النصيب الأوفر من تلك الصفقات لأنها الهدف الأسمى للطالب. تمكن كاتب التحقيق من شراء أسئلة 12 امتحان توجيهي لمواد مشتركة بين الفروع الأكاديمية وأخرى خاصة بفروع العلمي، الأدبي والإدارة المعلوماتية من سبع خلايا في كل من مادبا، سحاب، الزرقاء، وبأكثر من نسخة. 
بعد دفع المال المطلوب للحصول على إجابات الامتحان، جاء موعد تسلمها. 
في قاعة مدرسة أبو عبيدة (2)، مدينة مادبا، قاعة امتحان الحاسوب للمستوى الثالث. أخذ كاتب التحقيق مقعده في القاعة كطالب دراسة خاصة. عشر دقائق مرّت على بدء الامتحان، ثم بدأ هاتفه بالاهتزاز؛ رسالة تحوي جزءا من إجابات الأسئلة، ثم تتوالى الرسائل تباعا والكاتب يطرزها على دفتر الإجابة.
بدا المراقبون داخل القاعة غير عابئين، كانوا يرونه ينقل الإجابات واحدة تلو أخرى من هاتفه النقال، فلم يكن منهم إلا أن حذروه من احتمال حرمانه في حال علم رئيس القاعة بالأمر.
                                             خلايا منظمة
سيارة لون كحلي تقف أمام بوابة مدرسة أبو عبيدة في مادبا قبل بدء الامتحان بنصف ساعة، يجلس داخلها ثلاثة شبان. تجمع حولهم الطلبة، لدفع المبالغ اللازمة للحصول على الإجابات عبر هواتفهم النقالة أثناء تأدية الامتحان.   
تبدأ المفاوضات بالسؤال المعتاد للسمسار: "كم مادة معك؟" (يقصد عدد المباحث التي يتقدم بها لدورة الامتحان ليتأكد من انه ليس "زبونا طيارا"). بعد الاتفاق على السعر يطلب أحمد، قائد الخلية، رقم الهاتف المنوي إرسال الإجابة له،  فيما يسجّل رفاقه الرقم على أحد الهواتف العشرة التي كانت معهم بصورة مستعجلة لمقابلة زبون آخر.
 هذا ما حصل مع كاتب التحقيق، الذي اشترى إجابات ثلاثة امتحانات من خلية السيارة لقاء 15 دينارا عن كل امتحان، وصلته بعد عشر دقائق على بدئه.
وحين واجه كاتب التحقيق "السمسار" أحمد بعد الامتحان بحقيقة شرائه الأجوبة، نفى ذلك نفيا قاطعا. 
من بين تجار الأسئلة والأجوبة أوس (اسم مستعار)، أحد المتقدمين لامتحان التوجيهي.
عكف كاتب التحقيق على إقناع أوس (18 عاما) برغبته في شراء إجابات امتحانات فرع الإدارة المعلوماتية. اتفقا على الموعد والمكان. وصل كاتب التحقيق أمام محكمة بداية مادبا، اتصل بأوس وأخبره بقدومه، خرج الأخير من "الكافي شوب" المقابل وجلسا على قارعة الطريق للتفاوض.
 طلب أوس بطاقة الإشعار بالاشتراك في الامتحان ورقم الجلوس، تفحصه جيدا واتفق على إرسال إجابات جميع المباحث التي يريد أن يتقدم لها كاتب التحقيق عبر الهاتف النقال بعد دقائق من بدء الامتحان لقاء 15 ديناراً للمباحث المشتركة بين الفروع الأكاديمية و20 ديناراً للمباحث التخصص. 
بحسب أوس يشرف على صياغة تلك الإجابات "أساتذة متخصصون" رفض الكشف عن هوياتهم. وفي سعيه لتبديد قلق كاتب التحقيق من احتمال عدم قدرته على استخدام الخليوي أثناء الامتحان، أكد أوس أن رؤساء القاعة متساهلون مع الطلبة، وأنهم على معرفة بوالده الذي يعمل "بمنصب مرموق في وزارة التربية والتعليم"، وبفضل تلك العلاقة، يؤكد أوس حصوله على معدل 85 % بعد تلقيه إجابات الامتحانات عبر جهازه الخلوي داخل القاعة.
