آخر الأخبار
  بدء التسجيل الأولي للراغبين بأداء فريضة الحج لموسم 2025   الأمن: إقبال كبير للاستفادة من إعفاء المركبات بالأردن   إطلاق مركز موحد للسفريات الخارجية مطلع العام المقبل بالأردن   انـخفاض أسعار الذهب بالأردن الثلاثاء   استمرار تساقط الأمطار اليوم الثلاثاء وتحذير من خطر تدني مدى الرؤية الافقية في ساعات الصباح   الأردن يرحب بقرار يونسكو لدعم نشاطات أونروا في الأراضي المحتلة   مفتي الاردن : التدخين حرام استخداما وبيعا وصناعة   مراكز أورنج المجتمعية الرقمية: مجتمعات تحتفي بالتعلم وتقود التعليم   الشيخ فواز عناد الفايز يزور مكاتب وكالة جراءة نيوز   الملك يستمع إلى ردي مجلسي الأعيان والنواب على خطاب العرش   إعلان وتوضيح صادر عن "المواصفات والمقاييس" بخصوص إدخال المركبات الكهربائية للمملكة   بعد تخفيض المخصصات .. هل سيطرء تغيير على دعم أسطوانة الغاز والخبز؟ وزير المالية يجيب ..   تحذير صادر عن "السفارة الامريكية" للأردنيين الراغبين بالحصول على "تأشيرة جديدة"   لتعزيز كفاءة قطاع الكهرباء .. "البنك الدولي" يصرف 150 مليون دولار للأردن   بدء استقبال طلبات التوظيف لأبناء المتقاعدين العسكريين .. رابط   نائب أردنية تسأل عن الشركة المصنعة لعدادات العقبة   الأغذية العالمي يلوّح بتعليق جزئي لأنشطته بالأردن   الملكة رانيا: مواهب محلية في الأردن لا توصف   تفاصيل حالة الطقس حتى الخميس .. وتحذيرات هامة   هل هناك إحتمالية لتساقط الثلوج في الاردن بموعد قريب؟ "الارصاد" توضح ..

نبش الحاويات بَطَر قوم عند قوم فوائد!

{clean_title}
في العام 1997؛ أي قبل عشرين عاماً فقط، كانت ظاهرة التنبيش في الحاويات في بداياتها في عمان، وقد تعرّفت (على هامش بحث ميداني طويل كنت أقوم به حينها) على عدد من العاملين في هذا المجال، وكانوا بضع عشرات فقط، يَعرِفون بعضهم بعضاً، ولكل منهم خط سير لا يتقاطع مع خطوط سير الآخرين، غير أنهم عموما كانوا يجتمعون في سقف السيل لبيع وتوريد ما جمعوه لتجار خردة كبار، وذلك بعد قيامهم بتصنيف وفرز الأغراض التي جمعت.
كانت الظاهرة تقتصر على أحياء عمان الغربية، وكان العاملون يُعرفون في السوق باسم "السرّيحة الليليين"؛ أي الذين يقومون بعملهم ليلاً، مقابل "السريحة النهاريين" وهم المتجولون بسيارات "البك اب" بحثا عما هو مستعمل من أثاث وأغراض مخلتفة. وكان العمل الأخير وما يزال مقبولاً و"نظيفاً" اجتماعياً، غير أن ما يجمعه مع الأول هو "السراحة" في الشوارع. وقد كان التقسيم النهاري/ الليلي يعود إلى حرص العاملين في الصنف الليلي على إخفاء عملهم ومداراته.
كان "السريحة الليليون" يمشون على أقدامهم بعد منتصف الليل، يحمل كل منهم كيساً، ويستعين بعضهم بحراس البنايات الذين كانوا أحياناً يجهزون ما يرونه مناسبا فيعطونه أو "يبيعونه" لهؤلاء السرّيحة.
عشرون عاما من النمو
اليوم، تحولت الظاهرة إلى قطاع، وأصبحت مصدر عيش منتظما لعدد كبير من الأسر يصعب إحصاؤه، لكن يمكن بسهولة رصد حجمه الواسع، وانتهى التقسيم "النهاري/ الليلي" وصار التنبيش في الحاويات يمارس ليلاً نهاراً على مدار الساعة.
يمكن رصد التغيرات الآتية على الظاهرة:
أولاً: تغير الحيز الجغرافي للتنبيش، لم تعد الظاهرة مقتصرة على حاويات الأحياء الغربية (الثرية)، بل صارت تشمل كل الأحياء، والآن يندر أن تجد حاوية بلا منبشين، وعلى مدار الساعة، ليلاً نهاراً.
ثانياً: هناك الآن مستوى أعلى من "التخصص" في هذا القطاع، ففي السابق كانت الأشياء المطلوبة محددة وتضم الأدوات والمأكولات المغلفة والخبز الجاف أو القابل للتجفيف، أما الآن فقد اتسعت القائمة وصارت تشمل أغلب محتويات الحاوية باستثناء بواقي الطعام. فكل الأوراق والكرتون والبلاستيك وقطع المعادن والخشب والزجاج، مهما كان وضعها أو حجمها، قد تكون مطلوبة من قبل نباشين مختصين. وقد استدعى ذلك تبدلا في وسائل التجميع والتنبيش، فقد تجد المشاة إلى جانب مستخدمي الدراجات والسيارات الصغيرة والعربات والحمير وعربات الأطفال والحبال للربط والجر، وتستخدم الكشافات للإنارة ليلاً، وقد يكون التنبيش جماعياً (شخصان أو أكثر أحياناً).
