حين يتزاوج "البحث عن الأمن الاجتماعي" مع السعي لتوفير "سند في الكبر"، تحت مظلة "الحكم على المظهر الخارجي فقط"، وتتسيد ثنائية "الفقر والجهل" الأجواء، تكون النتيجة "وخيمة"، ليس على الأسرة والأطفال فقط، بل على البناء الاجتماعي برمته.
كل ذلك يجري في وضح النهار، بصورة قانونية، لا لبس فيها، داخل قاعات محاكم شرعية، حيث يجري فيها عقد قران شبان، من ذوي الإعاقات الذهنية وتزويجهم الى فتيات، من اجل "توفير من تقوم بخدمتهم ورعايتهم، وتنجب سندا له ولأهله في الكبر"، فيما تؤمن اسر فتيات، غالبا ما تعاني الفاقة والفقر، بأن زواج البنت، حتى لو من معوق عقليا، "ستر لها"!
داخل قاعات المحاكم، ينظر القاضي الى الشاب المقبل على الزواج، في مثل هذه الحالة، فيراه يافعا ناضجا، لا يعاني من اية علامة ظاهرة على "تخلف عقلي"، فيقبل بتزويجه، اذا ما وافقت الفتاة السليمة. وفي معظم الاحيان "يجهل" اهل العروس حقيقة العريس، لتقع "الكارثة"، بعد الارتباط مباشرة، وبعد ان تتكشف الحقائق للجميع.
والدة منذر (30 عاما)، أصرت على تزويج ابنها، المعوق ذهنيا بدرجة شديدة، من فتاة يتيمة، رغم يقين الأم بـ "عدم قدرة" ابنها على تأسيس أسرة يكون عمادها المحبة والمودة، وإنجاب الأطفال، غير انها بحثت عمن يعتني بابنها بعد مماتها.
اقامت ام منذر عرسا جميلا لابنها البكر، وزفته بالورود حتى باب غرفته، في منزلهم العائلي المشترك، منتظرة "قطف" الفرحة من على وجه ابنها، الذي فاز بعروسه الجميلة.
فرحة الأم لم تكتمل، عندما هرولت العروس خارج غرفتها، واختبأت وراء ظهر حماتها، خائفة مرتعشة من عريسها في ليلة دخلتها، قائلة برعب: "كان بدو يخنقني، بفكرني لعبته، مشان الله خلصوني، والله عقله مش معه".
وبعيدا عن خصوصية العروسين داخل جدران غرفتهما، هدأت الأم من روع العروس، وأقنعتها بالبقاء، لتباشر الأم دورها في تلقين ابنها "كيفية معاشرة عروسه".
لم تتحمل العروس المصدومة حقيقة الزوج ومرضه، ولا تصرفات حماتها، فهربت من المنزل بلا عودة، غير ان هذه الحادثة لم تثن الأم، التي تبحث عن ونيس او خادمة لابنها، عن مواصلة البحث لتزويجه من فتاة اخرى، فما كان من الزوجة الثانية "المخدوعة" الا ان هربت -هي الاخرى- من بيت "زوجها"، مطالبة بالانفصال عنه، ومتنازلة عن حقوقها.
واذا كانت العروستان السابقتان تجهلان إعاقة العريس العقلية، ونسبة ذكائه المتدنية، خاصة مع اكتمال نموه من الناحية الجسدية، فإن الشابة العشرينية رجاء (اسم مستعار) قبلت بكامل إرادتها ان تؤسس عش الزوجية مع زوج لديه إعاقة ذهنية، بدرجة متوسطة، حيث تم تأهيله في احد المراكز الخاصة في منطقة بيادر وادي السير، واصبح فردا منتجا في المجتمع.
يهربن من الفقر واليتم
كسرت الشابة العشرينية رجاء حاجز الصمت، لتكشف عن تفاصيل حياة زوجة سليمة عقليا، عاشت مع زوجها المعوق عقليا، قائلة : هربت من ظلم زوجة والدي، بعد ان ذقت اليتم والفقر في صغري، فلم أتردد بالزواج من هذا الشاب الثلاثيني ليخلصني من عذابي، رغم يقيني بأنني سأواجه ظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة".