زرنا منزل أوس أكثر من مرة، تأكدنا خلالها من هوية الأب الذي يتبوأ منصبا رفيعا في وزارة التربية والتعليم.
حاول كاتب التحقيق معرفة الكيفية التي حصل بها الشاب على أسئلة الامتحان وأجوبته، لكن دون جدوى. كل ما تمكنا من رصده هو عمل أفراد العائلة في هذه "التجارة"؛ فبحسب أوس، يشرف شقيقه وأصدقاؤه على مراحل "توريد" الأسئلة/ البضاعة، في حين يشرف هو على" التسويق".
أثناء الامتحان، تمت العملية بنجاح، تلقى كاتب التحقيق كامل الإجابات على هاتفه النقال كما وعد أوس، ثم تحقّق من صحتها بمساعدة مدرسين للمرحلة الثانوية فوجدها صحيحة بنسبة تفوق 90 %. 
لاحقا، ولدى مواجهة الشاب بحقيقة دورنا كصحفيين، أجاب ببرود وبنبرة ملؤها التحدي: "احكيلهم إني بتاجر واللي بطلع بإيدكم حطوه بالدرج".
                                      آلية تسريب الأسئلة
قدّم لنا أحد الشبان العاملين في تلك الغرف هذا الوصف وشرح لنا الكيفية التي يتحصل به الطلبة على إجابات الأسئلة عبر أجهزتهم الخلوية: جهازا حاسوب شخصيان على الأقل، عشرة أجهزة خلوية، معلم مبحث متخصص كحد أدنى، أكثر من ستة أشخاص مجتمعين في غرفة العمليات الخاصة بتسريب الأسئلة.
يقول عامر: "تُسرب الأسئلة من قبل طالب يتم تسجيله في امتحان التوجيهي لهدف واحد، هو تصوير الأسئلة مع بدء توزيعها على الطلبة في قاعة الامتحان وإرسالها عبر هاتفه الذكي للخلية. كما قد تستعين الخلية ببعض المراقبين أو الأذنة لتسريب الأسئلة بتصويرها على أجهزتهم الخليوية، وإرسالها (لغرفة العمليات)".
"ما إن تصل الأسئلة لغرفة العمليات عبر الهواتف النقالة، حتى يقوم المدرس المختص، بحلها الواحد تلو الآخر، ويسلّم السؤال المنجز "المحلول" لفريق الحواسيب. يدخلها هؤلاء إلى أجهزتهم ثم يرسلونها من فورهم للأجهزة الخلوية لبقية أفراد المجموعة. عندئذ يتم إرسالها على شكل رسائل نصية "للزبائن" من الطلبة الذين سبق ودفعوا أثمانها"، على ما يصف عامر.
"هناك بزنس وتجارة بامتحان الثانوية العامة في الأردن، وخروج أسئلة التوجيهي من أي مكان في البلاد لم يعد معضلة"، بحسب مدير تربية السلط الدكتور محمد كلوب.
"ليس هدفهم التقدم لدورة الامتحان بل هدفهم الحصول على ورقة الأسئلة وتسريبها خارج قاعة الامتحان إما عن طريق تصويرها بالخلوي الموجود معهم أو بالهروب بها، وهناك وسائل أخرى تُحير وزارة التربية والتعليم"، على ما يعلّق مدير تربية مادبا الدكتور عمر المساعفة على بعض الشبان ممن يسجلون للامتحان فقط لغرض تسريب الأسئلة.
كاتب التحقيق عاين بنفسه أثناء تقديمه الامتحان كيف يتقدم بعض الشبان لفحص التوجيهي بغية تصوير الأسئلة وإرسالها للخلايا إياها. 
