
استمع صاحب القهوة "ليفت بانك”– بالصدفة– إليَّ وأنا أتحدث اللغة الإنجليزية، فلم يستطع أن يوقف نفسه عن سؤالي بخصوص رأيي في الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فقد أصبح من الطبيعي جدا أن يُسأل الأميركيون الذين يعيشون في الخارج مثل هذه النوعية من الأسئلة هذه الأيام، وبذلك أجبت على سؤاله قائلاً: "تفاجئ الناس بفوزه”، ثم سألته: "ما هو رأيك في مارين لوبان؟ هل من الممكن أن تكون رئيسة فرنسا القادمة؟”.
فأومأ برأسه بتمعن مصحوب بقليل من الأسى عندما تذكّر هذا المزيج اليميني المتطرف الأنثوي؛ حيث حولت مارين لوبان حزب والدها المُهَمَّش ونجحت في تحويله إلى قوة كبرى لديها القدرة على قلب الأوضاع، ليس فقط في فرنسا وإنما في أوروبا كلها.
عكفت مارين لوبان على بناء هذه القوى الشعبية على هذا الجانب من المحيط الأطلسي لسنوات عديدة، بينما تجد أن ترامب قد بدأ للتو مرحلته السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المحتمل أن تتحول فكرة الديمقراطية الغربية رأسًا على عقب، على إثر حكمه للولايات المتحدة الأميركية.
تنبأت استطلاعات الرأي الأخيرة بفوز "لوبان” بأغلبية الأصوات في شهر مايو القادم، بينما من المتوقع أن تخسر جولة إعادة الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو؛ فالجميع الآن يتسائلون؛ هل من الممكن أن تفوز في الانتخابات؟ فأجاب صاحب الكافيه على هذا السؤال المُحير قائلاً: "من المحتمل حدوث ذلك، فبعد أن فاز "ترامب” بالانتخابات الرئاسية الأميركية، سيتحرر الناس من كل القيود وسيطرقون أبواب كانت محرمة من قبل، فإن كان بإمكان الشعب الأميركي فعل ذلك، لماذا لا نستطيع نحن فعله؟”.
بالفعل، كلامه واقعي.
في يوم الأربعاء الماضي، ألقى الرئيس باراك أوباما محاضرة طويلة باليونان عن العولمة والاضطرابات العالمية، متحدثًا عن قضية الديمقراطية الليبرالية وكأن العالم سيستمع إليه ويسجل ملاحظات مهمة منه، وكالعادة تجد كلام أوباما مقنع من الناحية الفلسفية، ولكنه يفشل في التطبيق من الناحية الاقتصادية الواقعية؛ حيث بُنيت صميم حجته على أن الدول الديمقراطية؛ دول عادلة ومستقرة وأكثر نجاحًا من غيرها، فأضاف أوباما معبرًا عن نظرية تشيرشيل القديمة عن الديمقراطية قائلاً: "من الممكن أن تكون بطيئة ومن الممكن أن تكون محبطة، ومن المحتمل أن تكون صعبة، ومن المحتمل أن تكون فوضوية”، ولكن قدرتها على تصحيح مسارها بنفسها يجعل منها أسلم الطرق التي يجب أن تسير عليها الحكومات للتصدي للتحديات التي تواجهها.
قد يكون ما يقوله صحيحًا في الماضي، ولكن في يومنا هذا – ووفقًا لما نراه أمامنا – اختلف الأمر تمامًا؛ ففي العديد من الدول تُستخدم العملية الديمقراطية لتدمير ما يعتقده معظمنا مُثُل عُليا للديمقراطية.
في العام 1977، حذر "فريد زكريا” في صحيفة "فورين أفيرز”، من الديمقراطية غير الليبرالية؛ بداية من "بيرو” للسلطات الفلسطينية، ومن "سيراليون” حتى "سلوفاكيا”، ومن "باكستنان” حتى "الفلبين”.
ففي يومنا هذا، أصبحت الديمقراطيه مُجرد أداة تستخدمها السلطات الشعبية في جميع أنحاء العالم، مهملين الحرية والمساواة والأخوة؛ ففي العقد الماضي اتجهت الديمقراطيات الناشئة إلى الاستبداد، في العديد من الدول.
فتركيا تتكون من أكثر من 80 مليون شخص، وتعتبر عضوًا مهمًا في حلف الناتو (صاحبة ثاني أكبر جيش في العالم بعد أميركا)؛ فهي دولة ذات طموحات بالانضمام إلى جماعة الديمقراطيين المعروفة باسم "الاتحاد الأوروبي”.
