بالرغم من أهمية الاقتصاد الرقمي والتعاملات الرقمية، وبالرغم من أهمية ما يشهده الاقتصاد العالمي من تطورات تجعل من الولوج إلى السوق الرقمية قضية مصيرية لكل من يريد أن يجد له أو لبضاعته مكانا على الخريطة الاقتصادية العالمية، إلا أن كل ذلك لا يعني النزوع نحو الاقتصاد الرقمي الافتراضي بأدواته الافتراضية التي أصبحت "البتكوين" أحد أهم مكوناته. العملات الافتراضية على الشكل الذي تتداول به البتكوين هي بمثابة أداة مقامرة واضحة تنطلق من مضاربات ليس لها سند اقتصادي حقيقي، بل هي في مجملها عمليات مقامرة ومخاطرة قد تجلب لمن يتعامل بها ربحا طائلا وقد تجلب عليه خسائر قد تذهب ليس فقط بكل ما حقق من أرباح افتراضية بل بجزء كبير من اصوله ومدخراته.
المقامرة في العملات الرقمية ليس تطورا اقتصاديا ولا يمت للتطوير والتجارة أو الاقتصاد بأمر. الغريب أن جميع من يتعامل مع ما يُسمى عملة البتكوين يعلم تماما أنها ليست بعملة وأنها لا تحقق ابسط شروط أو وظائف العملات، سواء في مجال أداة القياس، أو مخزن القيم، أو وسيط التعامل. وهي لا تمثل أي أداة استثمارية حقيقية، بالرغم من ربطها أحيانا بسوق العقار واستخدامها لغايات الظهور انها أداة استثمارية، وهي ليست كذلك. البتكوين كما يُعرّفونها هي عملة رقمية، مع تحفظي على كلمة عملة، وأنها لا تخضع لرقابة أي بنك مركزي في العالم، أي انها أداة تعامل مباشر وافتراضي بين مجموعات أو أشخاص، وأنها أداة دفع غير مركزية. وفي الحقيقة هي أداة مضاربة رقمية عبر شبكة المعلومات العالمية.
المشكلة أن هذه الأداة بدأت تغزو العديد من الاقتصادات وباتت بعض البنوك تتحرك لتكون وسيطا في استثماراتها. وفي اعتقادي أن أي أصل مالي، أو حتى مادي، يمتلكه الشخص دون أن يخضع ذلك الأصل إلى جهة مُنظِمة معروفة فإن ذلك الأصل يُصنف على أنه أصل مالي سام Toxic Asset يجب التخلص منه وعدم التعامل فيه. والغريب أننا في سلسلة المعاملات الرقمية اليوم نتحدث عن المستندات والشراء والبيع الرقمي للموجودات بعد تخزين المستندات ووثائق الملكية والإجراءات على السحابات الرقمية Digital Cloud دون الاهتمام بالتوثيق السليم، ما يعني ان السيطرة على تلك السحابة أو تبخرها سيعني بالضرورة حالة فوضى عالمية في الأصول والموجودات.
"عملة البتكوين" التي تنخفض بنسبة 30 % في ليلة واحدة، كما حصل في ليلة العيد المجيد الماضية، وتعود إلى الارتفاع متجاوزة ذلك الانخفاض ومعوضة للنقص بما يزيد على 7.5 % بين ليلة وضحاها هي بمثابة أصول سامة لن تؤدي إلى أكثر من مسح العديد من المدخرات النقدية للأفراد. في كوريا الجنوبية، يقال أن هناك تحقيقا حول قيام ستة بنوك محلية بتقديم خدمات لبعض المؤسسات، والأفراد، للتعامل بتلك العملات الرقمية، وبالضرورة هذه البنوك هدفها الحصول على عمولة كل عملية تتم للتبادل بين العملة الورقية والعملة الرقمية، أما تبخر مدخرات الأفراد فهو ليس بالضرورة من أولويات تلك البنوك. الشاهد مما سبق جميعه أن البتكوين بدأت تدخل منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، وقد بدأت مضاربات كبيرة في بعض الدول على تلك. ولكن ما يهمنا هنا أن نبتعد في الأردن عن الولوج في هذا السوق أو التعامل معه، وقناعتي أن حصافة الجهاز المصرفي الأردني ممثلة بالبنوك العاملة فيه، إضافة إلى القدرة الكبيرة للبنك المركزي الأردني على حماية الاستقرار النقدي في البلاد هما حجرا الزاوية في حماية الاقتصاد الوطني من التورط في مثل هذه المضاربات غير المحسوبة. ونأمل ألا يكون هناك أي تجارب فردية في هذا المجال وأن لا تتسلل عملة البتكوين إلى الاقتصاد الوطني كما تسللت أوهام البورصات العالمية إلى قرى عديدة في البلاد من قبل وذهبت بمدخرات الناس وأموالها.
العملات الرقمية الافتراضية ليست آمنة، والفضاء المالي الرقمي ليس أكثر من مضاربات وهمية، مع التنبيه إلى أن التعاملات التجارية الرقمية الحقيقية في السلع الخدمات بعيدة عن ذلك بالضرورة وليست مقصودة في هذا المقام.