لا يمكن قراءة تلك «التسريبة» التي شغلت الرأي العام الأردني أمس الاربعاء بعنوان احتمالية العودة لصيغة قانون الضريبة المسحوب إلا في سياق مشهد تنفيسي مجدداً يحاول إظهار ترنح وجهة نظر الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور عمر الرزاز في مواجهة صندوق النقد الدولي.
أمس أشغلت صحيفة «الغد» اليومية الرأي العام بخبرها المتعلق باحتمالية عودة الرزاز إلى صيغة لقانون الضريبة سبق ان اسقطت حكومة سلفه الدكتور هاني الملقي وسط التأشير على تجاذبات وخلافات في مركز القرار خلف الستارة تدفع باتجاه سيناريو محتمل لتعديل على جدول اعمال الدورة الاستثنائية للبرلمان يضمن اقحام معدل قانون الضريبة مجدداً.
يعني ذلك ببساطة أن صندوق النقد الدولي تشدد خلف الكواليس في جزئيتين في غاية الأهمية وهما ضرورة إقرار قانون الضريبة الجديد نهاية الشهر الحالي وليس فقط تحويله للسلطة التشريعية. أما الجزئية الثانية فتظهر بأن الصندوق الدولي مصر تماما فيما يبدو على تخفيض سقف الاعفاءات الضريبية وزيادة الشرائح وهي عمليا النقطة التي اثارت حراك الدوار الرابع والشارع الأردني واسقطت حكومة الملقي في شهر أيار الماضي وقفزت بحكومة الرزاز.
التسريبات تكاثرت خلال الـ48 ساعة الماضية وحكومة الرزاز في ملف إشكالي من وزن التصعيد الضريبي لا تبدو ممسكة تماماً بزمام المبادرة او لديها اتجاه حاسم خصوصاً أن مجلس النواب وفي حال العودة لسيناريو الملقي في قانون الضريبة قد يتجه نحو رد هذا القانون وفقاً لموقف علني تبرمج لنصيحة الرزاز بتوقيع نائب رئيس مجلس النواب خميس عطية.
شبح سيناريو الملقي في مسالة الضريبة يحوم حول الرزاز .. هذا ما تقوله ضمنياً معطيات الواقع خلال الساعات القليلة الماضية، الأمر الذي يدخل مزاج الشارع في سياق التصعيد مجدداً ويقلق ترتيبات الرزاز العلنية نفسه لان تحويل قانون الضريبة المعدل للبرلمان يحتاج لنحو أسبوعين على الاقل بصرف النظر عن صيغته ومضمونه. وهي فترة يحتاجها ديوان التشريع في رئاسة الوزراء ثم نشر القانون للعموم قبل الاحتكام لأركان عملية التشريع الدستورية.
الموقف يبدو معقداً وخيارات الرزاز تضيق أكثر والخلافات بينه وبين نائبه الدكتور رجائي المعشر لم تعد مكتومة خصوصاً وانها تطال مسألتين. الأولى لها علاقة بقطاع البنوك وفرض المزيد من الضرائب عليه ، والثانية لها علاقة بوجهة نظر المعشر المركزية بعنوان العودة للواقع على الارض وتوقف الحكومة ورئيسها عن التحليق بدفع من ضغط الشارع وغرائزه ورغباته. والمفارقة ان ملف قانون الضريبة من حيث حسم النص والتوقيت يؤثر على كل المعطيات بما في ذلك سقف ومضمون جدول أعمال الدورة الاستثنائية وهوية التعديل الوزاري المرتقب وتركيبة مضامين المنجزات التي ستقول الحكومة للشارع انها انتهت منها بعد اقل من ثلاثة اسابيع تنتهي فيها الـ 100 يوم التي تحدث عنها الرزاز نفسه.
يلاحظ في الهامش مصدر خبير وعميق أن تفاعلات الرزاز مع متطلبات التواصل الاجتماعي انحسرت تماماً للأسبوع الثالث على التوالي حيث توقف شغف رئيس الحكومة بالتواصل المباشر مع المواطنين وقضاياهم. ذلك يحصل بكل حال لسبب وهو على الأرجح انشغال الرزاز بقضايا أهم ومحورية كما يحصل في ظل تنامي المنطق داخل مؤسسات القرار الذي يطالب بفعل من اي نوع يستعيد في وجدان الجمهور ولو جزءاً من الهيبة المهدورة لمجلس النواب.
مؤسسات شريكة متعددة في صناعة القرار تريد منح مجلس النواب مساحة خاصة لاستعادة هيبته ورئيس المجلس عاطف طراونة أبلغ مباشرة وعدة مرات أن الاستمرار في معادلة تضغط على مؤسسة النواب فقط سلوك لا ينطوي على حكمة. في المقابل ارتفعت تسريبات موازية تتحدث عن تقييم جديد لمخاطر ارتفاع الدين الخارجي في مفاجأة لم تكن محسوبة بعدما صدرت عن مجموعة خبراء مستقلين من الخارج في الوقت الذي يصر فيه الطاقم الاقتصادي في الدولة والحكومة وبرمزيه الدكتور المعشر من جهة ومحافظ البنك المركزي المخضرم الدكتور زياد فريز من جهة أخرى على ضرورة الامتثال لضغط السقف الزمني وقراءة الواقع المالي الرقمي كما هو وتوقف المجاملات للشارع الشعبي.
ويبرز مثل هذا المنطق من صناع القرار المالي والاقتصادي في ظل مؤشرات التشدد التي برزت من صندوق الدولي عندما حاولت حكومة الرزاز إعادة التفاوض معه. وبعدما توثق الجميع بأن الإفراج عن القروض وبعض المنح للعام المقبل 2019 وبفوائد ميسورة وصغيرة لا تزيد عن 4 % يتطلب وفوراً إنجاز قانون الضريبة الجديد وفقاً لمقاييس الصندوق الدولي والتي تعتبر قانون الملقي الصيغة الأفضل لتأهيل الأردن مجدداً للاقتراض بشروط ميسرة. في المقابل تتضاعف نسبة الفوائد في القروض الدولية اذا لم ينجز المطلوب في الدورة العادية المقبلة للبرلمان وقبل الثلاثين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
لذلك وفي ضوء معطيات الواقع يبدو شبح سيناريو الملقي متحكما في الإيقاع في الوقت الذي اخفق فيه الرزاز على الأرجح بإقناع زملاء سابقين له في البنك الدولي وصندوق النقد بالترتيب الذي يقترحه والتزم به أمام الرأي العام ، الأمر الذي زاد من مستوى التعقيد. الحوار صاخب مجددا في عمق القرار الأردني بعنوان المسالة الضريبية.. الجميع متحفز وسوء الحظ يرافق الرزاز والحسم في معالجة قطعية لهذا المشهد المتراكم إجباري خلال الساعات القليلة المقبلة.