عكف رئيس وزرائها المنتخب "رجب طيب أردوغان” منذ العام 2003 وحتى 2014 – بنجاح – على تحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلاد وازدهارها، وكان العالم يرى أن حزبه الإسلامي يُمثل الإسلام المعتدل، بينما كان يشعر الأتراك بالفخر من وطنيته، ولكن في الأعوام القليلة الماضية؛ رسم نفسه ليكون الحاكم الدائم للبلاد، ويلاعب الدولة الإسلامية (داعش) باستحياء، مُشعلاً بذلك حربًا مع القوات الكردية، مُستغلاً مخاوف الرأي العام.
وعندما حاول معارضو "أردوغان” تنظيم انقلاب عسكري عليه في شهر يونيو الماضي، نجح في إخماده، ولم يكتفِ بإخماده فقط وإنما استفاد منه؛ فجني دعمًا كبيرًا من شعبه باسم الديمقراطية.
وبذلك، نجح "أردوغان” في تطهير الجيش والجهات الحكومية والدوائر الأكاديمية من أكثر من 110 ألف شخص، بينما تم اعتقال عشرات الآلاف، وأغلق العديد من الصحف في جميع أنحاء تركيا، ليدمر بذلك ما كان يعرف بحرية الصحافة إلى حد ما في تركيا.
أعاد أيضًا الإعمال بعقوبة الإعدام بعد محاولة الانقلاب العسكري، وهو أمر دائمًا ما اعتبره "الاتحاد الأوروبي” خطًا أحمر يفصل بين انضمام أي عضو جديد إليها، وهو بالطبع قرار ينم عن أنه لم يعد يهتم بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
أما عن فنزويلا، يصل تعداد سكانها إلى 31 مليون نسمة، وهي بلد من أحد أهم منتجي النفط، وكانت تعتبر حليفًا مهمًا لأميركا في أميركا اللاتينية، ولكن قام "هوجو تشافيز” بالدعوة إلى انقلاب عسكري في بداية العام 1990، وأسس حزب سياسي بعد أن قضى فترة قليلة في السجن، ثم فاز برئاسة البلاد بحصوله على صوت الفقراء المدقعين في العام 1998.
وبعد تأمينه لحملته الانتخابية من أرباح أسعار النفط العالمية، فاز بالانتخابات مرات عديدة حتى توفي في العام 2013، ولكن خليفته "نيكولاس مادورو” ابتلى بانهيار أسعار النفط، وشهد عصره انهيار اقتصادي، وواجه اضطرابات اجتماعية عديدة دون أن يسعى إلى حل أي منها، متبنيًا أسلوب "شافيز” في الديمقراطية مستغلاً سلطاته القضائية لتطبيق ما يريد.
بينما في الفلبين، تجاهل رئيسها الجديد "رودريجو دوتيريت” أحكام القانون؛ للتخلص من تجار المخدرات ومتعاطيها، وكل مَن يعترض طريق تطهيرهم؛ فمات الآلاف من الشعب الفلبيني في طريق تحقيق ذلك، رافضًا خضوعه لقوانين حقوق الإنسان وديمقراطية أميركا، بينما فضل أن يتبع الصين كمدافع جديد عن الفلبين وحليف لها.
حررت العراق من "صدام حسين” من قبل قوات الأميركية في العام 2003، بعملية تحرير العراق، دُفِعَ ثمنها باهظًا الكثير من الدماء وتريليونات الدولارات، ولكن الحكومة الديمقراطية التي أسست تحت الإشراف الأميركي؛ أصبح الشيعة يسيطرون عليها بطرد أهل السنة بعد أن تركوا أراضيهم لـ"داعش" في العام 2014، وفقدوا السيطرة على الأكراد الانفصاليين، وأصبحت العراق معتمدة بشكل كبير على دعم إيران.