في اليوم الأول لامتحان الدورة الصيفية الذي حضرناه، لاحظنا دخول أحد هؤلاء الشبان متأخرا، فور جلوسه، أخرج هاتفه النقال وشرع يصور الأسئلة ويرسلها برسائل نصية قصيرة ثم استأذن ليذهب إلى دورة المياه، فلم يأذن له، فهرب من القاعة عنوة فيما لم تفلح جهود المعلمين بالإمساك به.
                             الأسئلة مسربة قبل انعقاد الامتحان 
أحيانا قد تصل الأسئلة قبل فترة من الامتحان ليتمكن الطالب/ الزبون من تحضير إجاباتها سلفا، على ما يوضح العشريني خلدون، أحد طلبة المتقدمين لفحص الثانوية في قصبة إربد شمالا. 
على ما يؤكد هذا الشاب، فقد وصلته أجزاء من أسئلة التوجيهي قبل الامتحان بيوم واحد.
  لم يكن امتحان الانجليزي الوحيد الذي تم تسريبه لخلدون، إذ تمكن من الحصول على جزء من أسئلة امتحانات الثقافة الإسلامية، مهارات الاتصال العربي والرياضيات العلمي. ويؤكد خلدون أن هذه الأسئلة كانت دقيقة ومطابقة لتلك التي سلمت له من قبل الوزارة في قاعة الامتحان.
طالب 25 نائباً في البرلمان الأردني عبر مذكرة برلمانية بتاريخ 24/1/2012 حصل عليها كاتب التحقيق، بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول تسريب أسئلة التوجيهي للدورة الشتوية في بعض المواد إضافة لتزايد حالات الغش داخل القاعات. لم يتسن لكاتب التحقيق التأكد مما إذا نوقشت تلك المذكرة تحت قبة البرلمان أم لا .   
                               اتهامات لمسؤولين في الوزارة 
يتهم المدرس حمزة الشرابي من محافظة المفرق "مسؤولين في وزارة التربية والتعليم" لم يسمهم، بتسريب أسئلة امتحان الثانوية العامة لبعض العائلات في المحافظة ليقوم هؤلاء بتزويد أبنائهم بها. 
يؤكد الشرابي أن  سعر ورقة الامتحان المسربة قبل انعقاد الفحص في المفرق، قد يصل 1000 دينار.
                                       تأكيد رسمي 
من جانبه يقر مدير تربية السلط الدكتور محمد كلوب بـ"أنه لا توجد طريقة محددة لتسريب ورقة الأسئلة من القاعة أثناء الفحص، فقد تكون من العاملين في المؤسسة التربوية".
"كل ألوان الغش مارسها بعض المشتركين في امتحان التوجيهي ابتداءً من الخلوي، والقوقعة اللحمية (سماعة صغيرة لاسلكية بحجم حبة العدس توضع في الأذن وتتيح سماع الإجابات على جهاز الخلوي) وانتهاءً بحل الأسئلة عبر مكبرات الصوت" وفق مدير تربية السلط د.محمد كلوب. 
بدوره عمد كاتب التحقيق أثناء تقديمه لامتحان الثانوية الدورة الصيفية 2012 في قاعة مدرسة أبو عبيدة (2) لتصوير وقائع الغش والتسيب داخل القاعة التي قدم بها فحوصات لخمسة مباحث قبل فصله نتيجة كشف المراقبين للكاميرا التي وثقت المشاهد.
وثّقت الكاميرا كيف ملأ الضجيج القاعة بعد 10 دقائق من بدء الامتحان، نتيجة تتابع الرسائل القصيرة التي تحمل الإجابات على هواتف الطلبة، وكيف سهل المراقبون أنفسهم دخولها لقاعات الامتحان واستخدامها لأغراض الغش. 
يعلّق مدير تربية قصبة مادبا د.عمر المساعفة على هذه الوقائع بالقول: "الهواتف الخلوية ووسائل الاتصال من أهم العوامل التي ساعدت على اتساع ظاهرة الغش للأسف، فهناك تواصل بين المشتركين بالامتحان ومن هم خارج القاعة (...) الغش ظاهرة موجودة ولا يمكن حصرها في منطقة أو زمن معين" . 
