وكاله جراءة نيوز - عمان - كشف أحد كبار معاوني الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن تفاصيل مثيرة حول حادثة مسجد دار الرئاسة، الملقب بمسجد النهدين، في 3 يونيو/حزيران 2011، وهي تعد الأولى بالنسبة لشهادات من أصيبوا مع صالح في تلك الحادثة.
وقال عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ياسر العواضي إنه كان ينوي أداء صلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزله، وإن آخرين أقنعوه بالذهاب إلى دار الرئاسة لإقناع الرئيس صالح بقبول توقيع الشيخ حمير الأحمر بدلا عن شقيقه المعارض البارز حميد، وذلك من أجل وقف المواجهات العسكرية بين قوات صالح ومسلحي زعيم قبيلة حاشد.
وأوضح العواضي أنه كان قد نصح صالح قبل أسبوعين من تلك الحادثة بعدم الذهاب إلى ميدان السبعين كعادته كل جمعة لحضور تظاهرات المؤيدين، وذلك لوجود شكوك في أن منصة ميدان السبعين قد تُستهدف بأي صاروخ أو قذيفة من أي منطقة أو عمارة مجاورة.
ولفت إلى أنه عند دخوله جامع دار الرئاسة جلس في البداية في الصف السادس وبعيداً عن الرئيس صالح، غير أنه عند بداية الخطبة الثانية أشار عليه آخرون بالتقدم ليصبح في الصف الأول مع صالح، ولا يفصله عنه سوى رئيس مجلس الشورى عبدالعزيزعبدالغني، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي وبجانبه من اليسار سكرتير الرئيس الصحافي عبده بورجي، في حين كان يجلس على يمين صالح رئيس الوزراء علي مجور ونائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق أمين أبوراس ومحافظ صنعاء نعمان دويد.
وأشار إلى أن الانفجار الأول وقع عقب أن كبَّر إمام صلاة الجمعة للركعة الأولى، مضيفاً: "سمعت أولا صوتاً يشبه صوت اصطدام حديد بحديد، ثم صوتاً لا يصدر إلا عن انفجار، وشعرت ببعض أعضاء جسمي تتحرك، فحاولت أن أقف ولم أكن أعرف أن رجلي اليمنى قد انكسرت، ثم شاهدت دخانا أسود ونارا ملتهبة فوق رأسي بارتفاع مترين تقريباً على شكل دائرة، وفي الوسط كان لونه أقرب إلى الأزرق، ولم أفقد وعيي، فأمسكت بأحد الأخشاب المتناثرة وتبعت ضوءا قادما من باب المسجد، فكنت أول من يخرج من المسجد، وجلست على رصيف قرب الباب وسمعت صوت انفجار ثانٍ من الجهة الجنوبية للمسجد.
وسرد عملية توالي خروج المسؤولين من تحت الأنقاض، فقال: بعد خروجي كنت أنادي بأعلى صوتي لمن يأتي يسعفنا ولكن لا يوجد أحد لحظتها، ثم خرج بعدي بقليل رئيس مجلس الشورى الراحل الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، وبدا جسمه محترقاً بالكامل، جلس إلى جواري ننتظر ما تفعله بنا الأقدار، ودخل بعدها الأستاذ عبدالعزيز في حالة من اللاوعي، لكنه كان جالساً جلسته المعتادة، دون أن يصدر منه أي صوت، وكأنه في أحد اجتماعاته التي يجلس فيها بشكل مؤدب ومحترم وبدلته الأنيقة ممزقة، أما أنا فقد كنت أتألم ألماً شديداً من كسوري وجراحي، ورأيت العظم المكسور في رجلي قد مزق الجلد وخرج منه، وتلمسته بيدي التي كانت تمر في فراغ بين العظام، ومن شدة الألم اعتقدت أن الخلاص في تلك اللحظة هو قطعها.
وفي تلك الأثناء وأنا أكابد آلامي وجراجي خرج رئيس الوزراء الدكتور علي مجور وكان هو الشخص الثالث الذي خرج من المسجد، ومنظر جسمه متُفحم تماماً وملابسه قد تمزقت وكان ذلك حال ملابس الجميع، وكأن هناك مقصاً قد قام بقصها بإحكام من أماكن الخياط، والغريب أنها لم تكن محترقة في حين لم تسلم الأجساد من الحريق، وبعده مباشرة رأيت نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن اللواء الدكتور رشاد العليمي خرج يزحف على ظهره نتيجة الكسور في أطرافه، ثم كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح خامس شخص يخرج من المسجد محمولاً على أيدي أربعة أشخاص من قوة التدخل السريع، ومعه رئيس الحرس الخاص العميد طارق محمد عبدالله صالح ابن شقيق صالح.
صالح: "أنا بخير.. أنا بخير"
وتابع العواضي: كنا نحن حينها نظن أن الهجوم علينا تم بصاروخ، وسمعت الرئيس السابق علي عبدالله صالح يقول لابن شقيقه قائد الحرس الخاص "أسعفوا الناس يا طارق ولا تردوا على الهجوم، أبلغ القوات أن لا تضرب ولا ترد بأي شيء. أنا بخير. أنا بخير".
وأكد العواضي أن الحادثة كانت مخطط اغتيال وتصفية عبر بدائل عدة لم تتوقف عند مسجد دار الرئاسة، حيث قال: أخذونا في سيارات رأسية باتجاه مستشفى وزارة الدفاع، وعند مرورنا بطريق السايلة باتجاه المستشفى سمعنا إطلاق رصاص وأعتقد أنه كان البديل الثالث في مخطط التصفية، كما أظن لأنهم أطلقوا النار على موكب الرئيس إلا أنه لم يكن موجوداً في الموكب، وكان قد سبق الجميع إلى المستشفى بسيارة أخرى.
وأضاف ياسر العواضي: عندما وصلت إلى مستشفى مجمع الدفاع وجدت الرئيس فوق كرسي، وهو قد أُغمي عليه وبثياب ممزقة، والدماء تنزف من جسده وجراحه بليغة، كما أن شظية خشبية مغروسة في رقبته، فشعرت بحسرة بالغة لم أشعر بها من قبل، وكان الجميع ينتظر وصول الأطباء، حيث إنه لم يكن هناك أطباء متواجدين، لأنه يوم إجازة، فقط هناك ممرضون مناوبون.
وأشار إلى أن البعض نصحوهم بالذهاب إلى مستشفى 48، التابع للحرس الجمهوري، لكن تفكيره كان منصباً على أن "الحرب قد تتطور خصوصا أنني شعرت أن الرئيس قد يموت ومستشفى 48 البعيد قد يكون أحد الأهداف، فيما لو تطورت الحرب فقررت الذهاب إلى المستشفى اليمني الألماني".
وعن الشيء الذي لفت انتباهه في المسجد قبل الحادثة ولا يزال يثير شكوكه وتساؤلاته قال: كان لافتاً للنظر أن إمام المسجد الذي هو المؤذن وسنه صغيرة ولا يتجاوز الثلاثين من عمره نهض من مكانه استعداداً لإقامة الصلاة، فيما كان الخطيب لا يزال على المنبر ولم ينهِ خطبته بالدعاء بعد، وهذا ليس ما تعودنا عليه، فالمؤذن لا ينهض للإقامة إلا بعد أن ينهي الخطيب الخطبة تماماً".
ويشار إلى أن المؤذن واسمه محمد الغادر قد اختفى عقب الحادثة ووضع اسمه ضمن لائحة المتهمين، وفقاً لما أعلنته الشعبة الجزائية المتخصصة بصنعاء.