النمو الاقتصادي يتباطأ.. هل هنالك مبعث للقلق؟
ارتفعت التجارة العالمية بنسبة 4.9 %، وهي أيضاً الوتيرة الأسرع منذ العام 2011 ويتم تقدير عملات السوق الناشئة مقابل الدولار، مما يبقي التضخم منخفضاً والديون ميسورة التكلفة.
وكانت أحوال الأسواق المالية متذبذبة في شباط (فبراير)، ولكن ذلك حدث فقط بعد وصولها إلى ارتفاعات قياسية وفي شهر نيسان (إبريل)، قال صندوق النقد الدولي إن طفرة الاقتصاد العالمي أصبحت "أوسع وأقوى".
ومنذ ذلك الحين، بدأ هذا التوهج الصحي يتلاشى ففي البداية، اتخذت الدراسات الاستقصائية الاقتصادية في أوروباً منعطفاً للأسوأ (نمو متوقع في الناتج المحلي الإجمالي من 1.6 % فقط، على أساس سنوي، في الربع الأول من العام).
ويبدو أن بقية العالم بدت وأنها أصيبت ببعض العدوى. وفي الربع الأول من العام، تباطأ نمو الولايات المتحدة إلى 2.3%، على أساس سنوي، من قرابة 3% في الشهور الستة الماضية.
وفي وقت نفسه، انكمش الاقتصاد الياباني بنحو 0.6%، منهياً بذلك طفرة نمو دامت منذ بداية العام 2016 وبدأ المستثمرون يتساءلون إذا ما كانت فترة الوفرة العالمية قد انتهت أم لا وحتى صناع القرار في الصين، الذين بدوا وأنهم محصنون نسبياً ضد هذا التباطؤ، فقد لاحظوا الطلب المحلي الضعيف.
وقاموا، في منتصف نيسان (إبريل)، بفضفضة السياسة النقدية على نحو طفيف من خلال إتاحة المجال للبنوك للاحتفاظ باحتياطيات أقل.
وفي الوقت نفسه، وقد جعل بطء مسيرة غلال السندات الأميركية –والذي نشب عن توقع تضخم وأسعار فائدة أعلى- من وضع عملات الأسواق الناشئة أسوأ، لاسيما وأنها انخفضت بنسبة 5.4% منذ أوائل الشهر الماضي.
وأدى وضع البيزو الأرجنتينية بالبلاد إلى التقدم بطلب الحصول على كفالة من صندوق النقد الدولي ورفع أسعار الفائدة إلى 40%. وتلقت الليرة التركية أيضاً ضربةً قاسية، ما يعود في جزء منه إلى أن الرئيس، رجب طيب أردوغان، قال إن معدلات الفائدة المنخفضة تخفض التضخم.
في الخامس عشر من الشهر الجاري، وعد الرئيس التركي بمزيد من السيطرة على السياسة النقدية بعد الانتخابات المقبلة.
وعلى الرغم من أن النمو العالمي تباطأ، لكنه ما يزال قوياً بحيث أن الدراسات الاستقصائية للنشاط في الصين وأميركا وأوروبا أعلى، عندما تُجمع معاً، مما كانت في 83% من الوقت على مدى العقد الماضي، وفقاً لبنك "يو بي إس".
وربما يكون المناخ الضعيف تسبب بكساد النمو الأوروبي في بدايات العام الجاري وعادةً ما يبدو الاقتصاد الأميركي وأنه يتباطأ في أوائل كل عام، وذلك فقط لكي يعود إلى الانتعاش، وهي ظاهرة يُطلق عليها اسم "الموسمية المتبقية".
وتقترح تجارة التجزئة القوية والثقة الاستهلاكية المرتفعة أنه في حال كان هناك انكماش قادم، سيكون الأميركيون قد غابوا عن الذاكرة.
وبطريقة ما، مع ذلك، فهذا جزء من المشكلة فقط بحيث أن الطلب يتراكم في الأماكن الأقل حاجةً إليه وقد أصبح التضخم الأساسي الأميركي، الذي يستثني تقلب أسعار الأغذية والطاقة المتقلبة، عند 1.9 % الآن، وفقاً لمعايير الاحتياطي الفدرالي المفضلة.
وخارج أميركا، ينخفض التضخم في كل مكان تقريباً فهو عند 1.2 % فقط في منطقة اليورو، بحيث لا يتجاوز ما كان عليه في نهاية العام 2016.
وقد تخلى بنك اليابان عن تعهده برفع التضخم إلى 2 % بحلول السنة المالية 2019 –وهو هدف كان قد أرجأه فعلياً بستة أشهر وتم كبح جماح التضخم في معظم الأسواق الناشئة أيضاً وحتى في بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث دفع الانهيار الكبير في قيمة الجنيه الاسترليني التضخم بشكل جيد فوق الـ2% المنشودة في العام 2017، فقد انهارت بشكل أسرع بكثير من المتوقع.
ومن الناحية النظرية، سوف يكون الاقتصاد العالمي أفضل في حال انتشار هذا الطلب في جميع أرجائه.
ولسوء الحظ، فإن الآلية التي يمكن أن تحقق ذلك خطرة: الدولار الأقوى ومن الناحية النظرية أيضاً، فإن رفع قيمة الدولار يُفترض أن تتيح للأميركيين شراء المزيد من الواردات، مما يحفز الاقتصادات الأجنبية.
ومن الناحية العملية، يمكن للدولار أن يعيث فساداً في الأسواق الناشئة التي تعاني ديوناً بالدولار ولأن الكثير من الفواتير التجارية مقومة بالدولار، فإن العملة الأميركية الأقوى تخفض التجارة بين الدول الأخرى أيضاً.
ويكمن تهديد آخر يتحدث عنه المتشائمون في أسعار النفط، والتي ارتفعت لتقرب الـ80 دولارا للبرميل، ويعتقد هؤلاء أن هذا سيدفع التضخم إلى الأعلى أكثر، مجبراً أسعار الفائدة على الارتفاع ولكن الاحتياطي الفدرالي عادةً ما يتجاهل التضخم المؤقت الذي تقوده أسعار الطاقة.
وقد أصبح توقع تأثير أسعار النفط على الاقتصاد العالمي أصعب مما كان عليه من قبل بسبب ثورة الصخر الزيتي.
وما يزال الخطر الأكبر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي هو إمكانية نشوب حرب تجارية وها هو الرئيس ترامب يتفاوض مع الصين وغيرها بهدف سد العجز التجاري الأميركي وهذا يصعب حله بدولار يرتفع ساحباً الواردات إلى الداخل.
والخطر الكبير هو أن نمواً عالمياً أبطأ بشكل طفيف، مقروناً بالتحفيز المستمر في أميركا، يعري هذه المشكلة ويزيد من نزعة ترامب الحمائية وهذا يمكنه أن يثير انكماشاً يستحق فعلاً القلق بشأنه.