حل أسئلة التوجيهي بمكبرات الصوت قرب قاعات التوجيهي تكرر في أكثر من مكان في الأردن، حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام المحلية، وأكده طلبة لكاتب التحقيق في السلط، عمان والكرك.
وفي ردها عبر الفاكس على ما توصل له كاتب التحقيق، نفت وزارة التربية والتعليم "وجود شكاوى حول تسرب أسئلة التوجيهي".
                    الوزارة  تسعى للحيلولة دون النشر وتهدد بالقضاء
غداة نشر هذا التحقيق، تلقى كاتبه اتصالا من الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم أيمن بركات يخبره برغبة الوزير فايز السعودي لقاءه، بعد عديد محاولات سابقة لهذا الغرض باءت بالفشل.
برفقة زميلتين صحفيتين وبحضور الناطق الإعلامي أيمن بركات، حاولنا إطلاع الوزير على النتائج التي توصل لها التحقيق لأخذ رده عليها. 
لكن السعودي سعى إلى ثني كاتب التحقيق عن النشر من خلال تهديده باللجوء إلى القضاء، قائلا: "إنه يمتلك حقائق تدين كاتب التحقيق وتفضحه سيعمل على نشرها على شاشة التلفزيون الرسمي". وطلب السعودي إلى فريق التحقيق عدم النشر "حفاظا على سمعة الأردن" ثم أنهى المقابلة من طرف واحد. 
يأتي ذلك رغم أن الوزير كان أكد وجود أساليب غش مبتكرة في مقابلة على شاشة فضائية رؤيا الخاصة مساء الاثنين.
وكان كاتب التحقيق تقدم بطلب حق الحصول على المعلومة طبقا للقانون رقم (47) لسنة 2007 تضمن سبعة أسئلة لوزارة التربية والتعليم تتعلق بموضوع التحقيق. لم تجب الوزارة إلا على أربعة منها، ودون الخوض في التفاصيل أو تقديم إجابات شافية عن تساؤلات التحقيق. 
                        السلط :"نخوة" في تسريب أسئلة التوجيهي!!
 في محيطها سيارة مدرعة وعشرات من رجال الدرك والأمن العام، أكثر من 70 شخصا من شبان ورجال ونساء يجلس بعضهم في البقالة المقابلة لها، نصف ساعة مضت على بدء امتحان اللغة الإنجليزية/ المستوى الرابع في مدرسة أديب وهبة في السلط. سيارة لون سلفر تأتي مسرعة تركن قرب المدرسة ويترجل منها شاب في العشرينيات من عمره، بيده مجموعة من الأوراق اتضح لاحقا أنها نسخ إجابات لأسئلة الامتحان.
 دفع بالصبيان للقفز عن سور المدرسة، تسلق الصغار حائط البناء ليصلوا إلى النوافذ ويلقوا بالأسئلة للطلبة من الأقارب والأصدقاء داخل قاعة الامتحان. حاول رجال الدرك إيقافهم لكن دون جدوى. 
على سور المدرسة الغربي، لفت نظرنا كيف يقف الشبان وهم يقذفون بأكياس معقودة بها حجارة وإجابات الامتحان لآخرين على سطح المدرسة لإيصالها لغرف الفحص.
لم يختلف هذا المشهد عما وثقته الكاميرات في ساحة مدرسة حسني فريز في مدينة السلط خلال امتحان الرياضيات في الدورة الشتوية للامتحان التوجيهي لعام 2012. 
يصف لنا الدكتور الكلوب وقائع الحادثة: "كانت إجابات الأسئلة تدخل عنوة إلى قاعات الامتحان، ورئيس القاعة، مساعده والمراقب يقاومون عملية دخول نموذج الحل، وسط تحطيم لزجاج المباني ولحديد الحماية فضلا عن الاعتداءات الجسدية".
