جراءة نيوز - عمان - تحليل سياسي : بإعلان نتائج الدراسة التي أعدتها وزارة التخطيط، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حول القطاع غير الرسمي في الأردن، يكون السؤال الأول هو عن دلالة أن "تشكل العمالة غير الرسمية في الاقتصاد الأردني نسبة 44 % من إجمالي العمالة في العام 2010".
أولى الدلالات إيجابية، وتتمثل في قدرة الأردنيين على التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة، من خلال إيجاد سبل لتأمين الرزق خارج الأطر الرسمية. وكظاهرة عالمية، يتناسب حجم القطاع غير الرسمي طردياً مع فترات التراجع الاقتصادي، والدخول في مراحل التكيف والتحول الاقتصاديين.
لكن في مقابل هذه الدلالة، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أيضاً، الدلالات السلبية التي ينطوي عليها تضخم حجم القطاع غير الرسمي في الأردن، وبما يجعله أقرب إلى الدول ذات الدخل المنخفض التي قد يزيد فيها حجم هذا القطاع، بحسب البنك الدولي، على 50 %، مقارنة بنسبة 4 % - 6 % في الدول ذات الدخل المرتفع.
بافتراض أن الفقر و/ أو ضعف التدريب والتأهيل، الأكاديمي والمهني، سبب للانخراط في القطاع غير الرسمي، حيث تكون العمالة في هذه الحالة عرضة للتقلبات السلبية الحادة في الاقتصاد، كما هو متوقع في المدى المنظور. مع العلم، أن هذه العمالة تواجه، أصلا، مستقبلا غامضا لغياب الضمان الاجتماعي، ناهيك عن إمكانية افتقارها للحماية القانونية تماماً أو في جزء منها، نتيجة غياب العقود.
ولربما يرتبط تفضيل القطاع غير الرسمي بالحاجة إلى الالتفاف على التشريعات المحلية المتقادمة أو المعيقة للشروع في بعض المشاريع، أو لربما توسعتها، بما في ذلك المبالغة في الضرائب والإجراءات البيروقراطية المعقدة.
في مقابل الحاجة والضرورة، على النحو السابق، يشكل القطاع غير الرسمي أحد منافذ التهرب الضريبي، والذي قدّرته "شبكة العدالة الضريبية"، في تقريرها الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، بحوالي 663 مليون دينار أردني، تمثل بدورها خسائر في مستوى التعليم والصحة والبنية التحتية وسواها من أوجه الإنفاق العام التي يفترض أن تستثمر فيها.
وإذ من المفترض تنفيذ مرحلة ثانية من مشروع وزارة التخطيط وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يقوم على إعداد دراسة بانورامية حول القطاع غير الرسمي، فإنه يظل صحيحاً القول منذ الآن بضرورة العمل مباشرة على استيعاب وتنظيم هذا القطاع، باعتبار ذلك مصلحة لجميع الأطراف.
إلى جانب الحد من التهرب الضريبي، يبدو هذا التنظيم الوسيلة المثلى لحماية العمالة غير الرسمية حاضراً ومستقبلاً، وذلك من خلال مراجعة وإصلاح السياسات العامة ذات الصلة، والتي تشمل تأهيل وتدريب هذه العمالة، ومراجعة مدى توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وتحديث وتطوير التشريعات والإجراءات التي تشجع المبادرة والريادة والإبداع في القطاع الخاص، الذي ما يزال يتأخر عن القطاع العام في تشغيل العمالة، باستثناء غير الرسمية منها.