بعد خمسة أعوام من ولادة طفلته، تمكن مازن (اسم مستعار) أخيرا من إثبات نسب الطفلة المولودة خارج إطار الزواج بقرار من المحكمة الشرعية.
وعانى مازن، الذي سبق وان طرحت' قضيته في تحقيق موسع بعنوان '1243 مولودا بلا نسب، ودعوات لتعديلات قانونية تنصف الضحايا'، من اشكالية كبيرة في إثبات نسب طفلته، التي ولدت قبل الزواج نتيجة رفض زوجته تحريك شكوى لإثبات نسب الطفلة، بحسب ما يقول.
ولدت الطفلة صيف العام 2011، وتم على أثرها توقيف مازن وأم الطفلة إداريا في مراكز الاصلاح والتأهيل، وتم إرسال الطفلة الى إحدى دور الرعاية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، لكن خلال فترة وجود الأب بالسجن تم عقد القران على أم الطفلة، وبعدها تم تسليم الطفلة الى عمتها وجدتها لأبيها.
وبعد خروج مازن وزوجته من السجن، عاش الزوجان معا مدة شهر ونصف الشهر، ثم ما لبثت ام الطفلة أن عادت الى أسرتها وانقطع الاتصال بها، ورغم المحاولات المتكررة للتواصل مع الأم للسير بإجراءات نسب الطفلة لكنها كانت ترفض وبشدة.
يقول مازن 'لم يكن بحوزتي سوى واقعة الولادة وعقد الزواج، أردت تحريك قضية إثبات نسب في المحاكم الشرعية استنادا لإقرار الولادة، لكني كنت اخشى أن تكون النتيجة عسكية'.
مخاوف مازن من وجهة نظره كانت نابعة من أن يخسر طفلته إذا تم اعادتها ثانية لدار الرعاية، 'خصوصا مع رفض والدتها المضي قدما في الإجراءات القضائية وإصرارها على الطلاق'.
ويتابع: 'عانيت كثيرا خلال الأعوام الماضية، كنت اخشى أن تصل الطفلة سن المدرسة ولا اتمكن من تسجيلها بأي مدرسة كونها لا تحمل شهادة ميلاد ولا إثبات لنسبها لي'.
يستذكر مازن كيف اضطر في إحدى المرات للادعاء انه قادم من محافظة اخرى ولا يملك أي أوراق للطفلة، 'كي يتمكن من إدخال طفلته الى أحد المستشفيات بعد أن اصيبت بالتهاب رئوي حاد'.
ويتابع، 'مع اقتراب عمر الطفلة من سن المدارس بات رفع القضية امام المحكمة ضروريا، حيث تقدمت بطلب إثبات نسب استنادا لإقرار الولادة وشهادة الشهود وإثبات زواجي من أم الطفلة وحصلت اخيرا على إثبات النسب'.
وفيما كان قانون الاحوال الشخصية قبل العام 2010 يحصر إثبات نسب الطفل لأبيه في الاطفال المولودين في إطار الزواج، فإن قانون الأحوال الشخصية للعام 2010 فتح مزيدا من الأبواب لحل إشكاليات إثبات النسب، خصوصا للأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
ويتم إثبات نسب الطفل لأبيه بحسب المادة 157 من القانون بأربع طرق هي؛ فراش الزوجية (الزواج الصحيح)، والإقرار الشخصي، حيث يشترط فيه أن 'يكون المولود حيا مجهول النسب، وأن لا يكون وسيلة للتحايل لتبني الطفل، وأن يكون فارق السن بين المقر والمقر له يحتمل صحة هذا الإقرار، وأن يصدق المقر له البالغ العاقل المقر'.
ووفق المادة ذاتها يمكن كذلك ثبوت النسب بالبينة، ومن صورها الإقرار السابق أو البينة على تولّد الصغير على فراش الزوجية، أما الوسيلة الأخيرة فهي ثبوته بالوسائل العلمية القطعية، مع اقترانها بفراش الزوجية، ومن فحص البصمة الوراثية (DNA)، أو أي وسيلة يثبت العلم أنها قطعية'.
المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الانسان ايفا أبو حلاوة تؤكد 'وجود وعي مجتمعي اكبر بضرورة الحفاظ على حق الطفل الصغير بالنسب'، لافتة في هذا السياق الى 'زيادة الحالات التي يسعى بها الابوان لتصويب وضعهما القانوني، وهو امر تعززه البنود الواردة في قانون الاحوال الشخصية للعام 2010 والتي 'تعتبر الإقرار والبيئة العلمية من وسائل ومبررات إثبات نسب الطفل'.
وفي مقابل ذلك ترى أبو حلاوة أنه 'رغم التعديلات الايجابية، فإن 'المطلوب كذلك عقد دورات تدريبية للمحامين الشرعيين فيما يتعلق بالتقاضي بقضايا إثبات النسب'.
والى جانب ذلك تؤكد ضرورة 'ان ينص قانون حقوق الطفل صراحة على حماية حقوق الطفل بدءا من الحق في الحياة الى حق النسب والعيش في كنف الاسرة البيولوجية وما يترتب على النسب من حقوق أخرى'.
وكان القاضي الشرعي الدكتور زيد الكيلاني قال خلال ندوة سابقة نظمتها مجموعة الميزان حول حقوق الاطفال فاقدي السند الأسري ان قانون الاحوال الشخصية 'يوفر' المجال للقاضي للتحقق من صحة الإقرار بالنسب، وبالتالي 'يأخذ الطفل نسبه لأبيه، وإن كان مولودا خارج الزواج'، وذلك لضمان حق الطفل بنسبه، وكافة الحقوق الأخرى المترتبة على ذلك.
ولفت الكيلاني إلى أن المحاكم الشرعية 'تأخذ حاليا بالوسائل العلمية لإثبات النسب، لما فيه مصلحة الصغير'.
وبين أن مشكلة 'من يمثل الصغير، أو الوصي عليه في حال عدم وجود أقارب له أو من يخاصم عنه أن هذه المسألة تم حلها عن طريق تعيين القاضي وصيا مؤقتا للصغير لغايات الخصومة وغالبا ما يكون الوصي في هذه الحالات المدعي العام الشرعي'.