هي قصة حب حقيقية جسدت مأساة "روميو وجولييت” بطريقة واقعية ولكن بأسلوب عربي.. إنها مأساة علاء وسارة في زمن حرب قاسية نجم عنها موت مئات آلاف السوريين وتشريد ونزوح الملايين، وكان للاجئين الفلسطينين في ذلك البلد نصيب من سعار وجحيم تلك الأزمة الدامية.
قصة حب”سارة عودة” مواليد( 1991) التي تنحدر من أسرة مهجرة من قرية فرعم قضاء مدينة صفد المحتلة، مع الشاب "علاء فرحان” من مواليد ( 1989) الذي ينحدر من أسرة مهجرة من قرية بلد الشيخ قضاء مدينة حيفا المحتلة، بدأت في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق منذ أن كانا طفلين، حينها كانت سارة في الصف الأول الإعدادي (السابع)، بينما علاء كان في الصف الثالث الإعدادي (التاسع)، هذه المشاعر الجياشة البريئة تأججت لتوحد بين قلبيهما ووجدانهما، فوجدا أنفسهم يتشاركان ويتقاسمان مشاعر عظيمة انتهت بهما أخيراً إلى الوقوع في الحب.
كبر الحبيبان وكبر معهما حبهما، وأحلامهما التي رسماها سوية لمستقبل واعد زاهر، لم يعلما حينها أن الحرب ستفرقهما إلى الأبد، سارة التحقت بقسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب بجامعة دمشق، في حين اختار علاء قسم الهندسة في الجامعة الأوروبية، إلا أنهما لم يتمكنا من إكمال دراستهم جراء إندلاع الأحداث في سورية، ليفرق بينهما ويشتت شمل الحبيبين، أجبرت سارة عودة على السفر إلى الإمارات العربية (دبي) للإلتحاق بوالدها، بينما اضطر علاء أن يترك جامعته لعدم تمكنه من سداد أقساطها، بعد أن خسرت عائلته كل ما تملك بسبب تدمير منزلهم الكائن في شارع دعبول شرق منطقة التضامن عبر التفجير بالديناميت من قبل النظام في أول أيام عيد الفطر عام 2012 بحجة أنها مناطق عشوائية، شأنهم في ذلك شأن عشرات العائلات السورية والفلسطينية القاطنة في تلك المنطقة.
فراق مؤلم
التقت سارة بعلاء وتعاهدا على حب لا يفنى إلا أن قصف الطيران الحربي السوري يوم 16 / 12 / 2012 هشم معالم الفرح في مخيم اليرموك، فأصبحت الوجوه بلا ملامح، وقتلت وشردت الآلاف من سكانه، ورغم هذا الخراب والدمار وحالة اليأس إلا أن سارة عودة أبت أن تخرج من المخيم وظلت صامدة إلى جانب أختها وحبيبها علاء في حي الجاعونة الذي قصف مرات عديدة، إلى أن اشتد الحصار على اليرموك، اضطرت سارة وعائلتها حينها إلى مغادرته أواخر عام 2012 إلى دبي في الإمارات المتحدة العربية، وأخبرت علاء أن إقامتها لن تطول وستعود للمخيم في أقرب وقت ممكن، إلا أن سارة وتحت ضغط العاطفة والشوق لأمها اضطرت للسفر إلى بلغاريا لرؤيتها وقضاء عدة أيام معها.
وفي هذه الأثناء عانى علاء من وضع نفسي غاية في الصعوبة جراء القصف الذي تعرض له مخيم اليرموك، وبعد سارة عنه واشتداد الحصار الذي فرضه الجيش النظامي على اليرموك، ومنع بموجبه دخول وخروج الأهالي منه وإليه، وإدخال المواد الغذائية والطحين والأدوية والمحروقات إليه، فلم تعد الدنيا تعني لعلاء فرحان شيء، ولم يعد يشعر بالسعادة بعد أن فقد أخيه وطال بعاد حبيبته فقرر أن يبقى داخل المخيم يخدم أبناء شعبه ويحافظ على ممتلكات من خرج منهم، ويداوي الجرحى والمرضى.
