جراءة نيوز - عمان : يتجدد الحديث حول التحديات التي تواجه السلك القضائي ودوره المفترض في عملية الإصلاح، على خلفية التغيير المهم الذي حصل في رأس الهرم القضائي، باختيار القانوني المخضرم هشام التل رئيسا لمحكمة التمييز والسلطة القضائية، ضمن سياقات المراجعة التي ينبغي أن تشمل سائر مفاصل الدولة.
وعلى نحو مفاجئ، جاء تعيين التل رئيسا لسلطة القضاء، التي تعد السلطة الثالثة دستوريا في هرم الدولة ومؤسساتها، ليمنح القضاء ضوءاً أخضر من صانع القرار، مفاده أن القضاء المستقل النزيه، هو وحده القادر على مواجهة الفساد وحماية حقوق المواطن، بعيداً عن الإشاعات وتوجيه الاتهام بدون حجج ثابتة، وبمعزل عن نوايا اغتيال الشخصية وتجاوز الحقوق الخاصة، عبر التزام العدل والمساواة والنزاهة.
وجاء تعيين التل، بعد تسعة أشهر من جلوس القاضي محمد المحاميد على كرسي الرئاسة، وبقرار يدلل على أن القصر يتابع جيدا ما يجري في القضاء، ولا يعتمد على العنصر الزمني، إذا توجب التغيير والانتقال لحالة مختلفة.
وتنطوي أهمية تعيين التل رئيسا لواحدة من السلطات الأهم في البلاد، على رسالة سياسية تقول ضمنا بأن التغيير ممكن في المواقع العليا والمركزية، حتى في اللحظات التي يعتقد فيها البعض بصعوبة أو استحالة التغيير.
ومن المتوقع أن يساعد وجود قانوني عصري بمستوى التل على رأس الهرم القضائي، في إحداث النقلة النوعية التي يرعاها جلاله الملك، لإضفاء طابع عصري وتطويري على الجهاز القضائي، الأمر الذي يظهر الجدية لدى الدولة في التعامل مع الملف القضائي.
وتعكس الرسالة الملكية للتل، عناوين واضحة، بأن القضاء المستقل والنزيه، يشكل عماد استقرار الوطن وتعزيز مسيرته، في مرحلة وطنية ترتكز على جدية إنجاز الإصلاح السياسي، بالتوازي مع إصلاح اقتصادي، في سياق إنجاز مشروع الدولة الإصلاحي الشامل، الذي يعد فيه القضاء النزيه عنوان الحقيقة، ورمزا لصحة المجتمع، وبالتالي فإن دعم استقلاليته وترسيخ حياده ونزاهته، متطلب مهم وضروري، وخطوة متقدمة على طريق الإصلاح والتنمية.
وتؤسس الرسالة الملكية لبناء قاعدة صلبة يمكن الاعتماد عليها في المستقبل، لخلق بيئة قادرة ومؤهلة للتعامل مع الفساد، يضطلع فيها القضاء في الفصل العادل في قضايا الفساد، بناء على ما يتوافر من بيّنات ووفق أحكام القانون، بعيداً عن الإشاعات وغياب الحجة، فالقاضي يفصل في أي قضية حسب ما يستقر في وجدانه، ويطمئن له بدون شك أو ريب، بعد فحص الأدلة وتطبيق القانون، وبمعزل عن أي ضغوطات.
إن صدور الإرادة الملكية السامية بتعيين التل رئيسا لمحكمة التمييز، خلفا لرئيسها السابق محمد المحاميد، والذي جاء عقب توقيف عضو هيئة مكافحة الفساد سناء مهيار، بعد أن رفع المجلس القضائي الحصانة عنها، ومن ثم إخلاء سبيلها لاحقاً بدون كفالة، يفتح الباب لتغييرات جديدة على الساحة القضائية، خصوصاً في ظل عدم وجود رواية صلبة ومقنعة، تشرح "خلفية" التغيير المهم الذي حصل في رأس الهرم القضائي.
أما الأهم سياسيا، فهو أن التغيير في رئاسة السلطة القضائية، والذي لم يكن متوقعا، يعني ضمنيا أن كل الخيارات ما تزال متاحة على جبهات السلطات الأخرى، خصوصا حول الحديث المتواصل عن الإصلاح السياسي وسيادة القانون، لتجسيد حقيقة ثابتة، بأن القضاء هو أداة الإصلاح، والسيف المسلط فوق رؤوس الفاسدين.