لم يتردد جمال محمود (صاحب نوفتيه) في اتخاذ قرار حازم، بالتوقف عن اعطاء المال لكل (من هب ودب)، في ظل انتشار المتسولين باعداد كبيرة في الزرقاء، وتحديدا في مكان عمله بمجمع النقليات القديم بالمدينة، التي تضج بمئات الآلاف من البشر.
جمال يقول متبرما 'غير معقول هذا التكاثر للمتسولين بالمجمع والزرقاء.. صغار وكبار ونساء.. اين الشرطة اين وزارة التنمية الاجتماعية.. هذه عصابات'.
عشرات الأطفال والاولاد والنساء والرجال ينتشرون منذ ساعات الصباح الباكر في مجمعي السفريات الكبيرين بثالث أكبر محافظة في الأردن من ناحية عدد السكان، ناهيك عن انتشار آخرين منهم بمناطق الاشارات الضوئية وأمام المساجد وفي الاسواق، في ظاهرة يرى مختصون انها تزايدت بصورة واضحة ولافتة خلال السنوات القليلة الماضية.
أبو عدنان، صاحب بقالة، بالقرب من مجمع الزرقاء القديم، يقول: 'لا ينافس الركاب في المجمع وباصاته سوى المتسولين.. اولاد ونساء وكبار في السن.. لا تعرف كيف يخرجون كل صباح.. لملء المكان وبدء عملية الشحدة وتجميع الغلة'. وهو لا يتردد في التأكيد أن هناك 'عصابات وشللا للتسول توزع المتسولين والعمل بينهم في كثير من الاحيان'.
ويقول هذا الخمسيني 'المشكلة لا تقف عن التسول والشحدة.. بل تمتد إلى انتشار الانحراف و'الزعرنة' والأعمال غير الاخلاقية.. وحتى الاستغلال من قبل البعض للصغار أو النساء'. ويضيف مبتسما 'صحيح انهم زبائن جيدون ينفق الواحد منهم في اليوم بين دينارين أو ثلاثة على شراء المشروبات والاكل والشوكلاتة .. لكنهم في النهاية مشكلة حقيقية نواجهها يوميا'.
وفيما تضم الزرقاء، كما العاصمة عمان واربد، النسبة الأكبر من حالات التسول المسجلة والمضبوطة من قبل الجهات الرسمية، فان مصدرا في وزارة التنمية الاجتماعية، طلب عدم نشر اسمه، يشير إلى أن عدد المضبوطين في قضايا التسول ارتفع هذا العام مقارنة بالاعوام السابقة لاسباب عديدة، 'وذلك نلحظه جليا خلال شهر رمضان، فضلا أن غالبية المتسولين أطفال صغار'.
واشار المصدر إلى أن الوزارة سجلت منذ بداية العام الحالي نحو 2000 حالة تسول، 70 % منها لأردنيين، وما يقارب 30 % من جنسيات أخرى.
ويشكو مواطنون وتجار في السوق التجاري بالزرقاء من عدم كفاءة حملات الشرطة ووزارة التنمية لضبط المتسولين في الاحياء التجارية في الزرقاء، حيث تزداد الظاهرة ولا تتقلص.
التاجر ابو عبدالله، قال إن معظم المتسولين ليسوا فقراء بل أشخاص اتخذوا التسول مهنة من اجل التربح. لافتا إلى أن 'هؤلاء يشترون في نهاية النهار احتياجاتهم وبالسعر الذي نريده'.
فيما يقول المصدر من وزارة التنمية الاجتماعية إن الوزارة وعبر مديرياتها بمختلف المحافظات 'تعمل بطرق مختلفة ومكثفة للحد من انتشار هذه الظاهرة، عن طريق مراقبة الاسواق التجارية واماكن تواجد البنوك وضبط المتسولين وايداعهم لدى الجهات المختصة'.
ويلفت المصدر إلى أن عددا من حالات التسول تندرج ضمن جريمة الاتجار بالبشر، حيث يلجا البعض الى استغلال اطفال او معاقين او نساء، سواء من اقاربه او من غيرهم للعمل في التسول، ما يستدعي، بحسبه، تعديل التشريعات القانونية لمزيد من الضبط والمكافحة لهذه الظاهرة.
وكانت ورقة بحثية لوزارة التنمية الاجتماعية، درست حالات (181) متسولا ومتسولة، هذا العام، بينت ان 98.34 % من هؤلاء المتسولين المضبوطين كانوا أميين وأصحاء وقادرين على العمل.
ويرى مختصون ان ما فاقم من ظاهرة التسول ووسع من قاعدتها في الزرقاء وغيرها من مدن المملكة، هو تزايد اعداد اللاجئين السوريين، واندراج شرائح كبيرة منهم ضمن فئة الفقراء والمحتاجين.
مرام (اسم مستعار)، هي سيدة سورية لاجئة تمارس التسول منذ نحو عامين، وتشير الى انها مضطرة لذلك لسد احتياجاتها اليومية الملحة. تقول: 'عليّ تأمين المال لكي اطعم اطفالي، بعد ان فارقت زوجي واهلي'.
الطفلة رشا (اسم مستعار) ارغمها الفقر وضيق الحال على الخروج مبكرا لالتقاط لقمة العيش، وتقول بعد تردد انها تمارس التسول بالتعاون مع ابناء عمها، وان عمها 'يشرف علينا'.
استاذ علم الاجتماع د. حسين خزاعي يصنف التسول بانه يدخل ضمن انواع السرقة والاحتيال، ناهيك عن انه 'حرام شرعا'. ويوضح انه بات لفئات واشخاص عديدين 'مهنة لكسب العيش، يرفضها المجتمع'.
وبين ان استخدام الفتيات في التسول بات من الأساليب المعتادة بهدف كسب تعاطف الناس وشفقتهم، كما يلجأ المتسولون الى استهداف المناطق التي تشهد حركة كبيرة للناس مثل المساجد والبنوك والاسواق.
وينبه الخزاعي إلى اتساع ظاهرة تشكل عصابات التسول، ويقول إن 'أطفال التسول، في كثير من الاحيان، يكونون مجندين لحساب عصابات متخصصة في التسول'.
ويلفت إلى ضرورة التعاون بين جميع الجهات المعنية, لمواجهة الظاهرة، إضافة إلى ضرورة تعاون المجتمع وافراده. ويؤكد أن الإجراءات المطلوبة لمكافحة الظاهرة، تتوزع بين إجراءات إدارية وأمنية من جهة، وايضا اجتماعية واقتصادية، تكافح الفقر والحاجة لدى شرائح عديدة قد يدفعها الفقر لتشغيل ابنائها في التسول.