بعد إخفاقها في رش مياه "مسحورة" قرب الفرع الأمني المسمّى "الخطيب" بدمشق، عادت هدى الميداني أدراجها خائبةً إلى منزلها في حي ركن الدين، وتلاشت معظم آمالها في فك أسر ابنها المعتقل لدى قوات النظام السوري منذ 3 سنوات.
فبعد أن ضاقت السبل بالأم المكلومة واستنزفها السماسرة والمحامون مادياً، لم تجد خياراً أفضل من اللجوء إلى السحر والشعوذة بغية إنقاذ ابنها الوحيد من آلة الموت، "اعتقل ابني محمد (23 عاماً) على أحد الحواجز العسكرية في المدينة، وكل ما أعرفه حتى الآن أنه متواجد في فرع الخطيب".
"لم تفلح كل محاولاتي ووالده في إطلاق سراحه من خلال رشوة الضباط أو تعيين المحامين، لذا لجأت إلى عمل الأحجبة"، تتابع هدى مضيفةً في لهجة تبريرية، "والسحر أصلاً موجود بالقرآن الكريم ومنذ أيام النبي محمد".
سمسرة المعتقلين
كانت البداية حين توجّهت أم محمد إلى أحد المساجد القريبة من منزلها قبل 3 أشهر، بغية تأدية صلاة الجمعة والدعاء بفك أسر ابنها، وبينما كانت مجتمعة مع بعض صديقاتها عقب انتهاء الصلاة، صادفت إحدى النساء التي كانت تسترق السمع إليهن، ونصحتها بأن تلجأ إلى "شيخ روحاني" يدعى أبو ضياء، يختص بعمل الأحجبة والسحر، مقابل مبلغ مادي يصل إلى 75 ألف ليرة سورية (140 دولاراً تقريباً) للجلسة الواحدة، كما توضح هدى التي قررت خوض تلك التجربة وزيارة منزل الروحاني بمنطقة جرمانا.
تروي الأم، "المرأة التي قابلتها كانت سمسارة، تتقاضى أتعابها عن كل زبون توصله بالشيخ، ولدى وصولي ذلك المنزل شاهدت بعض النساء اللواتي أتين من أجل فتح النصيب أو حتى السفر إلى أوروبا، إحداهن حدثتني عن مدى براعة الشيخ خصوصاً بعد أن نجحت أحجبته بإقناع زوجها بالهجرة إلى الخارج، إلى أن جاء دوري وقابلت الشيخ الذي فاجأني بمعرفة الكثير عني وعن عائلتي".
قدم عصفور
لم تنجح محاولة الأم الأولى في ربط الحجاب الذي أعده الروحاني، وإحكامه بقدم عصفور كي يطير به (كما أوصاها)، وبررت فشل الأمر بأحد احتمالين: إما مجيء زوجها المباغت إلى المنزل الذي منع حدوث ذلك، أو أن العصفور الذي قامت بشرائه من أحد الأسواق لم يكن كبيراً كفاية بحسب توجيهات الشيخ، على حد قولها.
لذا آثرت معاودة الكرّة من جديد وزيارة أبو ضياء الذي لم تكن وصيته الثانية بأسهل من الأولى، بعدما قام بإعطائها قنينة من المياه السحرية، طالباً منها المخاطرة بحياتها ونثرها على أقرب مكان ممكن من الفرع الأمني المحصن، حيث يتواجد ابنها المعتقل.
تكمل أم محمد، "أنفقت ما يقارب 150 ألف ليرة سورية (280 دولاراً تقريباً) على هاتين المرتين، استنزفت معظم مرتبي الشهري وعملي في بوفيه تابع لدائرة حكومية، بالإضافة إلى بعض المال الذي كنت قد جمعته سابقاً، لكني لست نادمة على ذلك وسأكرر المحاولات إلى أن أرى ولدي طليقاً بين ذراعي".
shr
جلب الحبيب والسفر إلى أوروبا
في الوقت الذي تنفق فيه أم محمد مبالغ كبيرة على السحر والشعوذة، يدر أبو محمود أرباحاً وفيرة جراء عمله منجّماً وروحانياً في مدينة مرسين التركية، إذ أجبرته ظروف الحرب على النزوح من مدينة حلب السورية ونقل مهنته معه كما يؤكد.
وفي خطوة منه لتوسيع نطاق العمل ومواكبة عصر الحداثة، اتخذ من التنجيم عبر السكايب وسيلة جديدة له، والتسعيرة هي 100 ليرة تركية (34 دولاراً تقريباً) للجلسة الواحدة، بحسب ما كشف في حديثه لـ "هافينغتون بوست عربي".
تواصلنا معه بحجة فكّ السحر وجلب الحبيب خلال 48 ساعة كما كتب في إعلانه، فأجابنا "أرسلي لي قطعة من ثياب الحبيب ومعها 100 ليرة تركية عن طريق الـ PTT (مكتب البريد التركي)، وسأقوم بإرسال الحجاب لك، وإن شاء الله الحبيب يحضر خلال 48 ساعة، وإن أردتِ السفر إلى أوروبا فأستطيع عمل حجاب خاص لك، وإن شاء الله أمورك ستصبح جيدة".
أبو محمود لا يختلف عن عشرات السوريين الذين قرروا العمل كـ "وسطاء روحانيين" - كما يطلقون على أنفسهم - والذين انتشروا في أكثر من مدينة تركية، بينها اسطنبول وتحديداً منطقة اكسراي التي يكثر فيها تواجد العرب من السواح واللاجئين.
يلعب هؤلاء الوسطاء على أوتار طموحات مئات الآلاف من اللاجئين للحصول على فيزا لأي بلد أوروبي، غير مكترثين بخطورة العمل الذي يمارسونه خارج إطار القانون.