"جنيف السوري" المقبل: أهم الجولات وأصعبها

تنعقد آمال عريضة على الجولة المقبلة من المحادثات السورية التي ستلتئم في جنيف في 11 نيسان(ابريل) المقبل، وسط تقديرات تؤكد أن هذه الجولة ستكون أهم الجولات وأصعبها، اذ سيتحدد خلالها ليس مسار العملية التفاوضية فحسب، بل ومستقبل العملية السياسية كلها.
وتأمل الأمم المتحدة ومجموعة العمل الدولية الخاصة بسورية أن تسفر الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف عن جديد يختلف عن الجولات السابقة.
ويرى محللون أنه على الرغم من أن وفد الحكومة السورية المفاوض لم يجب بعد عن وثيقة مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسورية ستيفان دي ميستورا، الا ان زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل أيام إلى موسكو ، أوضحت مسار الجولة المقبلة على الأقل في خطوطها العريضة. فمصير الرئيس بشار الأسد لن يناقش خلال الأشهر الثمانية عشر، التي هي مدة المرحلة الانتقالية.
ومقابل هذا التفاهم الأميركي الروسي حول مصير الأسد، شددت موسكو وواشنطن على ضرورة أن تناقش الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف القضية السياسية الرئيسة، المتمثلة في تفاصيل الانتقال السياسي.
وإذا كانت وثيقة دي ميستورا قد تقدمت خطوة إلى الأمام بتحديدها جدولا زمنيا للمرحلة الانتقالية على عكس القرار 2254، الذي تحدث عن مراحل سياسية فقط وليس زمنية (تشكيل حكم ذي مصداقية، وضع دستور جديد، إجراء الانتخابات)، فإن الغموض ظل سيد الموقف حيال كثير من النقاط العالقة؛ ما دفع أحد أركان مؤتمر القاهرة جهاد المقدسي للقول إنها وثيقة لا تأخذ في الاعتبار محاور المرحلة الانتقالية.
ويجمل المحللون المشكلات التي تواجه الجولة المقبلة في جنيف في عدة نقاط هي : استمرار غياب الثقة بين طرفي المفاوضات؛ إذ سيحاول كل طرف استخدام لعبة عض الأصابع؛ ويندرج في هذا الإطار تصريح الأسد قبل أيام بأنه "أمام الإرهاب لا حل إلا بالقتال والنصر، وأن معركتنا مستمرة من دون هوادة، وألا رهان على حل مع معارضة لا تملك قرارها، وأن التفاوض يجري مع أسيادها".
اما ثانيا فان دمشق ترفض منح المعارضة إنجازات سياسية فشلت في تحقيقها على أرض الميدان، في وقت ترفض المعارضة فيه التنازل عن مطالبها، والرضوخ لدمشق التي فشلت في المقابل في القضاء على المعارضة المسلحة.
ويعتقد المحللون هنا انه قد يجد الطرفان في هذا الغموض، الذي يكتنف وثيقة دي ميستورا، فرصة لكل منهما للتمسك بموقفه. فالوثيقة مثل القرار الدولي 2254 تتحدث عن اعتبار بيان جنيف مرجعا أساسا لها، وهو ما تتمسك به المعارضة، في وقت تشدد الوثيقة أيضا على تفاهمات فيينا ومضمون القرار 2254 فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وهي نقطة تدعم موقف دمشق.
وقد تطرق دي ميستورا إلى هذا الغموض بقوله إنها وثيقة استرشادية لم تدخل في التفاصيل في أساس كل القضايا وهو الانتقال السياسي والعملية السياسية.
اما ثالثا، فهي إصرار وفد الحكومة على مناقشة المرحلة الانتقالية بعد الانتهاء من مناقشة سبل مكافحة الإرهاب. وقد أعلن بشار الجعفري أن القرار الدولي كل متكامل يجب مناقشته بشكل تام، كما أعلن أن أولوية الوفد الحكومي في الجولة المقبلة هي بحث محاربة الإرهاب.
غير أن هذا المطلب، وإن نجح في جنيف عام 2014، فإنه لن ينجح الآن في ظل تغير مناخات التسوية، وقد أعرب دي ميستورا عن ذلك حين طلب من وفد الحكومة أن يتحلى بالواقعية.
وهذه النقطة هي الأهم في كل الملف السياسي، حسب المحللين، الذين يعتقدون أن عدم مناقشتها يعني العودة إلى المربع الأول؛ لكن تفاصيل المرحلة الانتقالية، وخصوصا الجزء الأول المرتبط بالحكم، سيكون هو المعضلة الكبرى، وهنا تأتي العقبة الرابعة.
بينما النقطة الرابعة، فهي كيفية شكل الحكم. وإذا كان الحكم سيكون مناصفة، فإن أسئلة كثيرة لم يجب عنها، وتفاصيل معقدة يتطلب حلها وقتا وجهدا كبيرا. فما هي المؤسسات، التي ستخضع للحكم الجديد؟ وكيف سيتم التعامل مع المؤسستين العسكرية والأمنية؟
ويرى المحللون ان هذه مسألة(الحكم) حساسة جدا لكلا الطرفين، وقد تُركت في الوثيقة غير واضحة، بمعنى أنها جاءت عنوانا رئيسا: "ملتزمون في إعادة بناء جيش قوي وموحد ووطني عبر نزع سلاح ودمج أعضاء في المجموعة المسلحة، التي تدعم العملية الانتقالية والدستور الجديد.. هذا الجيش المهني يجب أن يحمي الحدود والشعب من التهديدات الخارجية انسجاما مع مبادئ القانون الدولي".
تبعا لذلك، يقدر المحللون أن الجولة المقبلة ستكون أهم الجولات؛ لكنها في المقابل ستكون أصعبها، ففيها سيتحدد ليس مسار العملية التفاوضية فحسب، بل ومستقبل العملية السياسية كلها، وهذا أمر لم تعد المنظومة الإقليمية والدولية
تتحمله.