توقعت رجاء أن ترزق بطفل يحمل جينات والده، فرزقت بطفلين، احدهما كان مصابا بإعاقة عقلية، حيث يعالج حاليا في المركز ذاته، الذي سبق ان عالج والده، لكنها حققت حلمها بتكوين اسرة مستقلة، في منزلها عمادها المحبة، بيد ان "انتقادات مستمرة من مجتمعنا لقبولي بهذا الانسان الطيب تنغص علي حياتي"، حسب قولها.
وتضيف رجاء بخجل: "انا راضية بحياتي، احب زوجي وطفلي، واعمل في مركز خدمات بكل طاقتي لأساند زوجي في ظروفنا المادية الصعبة". وقالت: "أنا من تدير دفة حياتنا في امور الحياة، بما فيها المعاشرة الجنسية".
واذا كان رجاء تمكنت من صيانة بيتها، والتصدي لتدخلات اسرية، من طرفي اهلها وأسرة زوجها، بأسلوبها الهادئ، النابع من ثقافتها وعلمها، فإن سيدة اخرى، تطلقت من زوجها المعوق ذهنيا (بسام)، الذي يسكن في إحدى المناطق الشعبية في عمان، بعدما اكتشفت اسرته ان "حفيديهما غير شرعيين"، حسب قول احد أقارب هذه الاسرة، والذي كان متحفظا على سرد تفاصيل القصة.
ويعد الفرد المعوق عقلياً هو من تقل نسبة ذكائه عن 75 درجة في الذكاء، وفي الوقت نفسه يعاني من خلل واضح في مقاييس السلوك التكيفي، حسب اختصاصي الارشاد النفسي، والخبير في شؤون المعوقين موسى مطارنة، الذي لفت الى ان "المعوق ذهنيا، بدرجتي المتوسط والشديد فاقد لأهليته، ولا يحاسب بأي قانون دستوري او ديني". ومع ذلك فإنه "انسان لديه رغباته الجنسية، التي تضاهي الأصحاء".
لكن مطارنة يرى ان" زواج المعوقين ذهنيا ليس حلا لمشكلاتهم"، وعليه فلا بد من وضع معالجات سلوكية وعلاجية دوائية لتهذيب رغباتهم، كونهم "لا يميزون بأن هذه المرأة هي زوجته"، وقد يصل الأمر بهم حد تفريغ رغباتهم خارج اسوار منازلهم، فيتسببوا بأضرار جسدية ونفسية للآخرين، سواء رجالا او اطفالا.
وما تزال شقيقة عمار الكبرى تبحث عن عروس لشقيقها، المصاب بفصام عقلي، بعد ان توفيت والدتها التي كانت تعتني به، وتنظف له هندامه، وتحضر طعامه اليومي، وفق ابنة عمه دعاء جميل، التي رفضت بشدة الاقتران بقريبها عمار، قائلة: "من الظلم الشديد ان نتزوج، فعمار يظل هائما على وجهه في الحارات، ولا يدرك أفعاله وتصرفاته، فكيف سيؤسس اسرة وينجب اطفالا".
ويشرح الدكتور منذر عماري، مدير مركز الإعاقات المبكرة التابع لوزارة الصحة، الى أسر ذوي الإعاقات التغيرات الجسمية والنفسية التي يمر بها المعوق، منذ تشخيص إعاقته مبكرا حتى مرحلة بلوغه. يؤكد عماري: ان "القدره الجنسية لا تتأثر بالإعاقة العقلية، هؤلاء لديهم طاقات جنسية، لا بد من تفريغها".
ولم يعارض الدكتور عماري زواج المعوقين ذهنيا، "اذا كان مؤهلا حسب تقدير الاطباء، الى درجة إعاقته"، مشيرا الى "وجود طرق اخرى لتفريغ طاقة المعاق الجنسية، مثل ممارسة العادة السرية".
وقال عماري لـ انه اذا كانت الإعاقة بسيطة "فيمكن تأهيل المعوق وتنمية قدراته في مراكز خاصة، وان يتم الشرح له عن آلية المعاشرة الزوجية، بدعم طبي وأسري، في هذه الحالة لا ضير من ذلك. لافتا الى اهمية التوسع في البرامج الوطنية الإرشادية للأسر، حول آلية التعامل مع أبنائهم المعوقين عقليا، وهذا ما ذهب اليه مطارنة، الذي يؤكد ضرورة "ايجاد برامج علمية دقيقة للتعامل مع هذه الفئات، حتى لا يتم استغلالهم جسديا ونفسيا".
