الخبراء يختلفون وفي وصف الطبقة الوسطى ولكنهم يجمعون على ضرورة الاهتمام بها
رغم الاختلافات في تحديد المعايير التي تصف الطبقة الوسطى وتحدد حجمها في المجتمع الأردني، إلا أنّ هناك إجماعا على ضرورة إيلاء هذه الطبقة خصوصية لما لها من دور في الحفاظ على توازن المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وحتى الأخلاقي.
ويرى المفكرون والخبراء أنّ أفراد هذه الطبقة غالبا ما يتمتعون بدخل كاف لعيش كريم، وتعتبر النخب الثقافية والمهنية وبعض النخب الاقتصادية (كالأطباء والمحامين، والمدرسين، والكتاب، وكبار موظفي الدولة) هم من يشكلون الطبقة الوسطى عادة.
وفي الأردن تشير دراسة الطبقة الوسطى الأخيرة (لعام 2010) إلى أنّ الطبقة الوسطى، والتي تشكل 29 %، من المجتمع تتركز قطاعيا في مجال "تجارة الجملة والتجزئة"؛ إذ يشكل العاملون في هذا القطاع نحو 21.2 % من إجمالي الطبقة الوسطى، يتبعها قطاع "الإدارة العامة والدفاع" بنسبة 20 %، ثم القطاع الصناعي بنسبة 12 %. ويبرز أيضا قطاع "النقل" و"الاتصالات" كأحد القطاعات المهمة بنسبة 10.1 %، فيما تتدنى نسبة القطاع الزراعي وقطاع التعدين والمقالع بنسبة لا تزيد على 3 و2 % على التوالي.
ويشير مفكرون إلى أنّ هذه الطبقة تهتم باستقرار المجتمع (بعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية القائمة)، لأن مصلحتها تقتضي ذلك، وعليه فإنها تحترم القانون وتهتم بتطبيقه، وتصر على تطبيق النظام، وتهفو هذه الطبقة لتحقيق أمن المجتمع واستقراره، وتتمسك بالدستور والقانون، وبمعايير الدولة الحديثة، كالمشاركة والحرية والديمقراطية، وفصل السلطات واستقلال القضاء، والحياة البرلمانية.
ويجمع خبراء اقتصاديون وأساتذة علم الاجتماع أنّ الطبقة الوسطى في الاردن تتعرض لضغوط اقتصادية كبيرة، لكنهم يختلفون فيما إذا كانت قد تقلصت أم لا؛ فالبعض يرى أنّ هذه الضغوطات قد تساهم في انزلاق شريحة في الطبقة الوسطى وهي "الشريحة الدنيا" إلى الطبقة الفقيرة، فيما يرى آخرون أنّ هذه الضغوطات ساهمت في تغيير بنية الطبقة الوسطى وتغير ملامحها.
ويطالب البعض بضرورة إيلاء الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى الدعم اللازم والبعد عن شمولها بسياسات فرض الضرائب، والاتجاه الى الشرائح الأعلى من الطبقة الوسطى التي "تبقى قادرة على تحمل جزء من هذه الضرائب"، فيما يرى آخرون أنّ هذه الطبقة التي يجب أن تدفع الضرائب تحتاج إلى توفر خدمات حكومية نوعية لها؛ كالتعليم والمواصلات والصحة؛ حيث أنّ نسبة كبيرة من انفاق هذه الطبقة يذهب إلى هذه البنود.
يشار هنا إلى أنّ تقارير البنك الدولي أشارت، أكثر من مرة، إلى أنّ "ثلث سكان المملكة 18.6 % عاش دون خط الفقر واختبر الفقر خلال فترات معينة من العام، أقّله خلال ربع واحد من أرباع السنة، وهم ما أطلق عليهم "الفقراء العابرون"، وهم أصلا منتمون الى الطبقة الوسطى لكنهم ينزلقون إلى "الفقيرة" خلال فترات من السنة.
وتوقعت هذه التقارير بأنّ "هذه النسبة (ثلث السكان) سينزلق فعلا مع نهاية العام إلى الطبقة الفقيرة، التي تشكل 14.4 % من المجتمع الأردني.
وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، الدكتور ابراهيم سيف، أكد أنّ هناك أكثر من منهجية لقياس الطبقة الوسطى؛ الأولى تعتمد على المعايير الثقافية التعليمية (الخلدونية)، والثانية تعتمد على قياس الدخول المادية للأفراد واستهلاكهم وهي ما يستخدم في الأردن.
ويرى سيف أنّ الطبقة الوسطى في الأردن تتكون من عدة شرائح، على أنّ الاضعف فيها والتي لا بدّ أن يتم التعامل معها بحرص هي الطبقة الوسطى الدنيا وهي الطبقة القريبة من خط الفقر "المتراكمة فوق خط الفقر مباشرة" وهي –وفق سيف- الطبقة الأكثر حاجة إلى الحماية والدعم والإجراءات الوقائية.
