ظُلم الحمار بما نُسب إليه من خصال وسلوك، وما أُشيع عنه بشأن الكسل والبلادة وقلة الذكاء. كل ذلك ظُلم وافتراءً، مروراً بالأعمال الشاقة التي تحمّلها الحمار نيابة عن الإنسان، والظلم الأكبر بجعله شبيهاً ببعض البشر.
ولأن الحكم المسبق على هذا الحيوان جرّده من كل محاسنه، وتجاهل دوره في نقل المتاع والمحاصيل والبشر، في الحراثة وتشغيل عجلات توزيع المياه وجرّها.. وفي الكثير من الأعمال المضنية الأخرى، سقط الحكم المسبق على لبن الحمير، ولم يتنكر للفوائد هذه المرة، إلا أنه أعرض عنها بدواعي الإستغراب الذي وصل بالبعض إلى حدّ الإشمئزاز والقرف.
للضرورة
يستبعد الجميع بصورة عامة لبن الحمير ومشتقاته عن موائدهم، بعد أن اعتادوا، ومنذ القدم، استهلاك السائل الأبيض الذي يخرج من أضرعة البقر والماعز، أو بدائله من اللبن النباتي كحليب الصويا وجوز الهند.
أولئك الذين خرجوا عن الشائع، كانت دفعتهم الحاجة إلى البحث عن مصدر للتعويض عن نقص، أو معالجة مرض لم تثبت حتى الساعة نجاعة أي وسيلة شافية كافية للوقوف في وجه انتشاره والقضاء عليه تماماً.
فلبن الحمير يحتوي على تركيز عال من عنصر الكالسيوم ذي الفوائد العديدة المفيدة للأسنان والعظام، يُضاف إليه البوتاسيوم الذي يلعب دوراً هاماً في خفض مستوى ضغط الدم في الجسم، والمغنيسيوم المفيد للوظائف الدماغية. أما الدهون فهي أقل إلى حد كبير من تلك الموجودة في أنواع الحليب الأخرى، في حين يحتوي السائل الأبيض على نسبة جيّدة من حمض الأوميغا 3.
وعليه، فإن لبن الحمير مفيد لصّحة الحوامل، ويُعتبر البديل الأول لحليب الأم عند الرضاعة. فهو يخفّض مستوى الكولسترول الضار في الجسم، ويقي بالتالي من الجلطات والسكتات القلبية والدماغية، كما يُقلّل احتمال الإصابة بأمراض القلب والشرايين والأوعية الدموية. أما مرضى السرطان فهم يتناولون هذا اللبن لمنافعه الكثيرة في محاربة الخلايا السرطانية قبل استئصال الورم وبعده.
في هذا السياق، اختصر الموقع الطبي الأميركي "Top10Homeremedies"، فوائد لبن الحمير بمجموعة من المعلومات التي وصفها بالمثيرة، من بينها أن حليب الآتان "يحتوي على كميات كبيرة من فيتامين B، B12، C، وعلى فيتامين C أكثر من لبن الأم بمعدل 60 مرة، وعلى بكتيريا "البروبيوتيك" التي تعزز صحة الأمعاء"، مؤكداً غناه "بالكالسيوم وتعزيزه قوة العظام عند الأطفال الرضع، فضلاً عن استخدامه لإطعام الرضع الذين فقدوا أمهاتهم لاحتوائه على سعرات حرارية مثل لبن الأم".
وإذ لفت إلى أن لبن الحمير "أفضل وسيلة لعلاج مشاكل الربو والجهاز التنفسي عند الأطفال حديثي الولادة"، أشار إلى أن الباحثين وجدوا أن الحساسية الناتجة عن حليب البقر قد تعالج عن طريق حليب الحمار.
فوائد جمالية
لا تتوقف فوائد لبن الحمير عند هذا الحدّ، ولا الإفادة منه تتم عبر شربه حصراً. فعدد قليل من الطهاة وأصحاب المزارع اكتشفوا سرّ إعداد الجبنة من لبن الحمير، لكنهم لم يفصِحوا عنه كون المسألة معقّدة أوّلاً، وإنجازها يُعدّ عملاً إستثنائياً ثانياً. وعلاوة على ذلك فإن سعر هذا الجبن هو الأغلى عالمياً ويصل إلى 500 دولار لنصف الكيلو. أما البسكويت المصنوع من حليب الحمير، فيُعدّ وجبة خفيفة وصحية كونه غني بالألياف والمعادن وسهل الهضم وقليل الدهون.
جمالياً، استذكر الموقع الأميركي ما يُشاع عن أن الملكة كليوباترا اتخذت من لبن الحمير وصفةً لإشراقة وجهها وتوهجه وإبعاد التجاعيد عنه. وهو ما عُرف بسر الملكة التي احتاجت إلى أكثر من 700 أتان (الاتان انثى الحمار) لمدّها يومياً بالكمية الكافية للحمام المعتاد.
وإذا ما صح هذا الكلام، فإن ما يُصنع من صابون بمكونين أساسيين هما لبن الحمير وزيت الأركان، هو بلسم فعّال للتخلص من البثور وحبّ الشباب وإبقاء البشرة ناصعة وخالية من الشوائب. علماً بأن كثراً ممن جربوه عبّروا عن رضاهم من النتائج التي حصلوا عليها، على غرار أولئك الذين استخدموا مساحيق تجميل تحتوي في تركيبتها على لبن الحمير، وكان لهم ما أرادوا لجهة تجديد البشرة وترطيبها.
خطر الإنقراض
بسبب الإهمال وسوء المعاملة، وحلول الآليات مكانها في أدوارها التي أدتها على أكمل وجه منذ القدم، يُخشى على الحمير من الإنقراض، لا سيما وأنها غابت تماماً عن المشهد الريفي في الكثير من الدول. ولحمايتها من هذا المصير الأسود، يعمل البعض على إنشاء مزارع للحمير تهتم بها وتنتفع بمردود بيع لبنها "الباهظ الثمن"، حيث يصل سعر الليتر الواحد إلى 50 يورو.
في الوقت نفسه، تحافظ الهند على مركزها كأكثر البدان استهلاكاً للبن الآتان، لا سيما في المناطق الزراعية، حيث يُحافظ الحمار على دوره ومكانته في تسيير الأعمال وإنجاز الكثير على الطرقات وفي الحقول