وتشير الأدبيات العلمية في وثائق الأمم المتحدة إلى أن عشرة بالمائة من سكان العالم، أي حوالي 650 مليون شخص، يعانون من الإعاقات، وثلاثين بالمئة من أسر العالم لديهم شخص معوق في المنزل، وعشرين بالمائة من الفقراء في دول العالم الثالث يعانون من الإعاقات، فيما نسبة الأمية بين الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم هي 97 %، وتصل هذه النسبة إلى 99 % لدى النساء من ذوي الإعاقات.
جدل واختلاف حول فكرة الإنجاب
بشكل مستمر، تناقش مديرة مركز الأمل للتربية الخاصة في بيادر وادي السير، التابع لجمعية الصحة النفسية، يسرى قزاز مع اهالي المعوقين عقليا موضوع زواج أبنائهم من فتيات سليمات، وانعكاساته السلبية على الأسرة والمجتمع، خاصة اذا تم إنجاب اطفال أصحاء.
وتقتنع بعض الأسر بنصائح المربية قزاز، التي عملت على مدار 33 عاما في هذا المجال، بينما ترتئي اسر اخرى ان تزوج اولادها، بصرف النظر عن أية نتائج، وذلك طمعا في الامن الاجتماعي والاقتصادي لأبنائهم، وخصوصا اذا كانوا اثرياء، حسب قولها.
وتقول قزاز "أنا لست ضد زواج المعوقين عقليا، لكني ضد إنجاب الاطفال، لانعكاساته السلبية الوخيمة على الطفل نفسيا، وتحمله مسؤولية والده في كبره". موضحة ان لدى هذه الفئة "رغبات واحتياجات نفسية وجنسية تساوي الاصحاء، فتزويجهم افضل حل، على ان يتم ايجاد طريقة تمنعهم من الإنجاب".
وتشدد مبادئ الأمم المتحدة على ان "لجميع الأشخاص المصابين بمرض عقلي، أو الذين يعالجون بهذه الصفة، الحق في الحماية من الاستغلال الاقتصادي والجنسي، وغيرهما من أشكال الاستغلال والإيذاء الجسدي أو غير الجسدي، أو المعاملة المهينة"، كما تؤكد انه "لا يجوز مطلقا إجراء التعقيم كعلاج للمرض العقلي، وبالتالي الحفاظ على حق الشخص المعوق بالزواج والإنجاب".
وروت قزاز إحدى القصص "الغريبة"، التي حدثت مؤخرا في مجتمعنا، بطلها مريض كان يعالج في مركز قزاز من إعاقة عقلية، حيث تزوج من قريبته، التي تعاني من المرض ذاته، وكان يقوم برعايتهما الجد، الذي توفي في وقت قريب، تاركا الزوجين المعوقين وحيدين، فأرسل الله لهما زوجة عمه، التي لم ترزق بأطفال، لتحنو عليهما.
وتختلف مع قزاز مديرة جمعية اهالي اصدقاء الأشخاص المعوقين جيهان سليم، تجاه قضية زواج المعوقين ذهنيا، والإنجاب، محذرة من "اتساع الخلل في المنظومة المجتمعية، في حال إنجاب اطفال معوقين، لأسر معيلها من ذوي الإعاقه الذهنية".
ومن تجربتها العملية في هذا الميدان، فإن "أغلب زواجات المعوقين غير ناجحة"، وعليه لا تتقبل سليم فكرة زواج هذه الفئة، خصوصا ممن لديهم إعاقة شديدة، خشية من "المنحى الوراثي، وانتقال الجينات الى عدد من أبنائهم".
وتعارض ذلك بشدة الاسشارية الاجتماعية في تقييم المعوقين والممارسة الجنسية في بريطانيا روشان نبيل، وترفض فكرة زواج المعوقين ذهنيا، وترفض أكثر فكرة الإنجاب لهم.
وقالت نبيل لـ "الغد" ان الاردن "يفتقر لخبراء في التشخيص المبكر للإعاقات، مرورا بمرحلة مراهقته وبلوغه"، وقالت "رغم توقيع الأردن على اتفاقيات دولية، لكن على ارض الواقع يوجد خلل كبير في تطبيقها".
