جراءة نيوز-عمان -خاص:
كتب الدكتور عبدالرؤوف ربابعة :
من المسلم به ان الثروات الطبيعية في اي دولة هي ملك لشعبها، ودور الحكومة هو استغلال هذه الموارد لتحقيق الاستفادة القصوى منها وبما يحقق مصلحة الشعب والوطن، ومن المسلم به ايضا ان استخراج هذه الثروات وبيعها يحتاج الى امكانيات فنية وتكاليف مالية
ومن حق الجهة التي توفر ذلك ان تسترد تكاليفها وتاخذ بدل اتعابها وبعض الارباح التي تشجعها على المزيد من الكفاءة في العمل والانتاج، وفي كل بلاد الله نجد ان الحكومات كممثلة عن شعوبها تقوم بمنح الامتيازات للشركات المختصة لاستخراج ما تحتويه اراضيها مقابل نسبة معقولة من الارباح، أما النسبة العظمى من الارباح فتؤول للشعب المالك الحقيقي للثروة.
عندنا في الاردن الامر مختلف (كالعادة) وثروات الشعب هي عبارة عن مزارع خاصة تدار وتستغل وتستنزف من قبل المتنفذين على حساب الشعب المغلوب على امره، وتمثل شركتي الفوسفات والبوتاس هذا الواقع المؤلم خير (او شر) تمثيل، فبدلا من ان يأخذ الذي يستخرج الفوسفات والبوتاس ما يعوضه عن جهده ويحقق له ربحا معقولا ويعود بالباقي لصالح مالك الثروة، نجد ان ما يحدث هو العكس، فهو يستخرج هذه الثروات ويبيعها وياخذ جل عوائدها ثم يمن على الدولة ببعض الرسوم التي هي عبارة عن دراهم معدودة، اي انه ياخذ الجمل ويعطينا اذنه.
في العام 2011 باعت الفوسفات انتاجها بمبلغ وصل الى اكثر من 812 مليون دينار وباعت البوتاس انتاجها بما يزيد على 720 مليون دينار، اي باعت الشركتين باكثر من 1.532 مليار دينار او ما يزيد عن 2.1 مليار دولار من العملات الصعبة، فماذا كان عائد الحكومة من هذه المبيعات؟ لقد حصلت الخزينة على حوالي 69 مليون دينار فقط من عائدات رسوم التعدين لكلا الشركتين
وقد حققت الفوسفات ارباحا بلغت 164.3 مليون دينارا حصلت منها الحكومة على 19 مليون دينار كضريبة في حين حققت البوتاس ارباحا وصلت الى حوالي 340 مليون دينار حصلت الحكومة منها كضريبة على حوالي 40 مليون دينار، هذا وسيذهب نصف ارباح الفوسفات لجهات خارجية كونهم يملكون حوالي نصف اسهم الشركة ويذهب اكثر من 65% من ارباح البوتاس لمالكيها غير الاردنيين.
هذا الواقع المؤلم يشير الى عدة جوانب ساهمت كلها في خلق هذه الحالة السلبية في استغلال الموارد وقد لا يتسع هذا المقال لمناقشتها بالتفصيل ولكن لا بأس من الاشارة الى بعضها وبالاخص الى النقاط الاساسة التالية:
اولا: ان حصة الملاك غير الاردنيين من ارباح الفوسفات والبوتاس وصلت الى اكثر من 267.5 مليون دينار اوحوالي 377 مليون دولار، ولو حسبنا كم يجب ان تكون القيمة المتحصلة من خصخصة مشاريع تدر هذه الارباح باساليب مالية فقط وبعيدا عن اية حسابات وطنية فاننا نتحدث عما يزيد عن 10 مليارات دينار، فاين هذا الرقم من الرقم المتحصل من خصخصة الشركتين؟.
ثانيا: ان مشاريع انتاجية ضخمة كالفوسفات والبوتاس لا يجب ان تكون خارج اي اطار لرقابة الشعب (المالك الحقيقي للثروات المستغلة)، فهذه التكاليف والمصاريف التي تنفقها الشركتين والتي بلغت حسب البيانات المالية للشركتين اكثر من 1087 مليون دينار او ما يزيد على 1.5 مليار دولار لا نعرف كيف انفقت ، صحيح ان هناك كلف للانتاج والبيع ومصاريف اخرى ضرورية لا يمكن تجاهلها ولكن من يراقب اذا كانت هذه الكلف والمصاريف هي ضمن معدلاتها المعقولة؟
ان وجود اكثر من 1.5 مليار دولار من النفقات خارج اطار اي قوانين او انظمة او تعليمات او قرارات متعلقة بضبط الانفاق وترشيده في بلد كالاردن بالكاد يصل انتاجه المحلي الاجمالي الى 20 مليار دينار، يعتبر امرا غير طبيعي ولا بد من اعادة النظر فيه، اذ ان نظرة تحليلية الى بيانات الشركتين المالية تظهر ان هناك استزافا غير مقبول لموارد الشركتين المالية، ويكفي ان نعرف ان الرواتب والبدلات المصروفة لمجلس ادارة الفوسفات وادارتها العليا بلغت اكثر من 1.282 مليون دينار واكثر من 1.42 مليون دينار في البوتاس.
ثالثا: من ناحية اخرى فان من حق المواطن ان يتسائل عن اطر الرقابة التي يملكها الشعب (صاحب الثروة) على بيع هذه الثروات وكفاءة هذا البيع وفيما اذا كان يتم وفق اسعار عادلة؟، ثم ما هي اطر الرقابة على كفاءة الانتاج؟ ولماذا تنتج وتبيع اسرائيل مثلا اكثر من ضعف ما ينتجه ويبيعه الاردن من مادة البوتاس؟.
ان التفاصيل كثيرة فيما يتعلق بهاتين الشركتين، ولكن نكتفي بهذه الملاحظات الاساسية الثلاث للفت النظر الى هذا الموضوع الاقتصادي والوطني الهام، ولنقول للحكومة ان عليها ان تعيد لهذا الشعب ثروته قبل ان تطلب منه ان يقتطع من قوته ليغذي من انتفخت كروشهم من كثرة ما التهموه من خيرات الوطن والمواطن.