ويعتقد سيف أن الشرائح الأعلى في الطبقة الوسطى أقدر على التكيف مع أي اجراءات اقتصادية وسياسية؛ حيث لديها هوامش من ملكيات ومدخرات أفضل من الشريحة الدنيا المتوسطة. ويؤكد سيف ضرورة رعاية الشريحة المتوسطة الدنيا "فهي التي تستحق الرعاية والاهتمام" لأن انزلاقها الى الطبقة الأقل يعني انضمامها الى طبقة الفقراء، وبالتالي زيادة نسبة الفقر.
ويشير سيف إلى أهمية منهجية اعتماد الدخل لفرز الطبقة الوسطى حيث يمكن قياس ورصد آثار السياسات العامة عليها.
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية المتخصص في علم الاجتماع الدكتور موسى شتيوي يرى أنه ليس هناك توافق على منهجية لتحديد الطبقة الوسطى على أنّ تعريفها ممكن أن يكون أنها "الطبقة التي تقع بين طبقة رأس المال والطبقة العاملة".
هناك عدة أبعاد عند الحديث عن الطبقة الوسطى الأولى أنها تعتبر قوة منبعها الملكية أو الادارة ، والثانية انها تتمتع بدرجة من الاستقلالية في عملها، والثالثة ان لها دخلا مقنعا "نوعا ما" أو جيدا.
ويشرح شتيوي أن "الطبقة الوسطى تضم عدة فئات أو شرائح، ويصنفها الشتيوي الى 3 شرائح الأولى أصحاب الملكيات والمنشآت الصغيرة أو القطاع الخاص، والثانية المتخصصون المهنيون من أطباء ومهندسين والثالثة الشريحة البيروقراطية التي ينتمي معظمها الى القطاع العام. ويميل شتيوي الى النظرية التي تقول بأنّ "الدخل والاستهلاك هو نتيجة لموقع الشخص الطبقي وليس العكس" ودليل ذلك أن الانماط الاستهلاكية لفئات من الناس هي التي تتحدد أين ينتمون، خصوصا أن هناك اشخاصا لديهم امتيازات لا تظهر في الإنفاق، وبالتالي فإنّ طبيعة استهلاكهم أو انفاقهم لا تعكس بالضرورة أين ينتمون.
ويقدر أن الطبقة الوسطى في المجتمع لا تقل عن 45%، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى ما تزال كبيرة، إلا أن بنيتها هي التي تغيرت؛ حيث تراجع حجم الشريحة البيروقراطية (القطاع العام) وامكانياتها مقارنة بتوسع الطبقة "الوسطى الجديدة" من المتخصصين والمهنيين، فيما الجزء الاكبر من هذه الطبقة بقي من شريحة القطاع الخاص لأو المنشآت الصغيرة.
ويرى شتيوي أن الطبقة الوسطى لم تنكمش، لكنها تعاني من ضغوطات اقتصادية؛ تتمثل بعدم توفر خدمات تعليمية وصحية ومواصلات نوعية، إضافة إلى غلاء المعيشة، موضحا بأنّ "طبيعة النظام الاجتماعي" يلعب دورا في إنفاق هذه الطبقة التي تنفق جزء كبير من دخلها على التعليم والصحة والمواصلات.
ويشير شتيوي إلى أنّ هذه الطبقة قادرة على دفع الضرائب، وهي مقصد لأي حكومة لفرض الضرائب في ظل كبر حجمها وصغر حجم الطبقتين الأخريين (الغنية والفقيرة)؛ حيث لا يمكن أن يتم فرض كل الضرائب على الطبقة الغنية. ويؤكد شتيوي ضرورة الربط بين إمكانات الطبقة وما هو متاح من خدمات لها للتخفيف من الأعباء الملقاة عليها.
وقال استاذ علم الاجتماع، الدكتور حسين محادين، إن هناك خلافا على مفهوم الطبقة الوسطى وطرق تصنيفها، إلا أنه يرى أن التصنيف الطبقي لا يمكن اعتماده على الوطن العربي بسبب طبيعة هذه المجتمعات التي لا يزال فيها التكافل الاجتماعي موجودا ويساهم بتدوير الثروة دون الحاجة إلى أن يكون هناك "تبلور طبقي".
ويرى محادين ضرورة أن يكون هناك دراسات تفصيلية تأخذ خصوصية المجتمعات العربية، بعيدا عن تصنيفات العالم، قائلا إنّ لدينا شرائح وليس طبقات، خصوصا أن مجتمعاتنا ما تزال متحولة من قيم البداوة إلى أطراف المدينة، أي أنها أقرب إلى الريف منها إلى المجتمع المدني.