ولم يتم الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد النفسية الاجتماعية والاقتصادية السلبية، التي تنعكس على الأبناء مستقبلا، بعد ان تثقل كاهلهم مسؤولية رعاية أبيهم "المعوق"، ومنهم من كان يخجل امام أقرانه، فيقرر ان ينعزل عن مجتمعه، حسب روشان، التي قالت ان "تفكير الأم بتزويج ابنها امر محدود، وفيه قدر من الأنانية، خاصة عندما تقول (لما اموت بدي من يعتني بابني)، رغم ان اغلبهم يعي ان أبناءهم يجهلون ماهية معاشرة الزوجة وماهية الإنجاب".
وطالبت سليم وروشان جميع الجهات ذات العلاقة، بإطلاق حملات توعية بالآثار، التي تنعكس على المجتمع من زواج هذه الفئة، مع التركيز في البرامج الوطنية والاستراتيجيات على ضرورة تأهيل هؤلاء المعوقين ذهنيا، وتطوير قدراتهم العقلية والحركية، وتحويلهم الى شباب منتجين، وتتحكم بذلك درجة الإعاقة، وإزالة الوصمة المجتمعية التي تلتصق بهم، وتؤدي إلى الانتقاص من حقوقهم الانسانية، والتي تتراوح بين الحق بالصحة والتعليم والعمل.
ولا يجد الدكتور جميل الصمادي، المتخصص بالإرشاد والتربية الخاصة في الجامعة الاردنية، ما يمنع من زواج المعوق ذهنيا، اذا كان مؤهلا للقيام بواجباته الأسرية، حسب قوله لـ "الغد".
وأشار الدكتور الصمادي، وهو عضو فريق المؤسسين لقانون رعاية المعوقين، الى اهمية تطبيق المعايير الوطنية المتعلقة بالتربية الخاصة، التي تهدف الى تحسين مختلف جوانب خدمات التربية الخاصة المقدمة للأشخاص المعوقين والمتمثلة بتطوير بيئة المؤسسات ورفع كفاءة العاملين فيها، وتطوير البيئة التعليمية وعملية تشخيص وتقييم الإعاقات والاستراتيجيات التعليمية، ومشاركة ودعم وتمكين الأسرة، بما يؤدي الى تقديم خدمات نوعية شاملة للأشخاص المعوقين.
وخلافا لرغبة زوجها واصدقائها، ترغب ام علاء، بتزويج ابنها (30 عاما) وابنتها الشابة (28 عاما) من ذوي الإعاقات العقلية البسيطة، بحثا عن أمن اجتماعي واقتصادي، وحتى تورث ما لديهما من اموال لهما ولأحفادهما بعد مماتها، حسب قولها لـ "الغد".
لكنها لم تتجرأ حتى الآن على اتخاذ قرار تزويجهما، رغم ان الفحوصات الجينية، التي اعدت في اميركا لولديها، تدل على عدم "توريث جيني".
وترفض ام علاء، التي عاشت في اميركا 20 عاما، ان تمنح ولدها الشاب الواقي الذكري، لحمايته وتفريغا لرغبته "لافتة الى ان تجربة زواج المعوقين في اميركا مختلفة تماما، اذ يتم ذلك بإشراف طبي ونفسي مباشرين".
وتستهجن الاستشارية روشان، وهي رئيسة جمعية التحدي في الحياة لتدريب وتشغيل ذوي الإعاقة العقلية، ما يتم تناوله في اغلب مراكز التربية الخاصة في الاردن، من "تعليم المعوق ذهنيا ممارسة العادة السرية، متناسين اضرارها عليهم، من حيث تشتيت أفكارهم"، مقترحة "تفريغ طاقاتهم بالعمل والرياضة".
الشرع وجدل تزويج المعوقين ذهنيا
ويرى مستشار التوعية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية، وأستاذ الدراسات الإسلامية د. منذر زيتون، أنه "لا يوجد ما يمنع من زواج المعوق عقلياً أو ذهنياً في العموم، اذا كان الأمر واضحا لكلا الطرفين وأهلهما ومهما وصلت نسبة الإعاقة، لأن للزواج أهدافاً متعددة".
