هل سيعيد التاريخ نفسه !
"إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة. وما نراه الآن هو المهزلة".. مقولة شهيرة لماركس، نحياها كل يوم لأننا لا نقرأ تاريخنا، ومن لا يقرؤون التاريخ محكوم عليهم أن يعيشوا فصوله أكثر من مرة، وأن يُلدغوا من نفس الجحر ألف مرةٍ ومرة.
سنعود بذاكرتنا للخلف لنشاهد بداية فصول المأساة، ونسير معها حتى نصل إلى ما نحياه الآن من مهزلة، لنستعرض فصول مأساتنا الهزلية.
الفصل الأول:
في عام 1897 داخل قصر يلدز، وبعد محاولات مستميتة، يقابل هرتزل زعيم الحركة الصهيونية وبرفقته الحاخام موسى ليفي؛ السلطان عبد الحميد، طالبا منه منح اليهود حق السكن فلسطين واستثمارها، فعرضا على السلطان مقابل ذلك أن يقدّم اليهود إليه الأموال والدعم والعديد من المميزات. فغضب السلطان ورفض العرض، فحاول هرتزل بطريقة أخرى فقال: "لو رضي مولانا وباع لنا الأراضي التي ليس لها مالكون في فلسطين بالثمن الذي يقدرّه". فصرخ السلطان فيهما قائلا: "إن أراضي الوطن لا تباع، إن البلاد التي امتلكت بالدماء لا تباع إلا بالثمن نفسه"، وأنه لا يستطيع أن يتخلى عن شبر واحد من فلسطين، إذ هي ليست ملكا له، بل هي لأمته الإسلامية التي قاتلت من أجلها، وروت التربة بدمائها، كما نصحهم بأن يحتفظ اليهود بملايينهم. وقال: "إذا تجزّأت إمبراطوريتي يوما ما فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن". هذا ما ذكره هرتزل بمذكراته، وهنا أدرك اليهود استحالة التفاوض فانتهى الفصل الأول.
الفصل الثاني:
وهو من أخطر فصول المأساة، فبعد فشل اليهود في شراء فلسطين، اتبعوا نصيحة أعطاها لهم السلطان دون أن يدري، فلكي يحصلوا على فلسطين لا بد من تفكيك الإمبراطورية العثمانية، لذا بدأت عملية شراء الولاءات داخل جيش الإمبراطورية، وما قام به يهود الدونمة وحزب الاتحاد والترقي لإدخال الدولة العثمانية في أتون الحرب العالمية لإضعافها وتفكيكها.
المشهد الأول من المأساة:
معركة غزة الأولى: دارت وقائع هذه المعركة في سياق الحرب العالمية الأولى في مارس1917، وكانت ساحتها مدينة غزة وانتهت بانتصار الجيش التركي. كانت المعركة بين قوات الإمبراطورية العثمانية في مواجهة قوات الحلفاء وتضم قوات أسترالية وبريطانية ونيوزيلندية، فهُزموا شر هزيمة.
المشهد الثاني:
لم يكد ينقشع غبار معركة غزة الأولى حتى عاود الإنجليز الكرة مرة أخرى على غزة.
فكانت معركة غزة الثانية كارثية من حيث نتائجها على الإنجليز. فقد فشلوا في اختراق الدفاعات التركية، رغم أنهم ألحقوا بها أضرارا طفيفة، في الوقت الذي عانوا فيه من خسائر كبيرة خاصة في المشاة، حيث فاقت خسائرهم الـ6 آلاف رجل بين قتيل وجريح ومفقود. في حين كانت خسائر الأتراك أقل من ثلث هذا الرقم حسب وثائق الحلفاء.
المشهد الثالث:
التجريدة المصرية
هذه المرة قرر الجنرال البريطاني (أللنبي) استبدال الجنود الأجانب بجنود مصريين، فكانت حملته مكونة من مائة ألف جندي مصري تحت إمرة ضباط إنجليز، قادهم لمعركة غزة الثالثة، فتمكن أللنبي من مفاجأة الحامية التركية في غزة والتي استبسلت استبسالا بطوليا، ولكن سقطت غزة بعد أن دمرت، وسقطت مئذنة مسجدها العمري الشهير وتهدمت جدرانه.
توجه أللنبي بعدها نحو القدس وتمكن من دخولها، رافعاً علم الصليب بأيد مصرية على مآذن المسجد الأقصى وقال كلمته الشهيرة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
أعلن أللنبي من القدس انتصاره على العثمانيين بأيد مصرية، نعم جند مصر من سلموا القدس للصليبين الجدد، ودخل الصليبيون فوق أسنة الرماح المصرية في مشهد من الخيانة لم يشهد التاريخ مثله أبداً.
الحقيقة أن "الجيش المصري منذ نشأته تكون ليكون أداة في يد الحاكم وحده والذي هو أداة في يد قوة خارجية تفعل به ما تشاء وهو جزء رئيسي من المشروع الغربي لضرب أي احتمال لاستقلال مصر وهو كان ولا يزال موجود لهذا الهدف".
هنا ينتهي الفصل الثاني للمأساة لتتوالى فصول عدة، نخسر فيها كل يوم جزءا من أرضنا ونرتضي الدنية في ديننا ونتنازل عن كثير من كرامتنا، ومع انتهاء كل فصل تزداد عقيدة الجيش بالتغير والتغريب، حتى صار جيشا علينا لا لنا.