                                 تعددت الطرق والغش واحد 
وتشير نتائج استبيان غير علمي أعده وأشرف عليه كاتب التحقيق وشارك فيه 142 من طلبة التوجيهي من مختلف مناطق المملكة للدورة الصيفية، أن 56 % من الطلبة حاول الغش في امتحانات التوجيهي، و46 % مارسوا الغش فعلا، في حين استخدم 20 % من العينة الهاتف النقال وقصاصات الورق للغش في الامتحان.
ويرى 72 % من العينة أن المراقب تغاضى عن ممارسة الطلبة للغش في قاعة الامتحان، فيما أكد 51 % أن رئيس القاعة تغاضى عن الغش في امتحان التوجيهي.
وأشار 93 % أنهم سمعوا عن غش في قاعات تقديم امتحان التوجيهي، بينما أكد 86 % أن زملاءهم مارسوا الغش في فحص التوجيهي. 
بلغت أعداد العقوبات المتخذة ضد المخالفين "لإجراءات معالجة الغش" في الامتحان للدورة الصيفية وفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم 2495 منها 303 إنذارات و1499 إلغاء مبحث، و629 إلغاء امتحان الدورة، 14 إلغاء امتحان دورتين وتحويل إلى القضاء، حيث تقدم لهذه الدورة قرابة 138 ألف طالب وطالبة.
                                     وهم الرقابة داخل قاعة الامتحان
ضُبط الخلوي وهو يستقبل رسائل الإجابات مع "عبد الله" من قبل رئيس القاعة التي تقدم بها كاتب التحقيق لامتحانه، دقائق وعاد أحد المراقبين لعبدالله بالخلوي الخاص به ليستخدمه حتى انتهاء الامتحان دون تطبيق إجراءات معالجة الغش عليه. 
بعد أيام رئيس نفس القاعة يَضبط "محمود" وهو يغش من هاتفه الخلوي، ثم يُحجز الجهاز من قبل المراقب ليعيده له بعد برهة ويستأنف الشاب إجابة الامتحان بالغش.
"قبل ما ينتهي الامتحان بنص ساعة أكون قد نقلت 28 علامة من أحد زملائي المتميزين بالدراسة" بحسب زيد طالب التوجيهي في إحدى مدارس وسط عمان.
"في امتحان الرياضيات العلمي.. أعطيت إجابة سؤال الاختيار من متعدد للمراقب ليقوم بنفسه بتوزيعها (تغشيشها) لزملائي في غرفة الامتحان" يؤكد زيد الذي يتفاخر بأنه مارس الغش في جميع مباحث الدورة الصيفية السبعة التي تقدم لها. 
أحد المراقبين بعد أن لاحظ قيام كاتب التحقيق متعمدا بالغش، طلب إليه مساعدة "تغشيش" أحد أقربائه.
مراقب آخر أجاب عن بعض أسئلة الامتحان لبعض الطلبة في امتحان الثقافة الإسلامية في إحدى قاعات التوجيهي في عمان، وفق ما يؤكد عمر الطالب في ذات القاعة.
مراقب يلعب بهاتفه النقال، وآخر يتبادل الرسائل مع زميله في الغرفة، فيما يتكلم أحدهم بالخلوي داخل غرفة الامتحان وأثناء انعقاده، مشاهد رصدها كاتب التحقيق في قاعة مدرسة أبو عبيدة (2) يعد بعضها مخالفا لإرشادات الامتحان التي أقرتها الوزارة.
                               كتاب التوجيهي بحجم كفة اليد
قبل الامتحان بساعة يدخل كاتب التحقيق إحدى مكاتب الخدمات الطلابية ويسأل: "في غش ثقافة إسلامية مصغر؟" يرد صاحب المكتبة بالإيجاب ويعرض قصاصات نصوص آيات القرآن المطلوبة بالامتحان، إضافة إلى الأحكام الشرعية وتعريفات المنهاج، يشتري كاتب التحقيق بعضا منها بحجم أصغر من كف اليد بنصف دينار أردني. اشترى كاتب التحقيق كتاب الحاسوب المصغر بدينار أردني.
