ناهض حتر يكتب: باسم عوض الله رئيسا للوزراء
هذا الاحتمال يثير الذعر في أوساط نادي الحكم والبيروقراطية التي ، بسبب امتثاليتها السياسية وهرولتها وراء المصالح الخاصة، فقدت مكانتها وقدرتها على الاعتراض.
هل هذا الاحتمال ممكن؟
حين علا نجم عوض الله بين 2005 و2008، وشارك في صنع القرار، لم يكن ممكنا أن يأتي بشخصه إلى الدوار الرابع؛ فدائما كانت هناك حاجة ماسة لرئيس ذي عصبية عشائرية، ويشكّل، بالتالي، مصدّاً، وينفّذ.
لكن عوض الله في إطلالته الأولى، كان، رغم ما حصد من سلطات، موظفاً يؤطّر مشروع النيوليبرالية في الأردن، عبر الخصخصة وتضخيم القطاع العام بهدف خلق دولة داخل الدولة، وتذرير الفئات الاجتماعية بوساطة الإنفاق السياسي من جهة، والتسهيلات الفلكية لـ"المستثمرين" من جهة أخرى، ما بدد حصيلة الخصخصة وفتح باب المديونية التي ما فتئت تتضخّم؛ فغياب الشخص لم يغيّب المشروع.
يأتي عوض الله، الآن، على موج العلاقة الأردنية - السعودية، وكمشروع سياسي بحد ذاته، لا موظفا كبيرا أو كبير الموظفين؛ ففي السنوات الخمس الفائتة، تمت إعادة إنتاج عوض الله سعودياً؛ ومع تمكّن ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، من امتلاك ناصية القرار في السعودية.
لدى بن سلمان توجهات ليبرالية اقتصادية أعلن عنها بوضوح. وعلى غير المعهود السعودي في إدارة العلاقات الإقليمية والدولية، تبلور النخبة السعودية التي تشبه نخبة المحافظين الجدد الأميركية، استراتيجية جيوسياسية جديدة من الواضح أنها لا تتطابق دائما، وربما تتعارض أحياناً، مع السياسات الأميركية؛
ـ تواصل الرياض مساعيها في سوريا والعراق؛ لإسقاط النظام السوري وخلق كيان في المثلث السنّي العراقي، يكسر "القوس الشيعي" الممتدّ من طهران إلى بيروت؛ غير أنها تدرك أن الملفين، السوري والعراقي، تدوّلا، وأصبحا خارج نطاق الحسم الإقليمي؛
ـ وعلى هذا، تتجه السعودية إلى الإلتفاف على الهلال الخصيب، نحو التواصل البرّي مع الكتلة المصرية ـ المغاربية. ومن هنا، نفهم التدفّق السخي للمساعدات والإستثمارت نحو مصر، وإرساء تحالف مع المغرب ضد الجزائر ـ البلد المغاربي الوحيد المعارض للمشروع السعودي؛
ـ ومن هنا، نفهم الضرورة الجيوسياسية لانتقال مُلكية جزيرتي صنافير وتيران من مصر إلى السعودية؛ سوف يطرح ذلك ضرورة التوصل إلى تفاهمات إقليمية تحل محل معاهدة "كامب ديفيد" التي انتهت واقعيا بالانتشار غير المقيّد للجيش المصري في سيناء لمحاربة الإرهاب؛
ـ وبقدر ما تتأمل إسرائيل بالخروج من العزلة بوساطة علاقات متينة مع السعودية، وإنشاء تحالف عربي ـ إسرائيلي في مواجهة إيران؛ فإن تل أبيب ما تزال ترفض أن تدفع الثمن المطلوب في "حل واقعي" للقضية الفلسطينية، والقبول بحضور الثقل السعودي على " الحدود" الإسرائيلية؛
ـ أردنيا، تفكّر السعودية بتغيير جذري في العلاقات الثنائية، يتيح الشراكة السياسية من الداخل، عن طريق إعادة إنتاج ظاهرة رفيق الحريري في لبنان. ومشروع رفيق الحريري الخاصّ بالأردن هو باسم عوض الله. وكما أنهى الحريري الأطر التقليدية للنظام اللبناني، وشكّل طبقة سياسية ومالية جديدة، تفكّر الرياض ربما بإعادة التكوين الهيكلي للنظام السياسي الأردني على أساس الشراكة مع الرأسمال المحلي المرتبط، عضويا، بالخليج، وبالإستناد إلى الفئات الاجتماعية المحلية المؤيّدة للمعارضة السورية، وبالتالي للسعودية.
هل هذا المشروع ممكن؟
أولا، في ضوء تطور العلاقات السعودية ـ الإسرائيلية؛ فإنه من المستبعَد أن تقبل إسرائيل بتغيير شروط اللعبة القائمة من دون التوافق على شروط لعبة جديدة تتخطى معاهدة "وادي عربة"، لن يكون سهلا تمريرها في الداخل الأردني؛
ثانيا، التحرك السعودي نحو الشراكة السياسية في الأردن، على خلاف التجربة اللبنانية السابقة، يتم وسط علاقات سعودية ـ أميركية متوترة، وربما مفتوحة على المزيد من التوتر؛
ثالثا، أثبتت تجربة عوض الله السابقة، أنه بلا عصبية تمكّنه من القيام بدور سياسي مستقل أو شبه مستقل، بل كان دائما محتاجا، أكثر من سواه بكثير، إلى الدعم الملكي؛
رابعا، هناك معارضة شعبية محلية واسعة الانتشار وبالغة القوة، ليس للشخص المعني، ولكن بصفته عنوانا لسياسات مرفوضة شعبيا؛
خامسا، تضغط على السعودية الحرب في اليمن. وهي حرب ضرورية للمشروع الجيوسياسي السعودي الجديد، ويستنزفها برنامج التسليح الذي ترى الرياض أنه لا مفر منه في سياق المواجهة مع إيران؛
سادسا، إن إجراءات اللبرلة الاقتصادية التي قررت الرياض انتهاجها، سوف تلقى ردات فعل داخلية، ربما توقفها أو تعطلها جزئيا، بحيث يتم التراجع عنها؛
سابعا، في حال مضى المشروع السعودي ـ الأردني في طريقه، هل يمكن لعمان، حينها، ألاّ تشارك في المجهود الحربي السعودي في المنطقة؟ وهل يتحمل الأردن مثل هذا العبء؟
ثامنا، هل هناك من يعتقد أن الفئات الاجتماعية الأردنية المتضررة من نجاح المشروع، سوف ترضخ له، أم أنه سيولّد شيعية سياسية من دون شيعة، كردّ على التهميش؟