كان من الممكن أن تكون مصر كالنجم الساطع في سماء الديمقراطية في الشرق الأوسط بعد اندلاع مظاهراتها في العام 2011، المعروفة بإسقاطها لحكم دام 30 عامًا، ولكن الانتخابات الرئاسية التي تمت بعد ثورة 25 يناير، أوصلت جماعة الإخوان المسلمين للسلطة، ولكنها سرعان ما قامت بقمع المعارضة، على الرغم من وعودهم باحترام مبادئ الديمقراطية، وفي العام 2013 قاد الجيش المصري بقيادة "عبد الفتاح السيسي” قوات عديدة للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم أصبح "عبد الفتاح السيسي” رئيسًا لجمهورية مصر العربية، ومن ثم قام هو أيضًا بقمع كل مَن حاول معارضته، ولذلك من السهل أن نتنبأ بنمط الديمقراطية المصرية، وكان "السيسي” أول من هنأ "دونالد ترامب” على فوزه بالانتخابات الرئاسية.
من المتوقع أن نرى انتشار الخوف والتعصب واستغلاله لحشد الناخبين في جميع أنحاء أوروبا، ومن المتوقع أن يغتنم اليمين المتطرف بالانتخابات في النمسا في 4 من شهر ديسمبر، بعد هزيمة ضئيلة في انتخابات شهر مايو.
يُذكر أن هناك جملة ما كثُر استخدامها من قبل الدبلوماسيين الأميركيين، مُنتقدين الحالة الديمقراطية في الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط "يثقون في شخص واحد، وصوت واحد، لمرة واحدة”.
يا لسخرية القدر، حيث أصبح هذا الأسلوب أسلوبًا مستخدمًا في جميع أنحاء العالم، ولم يعد مقتصرًا على الإسلاميين؛ فعلى ما يبدو أن الإنسان لديه القدرة على التحول إلى "وحش كاسر”.
لم تكن الولايات المتحدة مثال يحتذى به في الأخلاق والفضيلة الديمقراطية، وإنما كانت تمثل الاعتدال والعقلانية والتوازن والمساواة، والأهم من ذلك كله، كانت تعد فرصة للتغيير؛ فأين ذهبت مشاعر احترام السياسية في أميركا؟ فانتخاب دونالد ترامب ليكون الرئيس الجديد أزاح ما تبقى من الأخلاق المُثلى في أميركا لقيادة العالم، ولكن لابد وأن نشير إلى أن انحدار أميركا في منحدر الديمقراطية لم يبدأ من 8 من شهر نوفمبر الحالي، ولا حتى منذ أن بدأت الحملات الانتخابية الوحشية الأخيرة، إنما تعود إلى عقود ماضية؛ ففي العام 1980 و1990 وقفت أميركا أمام العالم والتي كانت تمثل أعظم قوة في العالم كله؛ لتكون قادرة على خدمة الإنسانية جميعها، حيث ضعفت الأخلاق الأميركية منذ حربها على العراق، التي بدأها الرئيس الأميركي "بوش”، حيث روّج لافتراضات خاطئة للشعب الأميركي، بينما فشل باراك أوباما في إعادة الجنود الأميركيين؛ بسبب الكوارث الاقتصادية التي خلفتها أميركا في العراق.
فبوصول "ترامب” إلى الرئاسة، كان العالم غارقًا في مساوئه، وإن كنت تريد أن ترى خطى مبادئ الديمقراطية في العالم؛ أنظر إلى الأمم المتحدة، فقد انخرطت في تحرير الإمبراطورية اليابانية ونازية ألمانيا، وكرّست وقتها للمقترحات التي وضعت بخصوص حقوق الإنسان لعام 1948، لحماية أسس حرية الرأي وحرية العبادة والتحرر من التعذيب والاعتقال التعسفي، والعدالة في المعاملة أمام القانون، ثم تمعن في التفكير في أن أهم مؤسسة في الأمم المتحدة – مجلس الأمن – المكون من 5 أعضاء دائمين، قد يكون أعضاؤه الممثلون هم؛ دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، وثيريسا ماي، وتشي جين بينج، ومارين لوبان.
ترامب يلغي رسميا عقوبات "قيصر" على سوريا
ساعة ومسدس وخاتم زواج .. تبرعات لمسؤولين سوريين بحملة "حلب ست الكل"
الأمم المتحدة تدعو لوقف التوسع الاستيطاني ونشاطاته في الضفة الغربية
الصين: دخول أول مشروع ضخم لإنتاج الميثانول الحيوي حيز التنفيذ
ترمب يعلن ارتباط نجله الأكبر للمرة الثالثة
ترامب: إذا صدر حكم قضائي ضد الرسوم الجمركية ستكون كارثة
علماء يكشفون غلافا جويا مفاجئا لكوكب صخري فائق الحرارة
علماء: الاحتباس الحراري يفاقم الظواهر المناخية المتطرفة