جراءة نيوز - خاص - المحرر الاجتماعي - هل نعتبر الانتحار بأنه هروب من المواجهة وهل هو إزهاق الفرد لروحه ذاتياً بأي طريقة أو أسلوب.
بداية لا بد من التمييز بين لانتحار والشروع في الانتحار إذ الفرق بينهما لا يتعدى إلا شعرة ، لأن النجاح في عملية الانتحار هو المقياس للذين يقبلون عليه.
احيانا لا تكون لدى الفرد نية حقيقية في الانتحار، وإنما هي رغبة لإثبات شيء ما أو الحصول على شيء ما، أو دفاع عن أمر ما، كما أن هناك أفرادا ينتحرون بعد أن يئسوا من تحقيق حلم او مطالب معيشية.
فالشخص الذي يقدم على فكرة الانتحار تتضافر عليه العديد من الأسباب لتجعله يفكر بهذه الطريقة المميتة فالفرد المقدم على فكرة الانتحارلا يمتلك مهارات وأساليب وقدرات اجتماعية، كما لا يتمتع بمرونة في التفكير، إلى جانب أنه قد يكون تعرض للقسوة في الطفولة، ولم يكن لديه قدرات اتخاذ القرار أو ضيق سعة الأفق، إلى جانب صلابة الرأي، وغيرها من الأسباب التي تشكل أسساً للتأثير على الفرد في قراراته مما يفقده القدرة على اتخاذ القرار”.
دوافع الانتحار
فيما إذا كان الانتحار هروباً من المواجهة أم لا، ففي جميع الأحوال ومهما تعددت مسببات الانتحار فإن الشخص نتيجة لعدم قدرته على التصرف وفق واقعه فإنه يفضل الانتحار على مجابهة الواقع، وبالتالي هناك انعدام لقدرته على إيجاد الحلول تدفعه إلى أسهل الطرق والأساليب نجاحاً للقضاء على أسباب المشكلة.
فوفق اطباء النفس فالشخص الذي نشأ في أسرة مضطربة انتهجت القسوة والعقاب للتربية، يكون تأثيره على الذات كبيرا جداً في رسم خريطة شخصيته التي تتضمن نقاط الضعف فيها.
ويقولون "لو كنا في رحلة مغامرة فإن المبدأ الذي تقوم عليه الرحلة تتمثل في مواجهة التحديات والمتعة، هي النجاح في تحقيق الانتصار لذا فإن المرء في هذه الرحلة على افتراض أنها رحلة الحياة يواجه عقبات متنوعة كما هي في رحلة المغامرة فمنها اجتماعية ومنها شخصية ومنها صحية ومنها اقتصادية ومنها عاطفية، وإذا لم يستطع المرء التغلب عليها فإنها تؤثر على حياته وبمقدار قدرته على التحمل سيحقق الانتصار ولو استمر الحال مدى الحياة، لأن المتفائل لا ينظر للحياة إلا أنها تقوم على مبدأين هما النجاح والفشل. أما الإخفاق فهو الاستسلام واليأس، والمنتحر لا ينظر للحياة إلا أنها تقوم على مبدأ واحد وهو النجاح فإذا لم يستطع تحقيقه فإن الحياة قد انتهت بالنسبة له.
فهل ظاهرة الانتحار ظاهرة أم أحداثا عابرة فعلى جميع الاحوال لا بد من الرجوع إلى الإحصائيات التي تشير إلى معدلاتها في أي دولة، وبالرجوع إلى إحصائيات الانتحار دون الالتفات إلى أرقام إحصائية، فإنها أكثر انتشاراً عند الغرب، منها عند العرب والمسلمين، وأسباب ذلك ترتبط بالإيمان، وإذا ما أردنا أن نصنفها كونها ظاهرة أم لا، أعتقد بأننا لا نستطيع اعتبارها ظاهرة لدى مجتمعاتنا العربية والمسلمة، رغم زيادة الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع معدلاتها في السنوات الأخيرة، بعكس الغرب الذين بدأت عندهم هذه المشكلة تصنف ضمن مؤشرات الظواهر الخطيرة التي بدت تقلق الحكومات الغربية نظراً لارتفاع معدلاتها بين جميع الشرائح والمستويات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وضمن مختلف الفئات العمرية حتى الصغار منهم.
صفات المنتحر
تتلخص صفات المنتحر بحسب ما ورد في كثير من المرجعيات ونتائج الدراسات فإن آراء الكثير من علماء النفس عن شخصية المنتحر أو الذي يشرع في الانتحار تغلب عليه سمات عدم النضج والتأثر بخبرات الطفولة السيئة التي قد تكون سبباً رئيسياً في تمركزه حول الذات، ما قد يتسبب في شعور المنتحر أو الذي يشرع في الانتحار بالوحدة النفسية والانطواء الشخصي والدونية الشديدة، بالإضافة إلى عدم قدرته على تكوين علاقات اجتماعية سليمة، والفجاجة وعدم النضج في فهم الأمور والحكم عليها، والخوف الزائد وعدم الاطمئنان في مواجهة مواقف الحياة، ويتسم أيضاً بالحساسية الزائدة والقابلية للتهيج بشدة، وبعدم اتزان انفعالاته، كما تتسلط على شخصيته أفكار قهرية مصحوبة برغبات قوية في الموت، لذلك فهو يعاني من الأرق، ويحتفظ بنزعات عدوانية أو رغبات لاشعورية، وكثيراً ما يتحدث عن الشعور بالإثم ويهتم بالعقاب الزائد ويستعذب الألم، كما أنه قد يعاني من الإحساس بالتفاهة وعدم الاطمئنان ، وفقدان الذاكرة أحياناً.
الانتحار ليس حلاً
يؤكد اطباء النفس وحتى الاشخاص الاسوياء بأن الانتحار ليس حلا، فعندما يكون الانسان في طريق ما ذي مسارين، ونمضي في أحدهما فإن نهاية مسرب هذا الطريق قد لا يؤدي إلا إلى هاوية، فالعاقل ينظر إليها على أنها مشــكلة ويبدأ في التفكير لإيجاد حل ما تتمثل في طرق وبدائل أخرى للعودة إلى المسار الصحيح، بينما الجاني على نفسه فلا يرى هذه الهاوية إلا أنها نهاية الطريق وهنا لب المشــكلة الأســاسية بين الذي يقبل على الانتحار وبين الشــخص الذي يتمتع بقدرة أكبر على تحمل الإخفاقات إلى جانب تمتعه بمرونة التفكير وطرح البدائل وعدم تهويل الأمور، فالمبدع هو من ينظر للمشكلة على أنها تحديات في طريق تحقيق النجاح، بينما المنتحر أو الشخص الذي يفكر في الانتحار يرى في المشكلة حصنا منيعا وعازلا رصينا وعقبة كارثية ومشكلة ليس لها حل إطلاقاً”.
قي النهاية نقول انه لا بد من عمل دراسة جادة من قبل جهات الاختصاص لدراسة هذه الظاهرة والتي بدأت تطل براسها في مجتمع محافظ كالمجتمع الاردني ولا بد من طرح تساؤلات عديدة حول ماهية المنتحرين واسباب انتحارهم لتلاشي ان تصبح هذه الظاهرة الغريبة عن عادات المجتمع وتقاليده هروبا من واقع يأن المواطنون منه والبحث عن حلول واقعية بعيدا عن دفن الرأس بالرمل وكأن الموضوع لا يعني احدا.
يمنع الاقتباس الا باذن خطي من ادارة جراءة نيوز