تنتهي فصول المأساة لتتكرر فتبدأ فصول المهزلة، فلم تكن القدس تجربة وحيدة لسقوط أحد العواصم العربية بأياد عربية مسلمة، بل كانت أولى حبات العقد المنفرطة، وتلاها سقوط عواصم أهل السنة بغداد ودمشق وصنعاء ومازال السقوط مستمرا.
الفصل الأول:
التمدد الشيعي وهو الأخطر من وجود اليهود على بلاد المسلمين
المشهد الأول:
دخول أبي طاهر القرمطي مكة في 700 فارس، يوم الثامن من ذي الحجة سنة 317 هـ وهو ينشد على باب الكعبة:
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وسيفه يقطر دما بعد أن قتل هو وأتباعه أكثر من 30 ألف حاج، فصار الحجيج يتعلقون بأستار الكعبة يستغيثون ولا مغيث لهم فتتخطفهم السيوف، وقد ردم القرامطة بئر زمزم بجثث الحجيج، واقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه للبحرين، وصار أبو طاهر وأتباعه ينشدون:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبا
المشهد الثاني:
تجاوز الحقد الصفوي الشيعي مرحلة الحرب فقط بل زادوا عليها التآمر الخارجي، فوضع الشيعة يدهم بيد الصليبين في تآمر سافر ضد بلاد الحرمين، عندما تعاون الصفويون الروافض حكام إيران مع البرتغاليين الصليبيين ضد الدولة العثمانية، والروافض يعلمون علم اليقين ما كان يخطط له البرتغاليون، ولا بأس بذلك عندهم طالما سينبش مع قبر الرسول قبرا أبي بكر وعمر شريطة أن يحرق جثتيهما، ولكن رد الله كيدهم في نحورهم وحمى رسوله وعباده الصالحين، وفشل هذا المخطط بهلاك قائد الجيوش البرتغالية وهزيمة الشاه إسماعيل الصفوي أمام السلطان سليم الأول في معركة جالديران.
الفصل الثاني:
في عصرنا الحديث لم يختلف الحقد الصفوي الشيعي على الإسلام و(الوهابيين) وهو المسمى الذي أطلقه الروافض على أهل السنة والجماعة لكرههم لمحمد بن عبد الوهاب الذي قضى على البدع والشركيات التي كانوا قد أحدثوها ببلاد الحجاز.
فيأتي الخميني بحكومته الجعفرية الرافضة القائمة على إقصاء أهل السنة وقتلهم واستئصالهم والذين يمثلون حوالي 35 % من إجمالي السكان.
وقد ابتدع الخميني لشيعته ما يسمى بمظاهرة البراءة، حيث يقومون بالتظاهر أثناء موسم الحج ضد أمريكا وإسرائيل كنوع من أنواع الدعاية الكاذبة، ولكن بسنة 1987 حمل الروافض صورة الخميني بالحج وهتفوا به زعيما للعالم الإسلامي، واستعدادا لاقتحام الحرم، ومبايعة الخميني في قلب الكعبة فتصدى لهم الحرس، فسالت الدماء مرة أخرى بأرض الله الحرام.
الفصل الثالث:
تدويل الحرمين
هي فكرة ظهرت للعلن بعد تولي الخميني الحكم، لإفقاد السعودية التأثير السياسي في العالم الإسلامي الذي تحاول منافستها فيه والذي اكتسبته من وجود الحرمين على أراضيها، وهي فكرة تتوافق مع مخطط دولي لتقسيم المملكة مثل بقية الدول العربية.
أحد هذه المخططات وضعها رالف بيترز الضابط المتقاعد في الاستخبارات العسكرية الأمريكية والذي أعد مخططا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط بعنوان حدود الدم.
يصف رالف السعودية بأنها دولة غير طبيعية، ويقترح أن يقتطع منها كلا من مكة والمدينة، حتى تنشأ فيها "دولة إسلامية مقدسة" على رأسها مجلس يترأسه بالتناوب أحد ممثلي الحركات والمدارس الإسلامية الرئيسية (فاتيكان إسلامي).
وحتى لا تنفجر القنبلة بوجه صانعيها، كان التخطيط بإحكام، مؤتمر غروزني الذي أخرج الوهابيين من زمرة أهل السنة ويليه قانون جاستا الذي يثبت في الأذهان إرهاب المملكة ومن يحكمها، ثم مناصرة بعض الحكام الخونة للإيرانيين من دولة يفترض لها مكانتها بالمنطقة وهي (مصر) فيأتي زعيم الانقلاب ليشكل تحالفا شيطانيا مع إيران وروسيا ليضرب به أهل السنة في مقتل.
فهو من جهة يدعم روسيا في قتل أهل السنة بسوريا، ومن جهة يدعم إيران ضد المملكة بدعم سافر بتسليح الحوثي باليمن.
فهل تكرر مصر على يد طغمة العسكر الانقلابين مأساة القدس، وتسلم مكة والمدينة للشيعة بأيد مصرية؟
وكما رفعت تلك الأيدي رايات الصليب على القدس ترفع رايات قم على الحرمين؟