جراءة نيوز - بسام البدارين
بدأ الأردن يبدل ويغير في لهجته… هذا ما يمكن استنتاجه من التصريح الأخير للناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد مومني وهو يشدد على عبارة لا تحظى بالعادة بالاهتمام الكبير في البيانات الأردنية عن سوريا وقوامها «أمن واستقرار سوريا يعد مصلحة استراتيجية للجميع في المنطقة».
يعرف الأردنيون جيداً أن مثل هذه العبارة هدفها الاقتراب إلى أقرب مسافة ممكنة من منطق النظام السوري الذي يشعر اليوم بزهو الحسم لصالحه في الكثير من المفاصل خصوصاً بعد «الذوبان المريب» لتنظيم «الدولة» (داعش) والغياب الأكثر ريبة لتنظيم جبهة النصرة وسلسلة «إعادة الفك والتركيب» التي تخضع لها فصائل إسلامية معتدلة تدعمها بالعادة السعودية أو تركيا.
قبل ذلك كان المومني يكثر وفي كل مناقشات «القدس العربي» معه من التركيز على استراتيجية «عزل الأزمة السورية حدودياً» في الوقت الذي يكشف فيه مصدر رسمي مطلع أن الرئيس بشار الأسد لا زال يرفض التعاون مع الأردن بخصوص تأمين مسافة لا تزيد عن ثمانية كيلومترات من الأرض الفاصلة بين البلدين في معبر نصيب الشهير المغلق.
عمان مهتمة مرحلياً باستثمار «اتصالاتها المتطورة» نسبياً مع روسيا وفي لقاء مغلق بالقصر الملكي تم وصف الرئيس فلاديمير بوتين بانه «صديق موثوق» ومواقفه تتميز بالمصداقية. وحتى اللحظة يحاول الأردن توفير ملاذ لخطته بعنوان إعادة فتح معبر نصيب لكن الرئيس الأسد «يراوغ» رغم أن المطلوب لإعادة فتح المعبر هو فقط الاتفاق على ترتيب أمني يضمن الكيلومترات الثمانية.
بالتزامن «يعدل» الأردني من لهجته بعد موقف تركيا العلني الأخير القائل بعدم السماح بإقامة «كيان إرهابي» شمالي سوريا. كما يخفف الأردنيون خلافاً لما تفعله دمشق معهم من لهجتهم بعد ارتفاع نسبة نجاح الاتفاق الثلاثي الأخير مع الأمريكيين والروس على «وقف طويل الأمد للنار» جنوبي سوريا. وهو اتفاق يصر دبلوماسيون أمريكيون نشطاء سياسيون في العاصمة الأردنية عمان على أنه يخدم في المحصلة «الأمن الإسرائيلي» أيضاً ويدفع بإسرائيل للحياد نسبياً في المعركة الحاصلة في سوريا رغم أن المؤشرات متعددة على أنها اللاعب الخفي الأبرز في السياق. مناسبة حديث المومني لها ما يبررها أيضا فالرجل وعبر وكالة الأنباء الحكومية «بترا» أعلن أن «آلية مراقبة وقف إطلاق النار تصاغ ووصلت لمراحلها النهائية».
عمان هي الطرف الذي ناضل خلف الستارة من أجل وضع «آلية « تلزم جميع الأطراف بهدنة طويلة الأمل يعتبر الأمريكيون أنها ستقود في المحصلة لتشكيل «إقليم درعا» ضمن نظام فيدرالي يحسم الأمور في سوريا المستقبلية وفقاً للمنظور الذي ناقشه مع «القدس العربي» المفكر السياسي عدنان أبو عودة وهو يحاول قراءة التطورات الأخيرة في التفكير. والهدنة الطويلة نفسها يطلق عليها الروس اسم «منطقة واسعة منخفضة التوتر».
النظام السوري بدا «متعاوناً» ومنسجماً مع التزامات اللاعب الروسي المتحرك الفاعل على الأرض وفي الميدان لأنه يسعى للاستثمار وتجنب الاستنزاف العسكري في جنوب سوريا والتركيز على مناطق أخرى مثل دير الزور وتدمر ومحيط السويداء. الأردن مهتم جداً بتثبيت سيناريو المنطقة منخفضة التوتر ليس فقط لكي تتهيأ المنطقة لعودة لاجئين سوريين. ولكن أيضاً ـ وقد يكون الأهم – لضمان حصة ودور الأردن في أي ترتيب إقليمي ودولي مستقبلي في منطقة الجنوب السوري حيث يعتقد الأردنيون أنهم يحتفظون بالورقة الرابحة الأساسية بصفتهم «الأكثر قرباً وتواصلاً» بالكتلة العشائرية من أهالي درعا وباعتبارهم في منطقة متقدمة عندما يتعلق الأمر بالعشائر الدرزية في جبل العرب ايضاً بالقرب من بادية الشمال الأردنية.
ورغم إمكانية تلمس «فروقات» لا بد من رصدها بين قراءة وتفسير الترتيب الأخير في جنوب سوريا إلا أن تركيز الأردن على «آلية لمراقبة وقف إطلاق النار» سلوك سياسي بامتياز يحاول تأمين أفضل هدوء عسكري ممكن في نطاق الحدود مع المملكة وهو سلوك برز إلى السطح بعدما قررت إسرائيل الطرف الأهم في معادلة أمن جنوب سوريا أنها تستطيع «تأمين جبهتها» بدون الاحتياج لخدمات من الأردن أو غيره واعتمادًا على إمكاناتها العسكرية الذاتية المتطورة واتصالاتها السرية مع الجانب الروسي.
بمعنى آخر إسرائيل تمتنع عن التنسيق مع الأردن في شؤون جنوب سوريا وتحتفظ ببعض الأوراق لنفسها مما يرجح أن لديها نظاما مؤثرا في بعض فصائل المعارضة السورية واتصالات خاصة مع موسكو وهو نظام قد يفسر غياب جبهة النصرة الغامض عن المشهد وسط أنباء عن انسحاب قواتها من درعا استناداً إلى سؤال متردد تجاوز تنظيم «داعش» وبدأ يطال هوية الريمونت كونترول الذي يتحكم في جبهة النصرة.