ثالثاً: دخلت المرأة إلى هذا القطاع بشكل ملحوظ، وهي ظاهرة جديدة، غير أن بعض النساء يحرصن على تغطية وجوههن أحياناً، كما تشمل الظاهرة إناثا من مختلف الأعمار.
رابعاً: عند نشوء الظاهرة قبل أكثر من عقدين، كان من الملاحظ أن أغلب العاملين كانوا يعانون من ظروف خاصة نفسية وجسدية وأسرية تجعلهم يقدمون على عمل لا يقبله المجتمع. وبعضهم كان يقوم بعمله سراً عن أسرته.
ولكن الوضع تغير كلياً الآن، فأنت بسهولة تجد شبابا وفتيات ورجالا ونساء أسوياء تماماً، وبعضهم مارس عملا سابقاً في القطاعات الرسمية الأهلية أو الحكومية، بل إن بعضهم انتقل طوعاً إلى قطاع التنبيش مفضلاً إياه على عمل آخر، كما تجد الأب مع ابنه أو أبنائه، والأم مع ابنتها، والأشقاء والأصدقاء يعملون معاً. بمعنى أن العمل في هذا المجال اكتسب درجة ملحوظة من القبول الاجتماعي ولم يعد مخفياً.
خامساً: تعدت الظاهرة مدينة عمان والمدن الكبرى، ووصلت إلى الأرياف والبادية، مع اختلاف في نوع السلع المستهدفة. ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أن التنبيش في المدن والبادية، لا يستهدف الحاويات، فهنا يلاحظ أن الحاويات خالية من المتبقيات القابلة لإعادة الاستخدام.
إن البحث والتنبيش خارج المدن يجري على أطراف الطرق، بحثا عما يلقيه ركاب السيارات، أو حول المنشآت الصناعية والزراعية وورش البناء الكبيرة، أو في الوديان، وفي العادة يستخدم المنبشون هنا الدواب (الحمير تحديداً) لتساعدهم على التجول لمسافات بعيدة، وفي الغالب تشتمل الموجودات على قطع المعادن والخردة أو العبوات المتنوعة.
سادساً: لم يعد نطاق حركة المنبشين محدداً في مسارات واضحة، فاليوم تمر الحاوية الواحدة بجولات تنبيش عدة، على مدار الساعة، بافتراض تبدل المحتوى بين وقت وآخر خلال اليوم، وذلك مع ملاحظة اختلاف الاستهداف والتخصص، واختلاف وسيلة الحمل عند المنبشين، فحامل الكيس يختلف عن مستخدم العربة أو السيارة أو الحمار... الخ.
سابعاً: نشأ قطاع على هامش العاملين في التنبيش (مع أن التنبيش يصنف في الأبحاث الاجتماعية/ التنموية ضمن الاقتصاد الهامشي)، ولكن المنبشين المحترفين صاروا يعتمدون على مساعدة آخرين، مثل عمال النظافة في الأحياء، وحراس البنايات أو الأولاد الصغار في الأحياء، أو فاعلي الخير الذين يضعون ما يرونه مفيداً بجانب الحاوية بدل إلقائه داخلها، أو مرافقي سيارات جمع النفايات (العاملين في جهاز أمانة عمان والبلديات) الذين يلقتطون ما يمكن أن يخدم زملاءهم المنبشين.
ما الذي يعنيه نمو قطاع التنبيش؟
لا تعود خطورة هذا التوسع في ظاهرة التنبيش في الحاويات إلى طبيعة العمل نفسه، ذلك أن العمل في مجال تدوير النفايات يعد ظاهرة عالمية.
لكن ميل الظاهرة لأن تصبح طبيعية، يعني أن مجموعة من المواطنين والأسر، تتسع باضطراد، تجد نفسها مدفوعة إلى العمل "في وقرب" حاويات النفايات من دون قبول اجتماعي، وأن يجد أفرادها أنفسهم مضطرين للعمل علنا، يشكل إشارة واضحة على حصول فرز اجتماعي قاسٍ. إنه يعني أن فئة تعيش على فضلات ومتبقيات فئات أخرى! مع ما يعنيه ذلك على مختلف المستويات وما يحمله من تداعيات.
إنك اليوم تستطيع أن تتعرف على العاملين في هذا القطاع من خلال حالة ملابسهم وأيديهم ووجوههم، ذلك أن العمل طويلاً في البحث والتنبيش يترك آثاراً دائمة جسدية ونفسية.
بالطبع ليس الخلل في العمل في مجال الخردة وإعادة التدوير، ولكن المشكلة في المكان الذي يجري فيه هذا العمل؛ أي حاويات الشوارع.
إن العمل في هذا القطاع قد يخرج العاملين من دائرة الفقر وخاصة فيما يتعلق بالبعد المالي (حيث إن الدخل المتأتي أحياناً يكون جيدا نسبياً، وكما أشرت فيما سبق، فإن بعض العاملين يقومون بذلك اختيارياً). لكن المؤكد أن الانخراط في هذا القطاع يدخل المنتمين إليه في ميدان التهميش والإقصاء، وهو ما قد يعني حصول نتائج اجتماعية أكثر قسوة من الفقر المالي.