أطعمة شعبية غابت والجدات يحفظن سر صناعتها

كأنها من خيال ويحملها بساط الريح، تعج من اطرافها حرارة الأكل وصهوة مبتغاه،
..هي في حساسية العطر، تناصرها يد سيدات واخوات ماهرات بالبلدي..والبلدي يؤكل.
«المدقوقة» نوع من الطعام الشعبي ، غذاء عاش وما زال على مائدة الاسرة، الى ان صارت كغيرها من المأكولات الأخرى، ضربا من الاطعمة العزيزة المنال.
فقد كانت مثل هذه الاطعمة وجبات رئيسية، كما هو حال "الرشوف" و "الرقاقة" و الششبرك، والتي تحمل كل واحدة اسما مشتقا من طريقة صنعها واعدادها وطريقة تناولها.
وتقدم المدقوقة كوجبة باردة يضاف لها الزيت البلدي او السمن البلدي، حسب الحاجة، لتؤكل في الصباح الباكر لـ" فك الريق" وفي وقت العصر، عندما يكون رب الاسرة او احد افرادها، عائدا الى البيت بعد الانتهاء من رعاية الاغنام او اعمالهم التجارية، لتناول وجبة "العصرية" التي كانت المدقوقة ذورة سنامها، وفق الحاجة عذية القطامين ام طلعت.
وقالت ام طلعت، في حديث الى ( اخر الاسبوع) عن الاطعمة الشعبية التي غابت واصبحت صعب المنال في ايامنا هذه، ان المأكولات الشعبية القديمة ظلت وجبات متداولة لدى الاسرة الفقيرة، وهي علاوة على انها غير مكلفة، فقد كانت وجبات دسمة، تقضي على الجوع، وتدخل النشاط لأفراد الاسرة، لكنها للعائلات الحديثة وجبات نادرة يجتمع لها الشباب والفتيات، لتذوقها بشيء من الغرابة، ثم لتكون مطلبا لهم في المناسبات التي غالبا ما تجمع افراد الاسرة الممتدة.
واضافت ان المدقوقة مشتقة من اسمها الذي يعني هرس القمح بخفة تبقي على الحبة على هيئتها، لتنضج سريعا عند الطبخ، ولتترك فترة من الوقت قبل تقديمها لأفراد العائلة مع شيء من الزيت او السمن البلدي، تماما كما تعامل الرقاقة التي هي رقائق من العجين الذي يقطع على هيئة خيوط قصيرة، وتعرض للشمس لتجف، ثم لتطبخ مع اللبن البلدي "المخيض" من منتجات الماشية، ولتترك فترة من الوقت قبل تقديمها للأسرة او الضيوف، مع الزيت البلدي.
و"اللزاقي" الذي يصنع من العجين الذي يجري خبزه على "الصاج" في المنزل، قالت ام طلعت انه يمتاز بسماكة عن الخبز العادي، وبطراوة العجينة التي تصبح ذات لون بني، ليجري هرسها باليد مباشرة مع السمن البلدي والسكر، وتقديمه للضيوف والاسرة، وبجانبه شيئ من اللبن البلدي أو "الغبيب" وهو اللبن كامل الدسم في فترته التي تسبق استخلاص الزبدة واللبن المصفى.
و"الششبرك" التي تسميها ام طلعت "الشنبرة"، تصنع من العجين الطري على شكل حبة القطايف، وتحشى بالفريكة واللحمة المفرومة مع العدس والحمص والبقدونس واحيانا بالارز، وتطبخ في العادة مع اللبن البلدي لتؤكل ساخنة او باردة، وفق اذواق الآكلين.
هي.. سيدة وجبات الطعام قبل ستة عقود، للفلاحين وآصحاب الماشية في البادية والقرى، أخذت طريقها الى الاختفاء تدريجيا، حتى صارت الان نوعا من الاطعمة النادرة، التي تحتفظ الامهات والجدات اسرار صناعتها، تماما كما هي "البسيسة" و "البكيلة" وهما نوعان من الحلوى، تصنع الاولى من الزبدة الطازجة المستخلصة من "الغبيب" في مرحلة المخيض، مضافا لها الطحين وبعض السكر لتؤكل سريعا دون عناء في الاعداد، فيما الثانية ذات مذاق حلو تصنع من طحين العدس الناعم مضافا لها الزيت البلدي والسكر.
..وهي ايضا ، وجبات اعتيادية للعائلات في حلهم وترحالهم، تؤكل في اجواء يسودها روح جمعية، تلملم اطراف الاسرة، واحيانا العائلات التي يجمع بينها السكن في منطقة واحدة في الخلاء، ضمن منازل يسكنون فيها بيوت الشعر، وليتناقل على موائدها الرجال بعض اهتماماتهم وخططهم للارتحال من منطقة الى اخرى، ولمشروعات الصيد، التي تنفذ اسبوعيا، ولتحديد مناطق الرعي الجديدة، مع ما تتخلله هذه الجلسات من روح الدعابة المستوحاة من صفحات حياتهم اليومية