 الأوراق المصغرة لأي كتاب توجيهي تباع بدينار في تلك المكتبات، يتزاحم الطلبة صباح يوم الامتحان على أبواب مكتبات القرطاسية لشراء قصاصات الغش تلك. أربع مكتبات قرطاسية من أصل خمس زارها كاتب التحقيق في مادبا، تقوم بتصغير منهاج التوجيهي وبيعه على الطلبة خلال فترة انعقاد الامتحانات.
وفي منطقتي الأشرفية وحي نزال بشرق عمان، رصد الكاتب ثلاث مكتبات من أصل أربع تبيع مناهج التوجيهي المصغرة للغش أيضا.
بينما في السلط تَبيع بعض المكتبات إجابات أسئلة امتحان التوجيهي بالحجم الكبير "A4" بدينار، أثناء انعقاد الامتحان.
                           الغش ينكشف في قاعات التصحيح
تطابق الأخطاء في دفاتر إجابات الطلبة كان واضحاً أثناء تصحيح مباحث الرياضيات لبعض الفروع، فالأخطاء في الكتابة متطابقة، حتى السطر الفارغ تطابقت به دفاتر الإجابة المتتالية في الصندوق، وهذا يؤشر على أن الطلبة مارسوا غشا جماعيا من مصدر واحد للإجابة. وفق ما أكد غسان (اسم مستعار) المصحح لفحص الرياضيات للدورة الصيفية 2012.
إذا كان الغش الجماعي واضحا فإن الغش باستخدام الهاتف أوضح، "فالغش باستخدام الهاتف سهل التمييز وقد شكل أكثر من 30 % من دفاتر الإجابة. فالكتابة بلغة الهاتف؛ مثل وضع حرف (هـ) بدل أشارة التكامل.
بِحُرقة وألم تابع غسان: "لا نستطيع أن نتخذ أي إجراء حيال هذه الدفاتر لأن الطالب لم يتم ضبطه متلبسا بالغش، لكننا اتفقنا كمصححين أن نضع صفرا للطالب الذي يكتب بلغة الهاتف". بلغ عدد الاعتداءات التي حصلت في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة الدورة الصيفية لعام 2012، بحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم 304 اعتداءات، في حين كانت في الدورة الشتوية للعام نفسه 119 اعتداء، أي بزيادة 185 اعتداء. 
                                          نهاية بلا حلول 
تعرف أحد الطلبة على الكاميرا السرية التي يستخدمها كاتب التحقيق، وأفاد بأنه استخدمها ويعرفها جيدا، من خلال عمله في إحدى أجهزة الدولة، دقائق وكان الخبر يصدح في أرجاء القاعة بين الطلبة والمراقبين، الذين حاولوا التضييق على كاتب التحقيق.
أصبح كاتب التحقيق غير مرغوب بوجوده في قاعة الامتحان، وخاصة بعد أن عرف المراقبون أنه حاصل على درجة البكالوريوس، ما زاد علامات الاستفهام حول هويته.
بمحصلة الأمر كان لهم ما أرادوا، ما أن أخرج كاتب التحقيق هاتفه، الذي يحتوى على إجابات الأسئلة حتى تم ضبطه وحرمانه من دورته الامتحانية، رغم أن غالبية الطلبة في القاعة كانوا يخرجون هواتفهم الخلوية، دون أن يتخذ بحقهم أي إجراء مشابه.
بعد تحويل هاتفه الخلوي إلى التربية، وما أن راجع كاتب التحقيق الوزارة حتى أخذ جهازه دون أن يطلب إليه الإفصاح عن رقم هاتفه أو رقم مرسل الرسائل الخاصة بالامتحان، كما لم تقم التربية بتحويله إلى الأمن العام للتحقق من مصدر إجابات الامتحان المسربة إلى هاتفه.
 * هذا التحقيق أعد بدعم وإشراف شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية)