لن تنقذ سمعة رئيس الوزراء الطازج الدكتور عمر الرزاز الرجل، إذا خرج على الشارع بتشكيلة فريق اثنين من أركانها عاملا تأزيم أصلاً في المشهد الحالي، ومتهمان سلفاً بعبور الحكومات ومزاحمة الرؤساء وفرض الاشخاص والسياسات، هما نائب رئيس الوزراء الاسبق الدكتور جعفر حسان ووزير التخطيط الدكتور عماد فاخوري، ولا حتى بتسوية يفرضها عليه الرجلان بالابقاء على وزيرين بلا طعمٍ ولا رائحة مثل وزير العمل السابق أو وزير الصناعة التجارة لم يقوما حتى بإطلالة على المشهد.
في هذه الحالة فالمتهم ليس "مؤسسة العرش" والقصر المحسوب عليها حسان وفاخوري ومبعث ثقتهما، وانما وبسرعة ودون تفكير "قوّة الرئيس" وولايته العامة على فريقه ، فالرجلان المذكوران هما عماد الفريق الاقتصادي الاسبق، وبقاؤهما يعني بالضرورة امرين الاول ان الحكومة الجديدة تسير على نهج سابقتها والثاني وهو الاهم مخالفة الحديث الملكي الاخير عن وزراء لم يقوموا بواجباتهم على اتم وجه ولم يستطيعوا زيادة الانتاج في الحكومات.
في حالة فاخوري وحسان، نتحدث عن رجلين لم يستطيعا فعلاً زيادة المشهد الاردني الا تعقيداً، فـ شخصيتان كالمذكورتين مرشّحتين للبقاء فعلا في الفريق، وفق ما يتم ترشيحه من عدة مصادر متطابقة وشديدة الاطلاع، وبإيحاء بـ " فيتو ملكي" يروّجه للرئيس بعض المقربين من القصر سلفاً، في الوقت الذي مجرد وجودهما في التشكيلة الحالية يضرّ اصلا بصورة الملك الذي من المفترض انه افسح المجال امام تشكيل حكومة تشبه نهج الرزاز وليس نهج الرجلين الذين تم تجريبهما خلال العشر سنوات الماضية في عدة مناصب ولم يلمس احد من وجودهما اي تغيير، لا بل وباتا متهمين بتدجين مؤسسة البرلمان علناً، وهو ما يضرّ بالاصلاح السياسي بطبيعة الحال.
في الاعوام الاخيرة، كان ملك الاردن يقوم بعمل الحكومة- كما اخبر الملك عبد الله الثاني نفسه رؤساء تحرير وكتاب اردنيين الاثنين-، وفي هذه النقطة احد اكثر من قام بعملهم الملك كان وزير التخطيط فاخوري من جهة، ووزير المالية من جهة ثانية، في حين لم يكن يحدِث حسان الا الزحام والتنافر في الفريق الماضي وعلى مرأى ومسمع الرزاز ايضا.
الحقائب الاقتصادية.. ألغام المرحلة
الروايات متناقلة بشدة هذه الايام من أعضاء الفريق الـ " مُستقال" -كما يحلو للبعض ان يسميه، فهو فريق لم ينهي ولايته ولكنه قدّم استقالة طُلبت منه-، وكل الروايات تتحدث عن فريق اقتصادي متنافر ومتزاحم وكمية ضخمة من المطبّات كان يضعها أمام بعضه البعض في العمل.
من الدقيق تماما ان الرئيس الجديد لا يملك رفاهية الوقت لاختيار فريق " مفروز " جيّداً، ولكن الدقيق والواضح ايضاً ان المغامرة بأي حقيبة اقتصادية مغامرة كبيرة، والاهم ان اي ايحاء للشارع بفيتو ملكي على اسماء بعينها يعني "مقامرة" ستجهض الجهود الكبيرة والمتقدمة التي بذلتها مؤسسة العرش وهي تصطف بدقّة لجوار الشارع وليس ضدّه.
الحقائب الاقتصادية خطيرة جدا، وأشبه بألغام هذه المرة، حيث يمكن ان يتفهم الشارع بقاء وزير الخارجية ايمن الصفدي في منصبه، رغم انه " رجل القصر" ايضا، او حتى بقاء بعض وزراء الخدمات مؤقتاً، ولكن الصعب قبوله هو تسليم الاقتصاد الاردني لسنوات اضافية للنخبة ذاتها، خصوصا ورئيس الحكومة هو صاحب نظريات "التغيير الاقتصادي الجذري" لرفع نسبة التفاؤل بمستقبل سياسي افضل وبعقد اجتماعي جديد.
العقد الجديد لا يستوي بشخصيات كرّست على مدار سنوات عِقداً مشوّهاً بين القصر ومؤسسات اخرى ولاحقاً بين الاردنيين وحكومتهم، وحتى بين اعضاء الفريق الواحد، فـ
في ادبيات " ادارة الازمات" التي يعيها الدكتور الرزاز اكثر من سواه هو بحاجة اليوم لصنع فرقٍ واضح وخلق انطباع ايجابي سريع، واولى الرسائل بهذا الاتجاه تكون عبر اختيار فريق اقتصادي قوي ومن خارج الصندوق، يمكن ان يعتمد في جزء منه على شخصية مثل " باسم السالم " وزير العمل والمالية الاسبق، والمرشح للانضمام للحكومة، ولكن العبء الاكبر فيه سيكون على الرزاز نفسه وفريق يتجانس معه اصلا، وهو ما يتنافى مع وجود الدكتور فاخوري على الاقل، حيث الرجل اصلا " غدر" بالرزاز كمدير لصندوق الملك عبد الله في السابق وتسلم موقعه في حادثة شهيرة.
الرزاز كرئيس، ومع خبرته الطويلة وحنكته، إلا ان كثراً من محبينه يأخذون عليه انه لم يكن يوماً "مقاتلاً شرساً" وأنه أميل للهدوء وللتسويات، وهو أمرٌ ذو حدّين بالضرورة على اهميته، وطابعه السلبي سيكون كبيراً جداً في حالة من وزن التغوّل على ولايته على فريقٍ يُفترض به ان يشكّل علامة فارقة بتاريخ الاردن الحديث.
كما ان الرئيس الجديد يدرك جيدا ان "الأردن" اليوم يتطلب منه عدم التسوية، وكلام عاهل البلاد واضح إذ قال " يجب ان يذهب الوزراء الكسالى، وان نقسو على الموظف المتقاعس "، وأن نأتي بجديد ونبحث عن الأقرب للشارع، وهنا تسقط فرضية جعفر حسان وعماد فاخوري ويعرب القضاة (وزير الصناعة والتجارة والتموين) وغيرهم .
شباب الشارع يحمي الحكومة ..
شباب الشارع، المتواجدون حتى اللحظة، حموا انفسهم من اليوم الاول بمقولة الملك بأن من يريد التغيير عليه ان يتحرك لاجله، وان الملك معهم من الاعلى اذا ما هم ضغطوا من الاسفل، وها هم يحققون ما ارادوا، وهو ذاته ما كان يحلم به الرزاز، وهم اليوم في الشارع يمنحون الرجل الغطاء الكبير ليقول لا كبيرة امام تسويات من هذا النوع والوزن- ان هو اراد-.
ان لم يرد ذلك، فعلى الاغلب قد يكون المفكّر الاقتصادي الكبير عرضة لموقف صعب وقاسٍ لا يُحسد عليه.
الاردنيون في الشارع يطالبون بنخبة تحترمهم وليس اقل من ذلك، والاهم ان المحتجين والمضربين يدركون جيداً ما يريدونه، كما ان معظمهم ممن يراقبون المشهد الاقتصادي، وفيهم العديد من الفعاليات الاقتصادية، وهؤلاء لن يلتقطوا ما هو ايجابي في تعيين الرجلين او احدهما او من هم مثلهما، وسترجح كفة سقوط الحكومة بالتالي.
في وجود شارع حي كالموجود اليوم، الرزاز وغيره بغنىً تام عن "مقامرة" من هذا النوع والرهان على تسوية معهما تعني بالضرورة استبعاد عدد من اصحاب الكفاءات امثال الدكتور ابراهيم سيف ومحمد صقر ومروان المعشر ومبارك ابو يامين وعمر الجازي والقائمة تطول. وهنا سيصبح الرئيس امام اتهام مضاعف بالجبن وخذلان الجميع.
الأردن رحب وواسع والخبرات والكفاءات كبيرة وموجودة والرزاز شخصيا يعرف منها اكثر بكثير مما يعرفه الاعلام والمؤسسات، كما ان امامه دعوة "غير مباشرة" من رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز ليستمع عملياً لنخبة النخبة وهم يقترحون ويشخصون.
حالة وطنية تبدأ اليوم..
وقبل النواب، شكلوا حالة متأخرة زمنياً عن الشارع ولكن متقدمة بالموقف عن بقيةة مؤسسات الدولة في التعامل الناضج مع الازمة وهم يرسلون للملك توصياتهم، وهنا مصادر تؤشر على حوارٍ عميق جرى بين اعضاء مجلس الملك في اجتماعهم قبل يوم من اقالة الحكومة، واكد ان على المجلس ان يتخذ زمام المبادرة.
بهذا المعنى اسهم مجلس الاعيان في "تقريب” تكليف الرزاز اصلا، وبالتالي ازاحة الملقي.
مجلس الاعيان فصّل بنود قانون ضريبة الدخل، ولديه قراءة واضحة فيه، ما يسهّل على الرزاز- ان اراد- التعامل مع المشهد، خصوصا والفايز وعلى شاشة التلفزيون الاردني الرسمي وضّح له المسار الذي توقع له ان يسير به وفقا لتقييمه، وهو هنا يمكنه اعتبار ما قاله احد اسلافه (الفايز رئيس وزراء سابق وعريق) دعوة للاستماع اكثر ولتبادل الاراء، ومؤسسة الاعيان وازنة ويحتاج الخبير الاقتصادي العريق ان يستمع من شخوصها، اولا ليستفيد من خبرتهم، وثانيا ليبني مع مؤسسة "التدخل السريع” علاقة جيدة منذ البداية ومختلفة.
خطوة الحوار مع الاعيان تحتاج ان تحصل او حتى تتحدد، ولكن ليس قبل اعلان واضح امام الشارع بما يريده الرئيس ليحاكمه الشارع لاحقا على وعوده، في مرحلة قرر فيها عاهل الاردن ان يستذكر "والده” الملك الحسين وتعامله مع ازمات مشابهة وانحيازه للشارع في حضرة الصحفيين، وكأنه يبلغ الرزاز والشارع ان سقف الاصلاح القادم "تحاكي 1989” حيث الهبة الشعبية فالانفراجة السياسية.
هذه الاشارة قد تريح الرزاز اكثر، كونه بذلك ليس بصدد المقارنة مع الرئيس الدكتور عون الخصاونة صاحب التجربة المجهضة والنهاية "العِبرة" لكل رئيسٍ قوي، كما يشاع، وانما هو اقرب لحكومة الامير زيد بن شاكر، التي كانت حكومة الهبّة وتسيير الانفراجة.
الرزاز والشارع وخروج عن المألوف..
حتى اللحظة، يبدو الرزاز وكأنه حالة متفرّدة لا تشبه الحالات السابقة في الاردن، فهو الاول القريب من الشباب، والاول ايضا الذي يحمل نهجا اقتصاديا سياسيا متكاملا وواضحا، الامر الذي يجعل عبئه اثقل كي لا يخسر شعبيته من جهة، وحتى لا تتسم سياساته بالشعبوية فقط.
الرزاز هو صاحب النظرية التي تعتبر "الربيع العربي” ذو اثر سياسي منخفض لانه لم يترافق مع نهج اقتصادي جديد، وها هو اليوم امام شارع لا يشبه الكثير من الشوارع مطالبه اقتصادية محددة، ويرسل له مطالبه على صفحته على موقع "تويتر" بصورة محببة وخفيفة الظل.
أحد التعليقات من الشباب للرزاز كان ”دولة الدكتور عمر الرزاز المحترم.:كنت تمتحن أبناءنا والآن دورنا نمتحنك..مسموحلك تغش من سينغافورا وماليزيا .. وأوعى تتطلع بورقة (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي”.
النموذج السينغافوري شكّل هاجسا فريدا لدى الشباب الاردني، وورد في الكثير من الشعارات في الشارع، حيث شبان يحملون يافطات تقول" لا تضلوا تقولولي بدك يصير فينا زي سوريا.. انا بدي يصير فينا زي سينغافورة ".
باشارات بسيطة كهذه، يمكن لرئيس كالرزاز ان يلتقط انه ولاول مرة سيكون عمليا بامتحان الشباب، والشباب في الشارع الاردني هذه المرة يخوض حرب بقاء، تحتاج منه خوضها معهم.