صفر فاصلة صفر !

 من يراجع بدقة وأمانة وموضوعية تاريخ ثورات الشعوب ، ونضالها ، وكفاحها ، وكيف انتصرت وحققت أهدافها ، لا بد أن يبكي بألم وحرقة شديدتين ، ولا بد أن يتأسى كثيرا إذا ما حاول الإقتراب من مطالعة ومعاينة هذا الحال الذي تمر به وتعيشه اليوم القضية الوطنية الفلسطينية ، هذه هي حقيقة أوضاعنا الداخلية التي يجب أن نقر و أن نعترف بها ، فمن منظمة تحريرها ومجلسها الوطني ، إلى فصائلها ، وصولا إلى ما بات يعرف بسلطتها الوطنية ، وحكوماتها ، ووزاراتها ، ومجلسها التشريعي المشتتة بفعل التشرذم والإنقسام اللذان يتسيدان صورة المشهد الماثل أمام الجميع في قطاع غزة المحاصر ، ورام الله المنفتحة والمستعدة للتساوق مع كل ما قد يخطرعلى البال من بذاءات ، خصوصا إذا ما كانت منسجمةً مع سلام الإستسلام ، ومفاوضات الإنبطاح أمام بطش ودهاء عدونا الصهيوني وشهواته الإجرامية والعنصرية والفاشية ، كلها مُركبات لا تثير ولا تبعث في نفوس الأحرار إلا مشاعر إلا الحزن و الغضب من هذا المُخزي الذي يجري .

جميع الأقنعة الزيفة تتهاوى ، وتتساقط ، وتنكشف قبل أن تصل إلى عتبات هذا المذبح الذي أقاموه ونصبوه وزودوه بكل ما يلزم لكي يواصل ذبح وقتل الإنسان الفلسطيني من غير شفقة أو رحمة ، كل العالم بلا إستثناء ، من شارك ، ومن دعم وأيد ، وحتى ذلك البعض الصامت ، ساهموا جميعا في إضفاء الشرعية على الجريمة التي قامت بتنفيذها العصابات الصهيونية على أرض الوطن الفلسطيني ، منذ " بلفور " الملعون الذي تمر ذكراه المشؤومة في هذه الأيام وحتى وقتنا الراهن ، لا يزال هذا المذبح يبحث عن المزيد من الضحايا بحق بشرها وشجرها وحجرها ، وعاماً تلو عام تواصل " إسرائيل " شحذ سكاكينها ما دامت ماضية على طريق إستكمال متطلبات ولوازم مشروعها الكبير الذي ستتجاوزحدوده أرض فلسطين التي يعتبرونها زوراً وبهتاناً ، حقاً تاريخياً مكتسباً عبر ما يحاولون تسميته بالدولة أو بالوطن اليهودي المزعوم ، ولذلك فهم لن يكونوا أبدا على إستعداد للتنازل عن شبر واحد من هذا الذي سرقوه وإغتصبوه بالقوة وبفعل هذا المذبح .

إن الثورة التي تحميها إرادة الشعب وكفاحه ومقاومته هي العلم الذي لا يقبل القسمة أو التجزئة ، كما لا يقبل الإلتفاف أو الإنحراف عن الدرب الطويل الذي لن يتعبد إلا بلحم ودم الجماهير الشعبية وحرب عصاباتها الثائرة تحت راية جبهتها الوطنية الواضحة من حيث برنامجها وأهدافها والسبل والوسائل الكفيلة بتحقيق ما هو مطلوب مرحليا وإستراتيجيا ، قريبا كان أو بعيدا ، فالزمن هنا لا قيمة له ، ولا بد أن تأتي اللحظة التي سيتألم فيها العدو الغاصب ، ولا بد أن يرحل ويترك لأصحاب الحق الشرعيين كامل أرضهم ، و كل حريتهم في إستعادة حقهم في الحياة عليها ، وفي العيش الكريم كما تعيش باقي شعوب هذه المعمورة .

الصهاينة يدركون ذلك جيداً وبغض النظر عن كل وسائل القوة العمياء التي لا يتوقفون يوما واحدا عن توفيرها وإمتلاكها وتجنيدها لخدمة جريمتهم ، وهم يعلمون جيداً أنهم على هذه الأرض المقدسة مارقون ، وعنها زائلون ، هذا وعد الأجيال مهما تشعبت الطرق وتاهت بنا الدروب ، ولكن الجريمة الفعلية و الأشد وجعاً ، والمصيبة الكبرى تكمن في أن هؤلاء الشرذمة من الذين يستحوذون ويهيمون على قرارنا الوطني لا يريدون إستيعاب هذه الحقيقة ، ولذلك فهم يفعلون اليوم كل ما هو ممكن لإدارة الظهر لها بعد أن غرقوا في مستنقع المصالح الذاتية الرخيصة ورغد العيش الذي أعمى بصرهم وبصيرتهم ، كلهم وبلا إستثناء مشاركين في جريمة إغتيال قرارنا الوطني وحرف بوصلته عن شمالها الصحيح ، وبغض النظر عن محاولات البعض للتجمل أوالمزاودة الفارغة .

الطريق إلى فلسطين كل فلسطين واضح وضوح الشمس ،وهذا لن يتحقق إلا عبر الثورة ومقاومتها الشعبية ، أما التفاوض والسلام الكاذب ، ومؤامرات التفريط والتنازل فما هي سوى أوهام وأحلام تعشعش في رؤوس كل المنخرطين وراء هذه الملهاة الفارغة التي لم ينتج عنها حتي اليوم سوى صفر فاصلة صفر ، وهذا ما سيكون في إنتظارها حتى ولو امتدت لعشرات السنوات القادمة ، ولا ندلل على ذلك ، إلا إنطلاقا من دقة معرفتنا بعدونا الصهيوني وما يعشعش داخل رؤوس قياداته المتعاقبة من أوهام وأحلام ، هذا ما نستطيع قوله وتدوينه عن المشهد الراهن والذي لا يبتعد عن كونه مسرحية عبثية يقوم بتأدية الأدوار فيها مجموعة من الواهمين الحالمين ومن الطرفين ، ومن هنا نعود للتأكيد على ان نتيجتها لن تكون سوى صفر فاصلة صفر قياسا لموجبات هذا الصراع التاريخي بين الفلسطيني صاحب الحق وبين الصهيوني المجرم والمارق .

الإيمان والإعتماد على شعبنا لن يضعف ولن يتزعزع مهما حاولوا أن يحرفوه ويأخذوه بعيدا عن آماله وطموحاته وأهدافه المشروعة ، وصحوة هذا الشعب قادمة ، ولا بد لبركان الغضب أن ينفجر من جديد ، والشهور التسعة لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي ، ومعه نتنياهو وليفني وعباس وصائب ستنتهي ، ولن يتمخض عنها إلا المزيد من الأوهام والأحلام ، ومراكمة الأصفار على الأصفار التي ستظل وصمة عار على جباههم حتي لحظة رحيلهم عن هذه الحياة الدنيا , د.امديرس القادري