وتتفاوت أولويات تحقيق تلك الأهداف عند الذين يرغبون في الزواج، بحسب زيتون، فهناك من يريد تحصيل الشهوة، وهناك من يطلب الأولاد، وثمة من يتطلع إلى الاستئناس بزوج في حياته.
واعتبر زيتون زواج المعوقين ذهنيا "مهاترة لن تسلم أبداً من الفشل"، بيد انه "اذا كان أحد الزوجين سليماً، والآخر معوقاً، فهو امر مقبول، لأن السليم هو من سيتولى تسيير دفة تلك العلاقة على ألأقل، خصوصاً مع احتمال وجود أبناء بينهما، وحاجتهم إلى الرعاية والعناية".
ولم ترد في الشريعة الإسلامية نصوص تحض على تزويج المعوق، أو تمنعه، ما يشير إلى أن الأمر "متروك على الإباحة المطلقة"، حسب زيتون، لكنه يلفت الى ان هناك "قيودا لا بد من الالتزام بها عند تزويج المعوق، خصوصاً أن الإعاقة ليست على درجة واحدة، فهناك الشديدة وهناك البسيطة".
اما بالنسبة للمعوق إعاقة شديدة، فيرى الدكتور زيتون انه "يعتبر فاقدا لأهلية التصرف، فهو ليس أهلاً لأن ينشئ اسرة حكماً، بل هو غير مخاطب بالأحكام أصلاً، ولا مكلف بها، ولذلك يقوم وليه مقامه في إنشاء عقوده، ومنها الزواج"، بينما المعوق إعاقة بسيطة، هو الذي يفهم الأحكام، لكن ليس بالإدراك الكامل، فيستطيع أن يعقد زواجه بنفسه، لكن بإشراف وليه وإجازته، حسبما اضاف زيتون.
واشار زيتون الى "وجوب التصريح تماماً بحالة المعوق، وتجنب الخديعة والغش"، وعليه "فلا بد من تحقق القاضي من وجود مصلحة للمعوق في ذلك الزواج، حتى لا يكون مجرد استغلال جنسي أو نحوه".
هل تكتفي المحكمة بالمظهر الخارجي للعريس؟
وفي داخل قاعات المحاكم، ينظر القاضي الى الشاب المقبل على الزواج، في مثل هذه الحالة، فيراه يافعا ناضجا عاقلا، لا يعاني من اية علامة ظاهرة، فيقبل بتزويجه، اذا وافقت الفتاة السليمة، حسب القاضي الدكتور اشرف العمري.
وقال العمري لـ "لغد" ان "الاصل ان يبلغ اهل العريس مسبقا بأن لدى الابن مرضا عقليا ونفسيا، فإذا ظهر على مظهره الخارجي، او وردت معلومة للمحكمة، فيتم تطبيق قانون الاحوال الشخصية، المادة 12، ويحول للطبيب المختص، ليقدر مدى خطورته على الطرف الآخر".
ويشير قانون الأحوال الشخصية، في المادة 12، إن "للقاضي أن يأذن بزواج من به جنون او عته او إعاقة عقلية، إذا ثبت بتقرير طبي رسمي أن في زواجه مصلحة له، وأن ما به غير قابل للانتقال إلى نسله، وأنه لا يشكل خطورة على الطرف الآخر، وبعد اطلاعه على حالته تفصيلا، والتحقق من رضاه".
وأضاف الدكتور العمري انه "بناء على نتيجة التقرير الطبي، يطلع القاضي المخطوبة بشكل تفصيلي بالحالة الصحية لخطيبها، وهي تقرر استمرارية الزواج، وبعد الاتفاق يتم عقد القران، على ان يقوم ولي الامر، بتولي اجراء العقد نيابة عن ابنه"، معتبرا أن هذه "لا تشكل ظاهرة في مجتمعنا، فقد ورد للمحكمة خلال السنة الماضية حالتان فقط".
وبعد ان تقبل الفتاة بزواج الطرف المعوق، فإن ذلك يعني "الاستعداد لتحمل تبعات الزواج، بكل ما فيه من ذلك الشخص المريض، ويكون حينها أميناً عليه وعلى شؤونه".