زواج "إلكتروني”
تأثرت سارة كثيراً للحال الذي وصل إليه علاء ما انعكس سلباً على حالتها النفسية والصحية، وبدأت تفكر بحلول لهذه المشكلة تساعد بها علاء في تخطي محنته، فطرحت على والدها أن يتم خطبتهما وزواجهما عبر برنامج المحادثة الصوتي والمرئي «سكايب» إلا أن الوالد عارض الفكرة في بداية الأمر، وما لبث أن رضخ في نهاية الأمر لرغبة ابنته التي يتمنى لها السعادة مع من تحب.
عودة مريرة
حب سارة التي اضطرت للهجرة من مخيم اليرموك إلى بلغاريا للشاب علاء المحاصر داخل المخيم دفعها لترك الحياة الآمنة والعودة إلى سورية من أجل لقاء زوجها الذي عقدت قرانها به عبر شبكة الإنترنت "سكايب”، إلا أن سارة لم تستطع رؤية من أحبت، لأن علاء استشهد يوم 28-1-2014 برصاص قناص قبل دخولها إلى المخيم.
حالة من الإنهيار العصبي أصابت سارة عند سماعها نبأ وفاة علاء الذي استشهد يوم عيد ميلادها، فقدت الوعي وأغمي عليها، من هول الصدمة، تقول ابنة خالة علاء: "بينما نحن جالسون في الفندق بمدينة دمشق بعد عودة سارة من بلغاريا وإذ بهاتفي يرن، وما إن رفعت السماعة حتى أخبرتني أخت علاء وهي تصرخ وتقول علاء استشهد علاء استشهد، تجمدتُ في مكاني، فما عساي أن أقول لصديقتي، وكيف أخبرها أن حبيبها قد استشهد ولن تراه مجدداً”، وأضافت عندما أخبرتها أن علاء قد استشهد لم تصدق ذلك، إلى أن تم تأكيد الخبر من أكثر من مصدر، حينها فقدت وعيها ونزلت من الفندق هائمة على وجهها وهي تشتم كافة أطراف الصراع في سورية الذين كانوا سبباً بموت من تحب.
بعد أن لملمت أحزانها وذكرياتها قررت سارة أن تدخل إلى مخيم اليرموك لتكون إلى جانب والدي علاء، ترعاهما وتقدم لهما المساعدة وتخفف من مصابهما، لذلك حاولت مرات عديدة الدخول إلى المخيم من عدة طرق إلا أنها فشلت، حتى استطاعت أخيراً أن تدخل إلى اليرموك عن طريق بلدة بيت سحم، وكانت قد حسمت أمرها واتخذت قراراً حازماً بعدم مغادرة مخيم اليرموك أبداً، حاول العديد من أصدقائها وأقاربها ثنيها عن قرارها واقناعها بعدم البقاء والعودة إلى والدها في دبي، إلا أنها أبت ذلك.
ومن شدة تعلقها بزوجها علاء قامت بشراء قبر مجاور لقبره في تربة الشهداء بحي المغاربة وكأنها على علم مسبق أنها ستلحق بحبيها قريباً، لذلك أوصت بأن تدفن إلى جانبه في حال وافتها المنية، تلك المنية التي جاءتها من رصاصة قناص حاقد بصدرها يوم 19/3/2015 أثناء تواجدها في منطقة توزيع المساعدات الغذائية في منطقة شارع فلسطين، وقعت سارة على الأرض جثة هامدة بدون حركة وجسدها يسبح في دمها إلا أن روحها كانت تهيم في محراب عشقها للمخيم الذي يضم رفات زوجها.
رصاصة قناص كانت كفيلة لتحول جسد اللاجئة الفلسطينية”سارة عودة” ابنة مخيم اليرموك إلى جثة هامدة ولتسطر بدمائها المسالة قصة جديدة من مآسي وألام شعب عاش النكبات ومرارة اللجوء مرات عديدة.