كشف أستاذ جامعي وباحث إسرائيلي عن جوانب مروعة من "خطة الجنرالات" التي ينفذها جيش الاحتلال في قطاع غزة ويخفيها عن المجتمع الدولي.
ويصف عيدان لاندو، أستاذ في علم اللغة في جامعة تل أبيب، في مقال نشره موقع مجلة "972+" الرقمية الإسرائيلية، الخطة بأنها تفضح "المظهر الخادع" لما تُسمى الاعتبارات الإنسانية، وتضع الأساس للاستيطان اليهودي في القطاع المحاصر.
وقال إن هدف "خطة الجنرالات -التي أُميط اللثام عنها في سبتمبر/أيلول الماضي- بسيط للغاية، وهو تفريغ شمال قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين". وقد قدرت الخطة نفسها أن نحو 300 ألف شخص ما زالوا يعيشون شمال ممر نتساريم، على الرغم من أن الأمم المتحدة قدرت العدد بما يقارب 400 ألف شخص.
وأوضح أن الجيش الإسرائيلي سيقوم، خلال المرحلة الأولى من الخطة، بإبلاغ سكان شمال غزة بإخلاء المنطقة في غضون أسبوع والتوجه نحو الجنوب. وفي المرحلة الثانية، سيعلن الجيش في نهاية الأسبوع أن الشمال بأكمله منطقة عسكرية مغلقة. وسيعتبر كل من يبقى فيها "عدوا مقاتلا"، ومن ثم، سيُقتل إذا لم يستسلم.
كما سيفرض الجيش حصارا كاملا على المنطقة، مما سيزيد وطأة الجوع ويفاقم الأزمة الصحية، ويتسبب في تجويع السكان أو إبادتهم، حسب المقال.
واعتبر لاندو أن إعطاء إنذار مسبق لأهالي شمال غزة لإخلاء المنطقة "كذب"، مشيرا إلى أن البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف ينص بوضوح على أن إنذار المدنيين بالفرار لا ينفي صفة الحماية عن الباقين، ومن ثم لا يسمح للقوات العسكرية بإلحاق الأذى بهم، كما أن الحصار العسكري لا ينفي التزام الجيش بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين.
إلى جانب ذلك، فإن "التشدق" بالقانون الدولي الإنساني ليس له أي تأثير، لا سيما أن من يقود الخطة -وهو اللواء احتياط غيورا آيلاند- ظل طوال العام الماضي يدعو إلى فرض عقاب جماعي على جميع سكان غزة، وإلى التعامل مع القطاع "كما لو كان ألمانيا النازية، وإلى السماح بانتشار الأمراض كخطوة تُقَرِّب النصر وتقلل من الأذى الذي يلحق بجنود الجيش الإسرائيلي".
واتهم الكاتب في مقاله وسائل الإعلام والسياسيين في إسرائيل بصرف انتباه الناس عن مقاصد الخطة. فبينما سارع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت إلى الإنكار، كان مسؤولون "مجهولون" وجنود في الميدان يبلغون وسائل الإعلام بأن الخطة قد بدأ تنفيذها.
غير أن لاندو يرى أن الواقع أكثر ترويعا، لافتا إلى أن ما يقوم الجيش الإسرائيلي بتنفيذه في شمال غزة منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول ليس "خطة الجنرالات" بالضبط، بل نسخة "أشد خبثا ووحشية" منها في منطقة مكتظة بالسكان.
بل يمكن القول -بحسب لاندو- إن الخطة نفسها والعاصفة الإعلامية والدبلوماسية الدولية المكثفة التي أحدثتها ساعدت على إخفاء حقيقة ما يجري بالفعل عن الجميع، وهو أن تنفيذها على أرض الواقع تم بطريقتين مختلفتين.
ويتمثل الاختلاف الأول والأكثر إلحاحا في التخلي عن البنود المتعلقة بتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، أي منح سكان شمال غزة مهلة أسبوع للجلاء جنوبا. أما الاختلاف الثاني فيتعلق بالهدف الحقيقي لإخلاء المنطقة وهو إعادة التوطين، الذي يعده الكاتب الإسرائيلي بمثابة "تجسيد لروح التطهير العرقي".
ويمضي لاندو إلى القول إنه خلافا للصورة التي رسمها الجيش الإسرائيلي، والتي توحي بأن سكان المناطق الشمالية أحرار في التحرك جنوبا والخروج من منطقة الخطر، فقد أظهرت الشهادات المحلية "واقعا مخيفا"، وهو أن كل من خرج من منزله كان معرضا لخطر إطلاق النار عليه من قبل القناصة الإسرائيليين أو الطائرات المسيرة، بمن في ذلك الأطفال الصغار ومن يرفعون الرايات البيضاء. ولم تسلم فرق الإنقاذ التي حاولت مساعدة الجرحى من هجوم الجنود عليها، كذلك استهدفت الغارات الصحفيين الذين حاولوا توثيق الأحداث.