وفي حال وصلت الزوجة حد "عدم القدرة على التحمل"، فيحق لها ان تلجأ الى الطلاق، على مبدأ الشقاق والنزاع، وفقا للقاضي العمري، الذي لفت الى "أن هذه القضية من القضايا الاجتهادية، بالتالي اجازها الفقهاء بضوابط محدودة".
يشار الى ان المدرستين في الإفتاء "الازهرية والسعودية" كانتا أصدرتا فتوى "متطابقة"، أباحت للمعوقين ذهنيا الزواج، فـ "زواج المعاق إعاقة عقلية بسيطة جائز، من باب أولي، ولا حرج فيه، ما دام محاطاً بالحرص علي مصلحته محفوفاً برعاية، وأن من يقوم بتحديد المصالح البدنية والنفسية من هذا الزواج هم الأطباء المتخصصون، وعند الاختلاف والنزاع في كون الزواج مصلحة للمعوق من عدمه يتم اللجوء للقضاء لرفع هذا النزاع".
الثقافة الجنسية مغيبة في المجتمع
ورغم أن الاردن ملتزم بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بذوي الإعاقة، من حيث الحق بالتعليم والصحة والزواج لتكوين أسرة، حسب خبيرة مشروع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة منى عبد الجواد، الا أنها ترى أن موضوع الثقافة الجنسية لذوي الاعاقة العقلية "مغيب مجتمعيا، وعن الاستراتيجيات الوطنية".
وترى عبد الجواد، مساعد الأمين العام السابق للمجلس الاعلى للأشخاص المعوقين، ان "الزواج يحميهم".
وركزت عبد الجواد على ان الغرض من الاتفاقية "تعزيز وحماية وكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، تمتعا كاملاً، على قدم المساواة مع الآخرين، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة".
ويتفق الدكتور هاني جهشان، الخبير في مجال الوقاية من العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة، برأيه مع مبادئ الأمم المتحدة "بصرف النظر عن خصوصية كل مجتمع وإمكاناته".
وقال جهشان، مستشار الطب الشرعي، انه في الأغلب فإن الأشخاص ذوي الإعاقات يستطيعون الزواج والإنجاب، أما ذوي الإعاقات العقلية أو النفسية، فإن كانت متوسطة أو شديدة، يكونون غير قادرين على القيام بالمسؤوليات الإقتصادية والاجتماعية والأسرية، التي يتطلبها الزواج.
في المقابل، هناك "فرص نجاح جيدة نسبيا لزواج الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية غير الوراثية، والإعاقات الحسية، كالصمم والعمى، وحتى الإعاقات العقلية البسيطة".
ولفت جهشان الى ضرورة توعية المرضى العقليين بالوقاية من الأمراض الجنسية المعدية بما فيها الايدز، ووسائل منع الحمل، حيث ينقصهم توفير عوامل الحماية من أشكال العنف المختلفة، بما في ذلك العنف الجنسي.
وطالب جهشان بشمول الأشخاص ذوي الإعاقات في السياسات الصحية الوطنية، ومن ضمنها سياسات الصحة الانجابية، حيث تواجه عدة تحديات، منشؤها تحديدا نظرة المجتمع للإعاقة وللشخص المعوق، ولا تشكل طبيعة الإعاقة بحد ذاتها جزءا هاما من هذه التحديات.
ورغم أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة تشكل 10 % من السكان على المستوى العالمي، الإ أن حضورهم الاجتماعي "محجوب"، ويؤدي الافتقار للوعي والمعرفة والفهم لدى صانعي السياسات، ومقدمي الخدمات إلى تجاهل مدى شيوع الإعاقة في المجتمع، حسب جهشان.
وحذر جهشان من تبعات عدم منح ذوي الإعاقة الأولوية في المشاريع والبرامج الاجتماعية، وبما يشمل عدم الاعتراف بحقوقهم الإنجابية، وحقهم بالزواج وممارسة الجنس، وبالتالي عدم وضع برامج متخصصة بالصحة الإنجابية لهم.
واذا كانت التحديات في البيئة، عوائق مادية او سلوكية، تقف أمام نفاذهم للخدمات واندماجهم في المجتمع، فمن الطبيعي ان تكون المطالبة بحقهم بالزواج والإنجاب، في أدنى قائمة أولوياتهم، حسبما اضاف جهشان.