لماذا يُلقى بمقاتلي "داعش" من فوق المباني في الموصل

يقوم أفراد قوات الأمن العراقية الآن بقتل سجناء "داعش" لأنهم يعتقدون أنه إذا تم إرسال المتشددين إلى معسكرات السجن، فإنهم سيقومون برشوة السلطات في بغداد لإطلاق سراحهم. ويقول مصدر عراقي: "هذا هو السبب في أن الجنود العراقيين يفضلون إطلاق النار عليهم أو إلقاءهم من فوق المباني العالية". وقال مسؤول عراقي سابق إنه يستطيع أن يحدد بالضبط المبلغ الذي سيحتاج عضو في "داعش" إلى دفعه لشراء أوراق تمكنه من التنقل بحرية في جميع أنحاء العراق.
اعتقاد الجنود ورجال المليشيا العراقيين بأن حكومتهم الخاصة فاسدة جداً بحيث لن تحتفظ بمقاتلي "داعش" رهن الاعتقال هو أحد الأسباب الذي يجعل من الممكن العثور على جثث المشتبه بعضويتهم في "داعش"، وقد أطلقت النار عليهم في الرأس أو الجسم وقُيدت أيديهم خلف ظهورهم، عائمة فوق نهر دجلة قرب الموصل. ولا شك في أن الفظاعات والكراهية التي حرضها "داعش" هي دوافع لعمليات القتل خارج نطاق القضاء التي تنفذها فرق الموت. ولكن، كذلك أيضاً يفعل انعدام الثقة في النظام القضائي العراقي، المعروف بالفساد والاختلال الوظيفي.
يفسر عمق الارتياب في نهاية حرب بالغة العنف السبب في قناعة العديد من العراقيين بأن أعضاء "داعش" الخطرين يمكنهم دائماً أن يقدموا الرشوة من أجل شراء حريتهم. وتزعم العشرات من المشاركات في وسائل الإعلام الاجتماعية من بغداد أن الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم وقتلوا الكثير من المدنيين هناك كانوا قد اعتُقلوا سابقاً على يد قوات الأمن ثم أُطلق سراحهم في مقابل النقود. وتقول إحدى الإرساليات التي تتم مشاركتها كثيراً مع أخريات: "إننا نموت في بغداد بسبب الفساد. "داعش" يدفع للحكومة ويقتلنا في بغداد".
قد تكون هذه المخاوف مبالغاً فيها، لكنها ليست من دون مضمون بالكامل. فربما يكون "داعش" قد عاني خسائر فادحة في الموصل، لكنه ما يزال يعمل. وعلى سبيل المثال، قال مسؤول كردي رفيع: "في الآونة الأخيرة، خلال جنازة قائد من قبيلة شمّر في الرابية، تم اكتشاف ما لا يقل عن 17 انتحارياً من "داعش". ويُظهر ذلك أنه ما يزال بإمكانهم تخطيط وتنفيذ العمليات، حتى لو أنهم أصبحوا أضعف".
والآن، يُعرب سكان الموصل المناهضون لـ"داعش" عن نفس المزاعم. ويشتكي سليم محمد، الذي يسكن في حي النبي يونس شرق الموصل: "أنا أعرف رجلين في حينا معروفين بأنهما عضوان في "داعش"، واللذين أطلقت الحكومة سراحهما تواً. أحدهما كان يشارك دائماً في دوريات "داعش" في الأسواق هنا وفي البحث عن الناس الذين يدخنون السجائر". وأضاف سليم أن الناس يخشون من أن الرجلين المتعاونين المشتبه بهما واللذين تم إطلاق سراحهما، كانا عضوين في خلايا "داعش" النائمة، أو أنه تم تجنيدهما الآن كجاسوسيَن للحكومة العراقية.
ويقول سليم أن أحد الأسباب المهمة لانعدام الثقة بين أولئك الذين كانوا دائماً معارضين لتنظيم "داعش" وأولئك الذين انضموا إليه أو تعاونوا معه، هو أن الأخيرين طوروا دائماً أعمالاً مزدهرة خلال السنوات الثلاث التي كان "داعش" فيها في السلطة. وقال إن "العديد من هؤلاء المتعاونين لديهم محلات في الأسواق والناس يشترون منها، حتى لو أنهم قد يكرهون أصحابها". وهو يعرف رجلاً كان فقيراً قبل وصول "داعش"، لكنه جمع النقود من عمله كرجل أمن في نقاط تفتيش التنظيم، حيث يتم دائماً دفع رشاوى كبيرة من أجل التمكن من المرور الحر. وقد تم اعتقال الرجل، ثم أُطلِق سراحه، وانتقل الآن مع عائلته إلى تركيا.
كثيراً ما جاء قادة "داعش" ومسلحوه من القرى السنية المعدمة في أطراف الموصل، والتي تبدو مثل مجموعة من الأكواخ. وعندما سيطروا على الوصل، كان هناك عداء بينهم وبين سكان المدينة التقليديين. ويقول سليم: "الشيء الذي يثير غضباً خاصاً في الموصل هو أنه يجري إطلاق سراح عائلات "داعش" حسنة الحال وتعود للعيش في شقق مفروشة جيداً، في حين أن الناس الفقراء ما يزالون يعيشون في المخيمات".
يتميز الوضع في شرق الموصل بأنه أفضل بكثير مما هو في غرب المدينة، لأنه كان دائماً أكثر ثراء، وشهد دماراً أقل من الضربات الجوية والمدفعية، وكان حراً من سيطرة "داعش" لستة أشهر. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تزعم أنها حققت انتصاراً كاملاً على "داعش" في "المدينة القديمة" في غرب الموصل، ما تزال تُسمع أصوات إطلاق نار البنادق والضربات الجوية من حين لآخر. وهناك عملية هجرة كبيرة للناس عبر نهر دجلة من الأحياء التي تضررت، وإنما لم تُدمر بالكامل في الغرب، إلى شرق الموصل حيث هناك تيار كهربائي ومياه. كما أدى نقص أماكن السكن لأولئك الذين يتنقلون في داخل المدينة إلى زيادة إيجارات المنازل بمقدار ثلاثة أضعاف.
ستكون إحدى الدفعات المهمة لاقتصاد الموصل قيام الحكومة بتسديد رواتب موظفي القطاع العام الذين لم يتلقوا رواتبهم في ظل حكم "داعش" بأثر رجعي. ويؤدي حصول العاملين في مجالات التعليم والصحة والبلديات على رواتبهم إلى قدر أكبر من النشاط في الأسواق المحلية. وقد شرع الناس في شراء السيارات والممتلكات مرة أخرى، وهناك طوابير طويلة من الشاحنات التي تجلب البضائع من أربيل والمناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد إلى المدينة.