وإزاء هذه "الوحشية"، اندفعت الآلة الدعائية الإسرائيلية إلى تقديم الذرائع عن سبب عدم إخلاء المدنيين، وفي مقدمتها أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "كانت تضربهم بالهراوات" لمنعهم من المغادرة.
ويتساءل الأستاذ الجامعي قائلا "إذا كانت حماس فعلا هي من منعت المدنيين من الجلاء، فكيف يمكن للجيش أن يدعي بعد ذلك أن أولئك الذين اختاروا عدم الإخلاء هم إرهابيون محكوم عليهم بالقتل؟".
سياسة التجويع إن الغارات الإسرائيلية المتواصلة والحصار الشامل الذي يحول دون دخول جميع المواد الغذائية والطبية إلى شمال غزة -برأي لاندو- سياسة تجويع متعمدة. وأكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن إسرائيل شرعت في منع دخول المواد الغذائية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي قبل 5 أيام من العملية العسكرية.
ووصف الكاتب الإنذار "النهائي" الذي وجهته واشنطن لإسرائيل الشهر المنصرم بالسماح بدخول شحنات المساعدات إلى شمال غزة في غضون 30 يوما بأنه "سخيف".
وأشار إلى أن سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل في شمال غزة لم تقتصر على منع دخول المواد الغذائية. ففي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قصف الجيش مخزن الطحين (الدقيق) الوحيد في المنطقة، "وهي جريمة حرب واضحة وضوح الشمس، وتشكل جزءا مهما من قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية". وبعد 4 أيام، أغار الجيش على مركز لتوزيع الغذاء تابع للأمم المتحدة في جباليا، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص.
ووفقا للمقال، فإن العقل المدبر للخطة، الذي كشف عنه الصحفي عمري مانيف من القناة الـ12 الإسرائيلية، ليس هم جنرالات الجيش الإسرائيلي، بل منظمة "تساف 9" اليمينية، التي يعتبرها لاندو هي المسؤولة عن إحراق شاحنات المساعدات الإنسانية قبل دخولها إلى غزة، والتي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مؤسسها شلومو ساريد.
وطبقا لتقرير مانيف، فإن ساريد هو الذي ربط بين إيلاند ومنتدى قادة ومقاتلي الاحتياط، الذي نشر الخطة. ومن بين مؤسسي المنتدى، اللواء احتياط غابي سيبوني من معهد مسغاف، الذي انحدر من معهد الإستراتيجية الصهيونية المنحل.
ومن بين مؤيدي هذه الخطة أيضا منتدى كوهليت للسياسات "سيئ السمعة" -وهو مركز أبحاث يميني مسؤول عن كثير من الخطط الرئيسية للحكومة الحالية- بالإضافة إلى سياسيين يمينيين كثر "مشبعين بالكراهية والرغبة الجامحة في الانتقام"، على حد تعبير كاتب المقال.
ويقول لاندو إنه على عكس ما يصرح به القادة العسكريون والسياسيون في إسرائيل، فإن الخطة نفسها هي "جريمة حرب"، كاشفا عن أن الجيش لم يقدم أي مهلة لإجلاء المدنيين، وأن الهدف النهائي للخطة ليس عسكريا بل سياسيا، وهو إعادة توطين (اليهود) في غزة.
وعن تداعيات انتخابات الرئاسة الأميركية المرتقبة على الأحداث الجارية في قطاع غزة ودولة الاحتلال، توقع الأستاذ الجامعي أنه في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فإن القيادة الإسرائيلية سوف تتنفس الصعداء، لأنه لن يعترض على أي خطة إسرائيلية مهما كانت وحشية، وذلك لأنه "لا يعرف الفرق بين غزة وإسرائيل".
أما إذا فازت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، فإنها لن تغامر بالإدلاء بأي تصريحات قوية في خواتيم حملتها الانتخابية، فمن المؤكد أنها لن تخاطر بفقدان أصوات اليهود الديمقراطيين.
أما أوروبا -والحديث لا يزال لعيدان لاندو- فإنها لا تمتلك أي أدوات للتأثير على إسرائيل في المستقبل القريب، مما يعني أن "الخلاص" لن يأتي إلا من قبل واشنطن.
وخلص المقال إلى أن كل ذلك يتيح لإسرائيل فرصة شهر واحد أو شهرين لتكثيف عملية الإبادة في شمال غزة، ولن يقف في وجهها أي شيء خلال هذه الفترة أو ربما بعدها.
ومع ذلك، فإن الكاتب لا يتوقع أن تحقق الخطة نجاحا، والسبب في ذلك يكمن في صمود أهالي غزة، الذين يقول عنهم إنهم لن ينصاعوا للإخلاء الطوعي، لأنهم قد ألفوا الرعب على غير طبيعة البشر المألوفة.
وأضاف أنه حتى الإبادة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي أداة "إرهاب"، لم تكن كافية لإقناع سكان شمال غزة بالإخلاء "طواعية".