ردم الآبار المخالفة:حتى لا نضطر لاستيراد مياهنا؟
جراءة نيوز - اخبار الاردن :
في الوقت الذي تكمل حملة وزارة المياه و الري و الأجهزة الأمنية لوقف الاعتداءات على مصادر المياه ،شهرها الرابع،تشيرالى ان اعداد الابار المردومة حتى بداية الشهر الجاري 53 بئرا مخالفا فقط من اصل ألف بئر تتوقع تقديرات وجودها،إلى أن مرحلة الألف ميل قد بدأت،لوقف ما يعده وزير المياه و الري الدكتور حازم الناصر»تهديدا للأمن المائي على المدى القريب لا البعيد،والاستمرار فيه سيقود إلى واقع مر أهم عناوينه فقدان المورد المائي».
فالحفر غير المشروع للآبار يعد سرقة للمياه، تؤكد التقديرات أن كمياته لا تقل عن نصف طاقة مياه مشروع الديسي،وقد تصل إلى كامل كميات مشروع الديسي المئة مليون متر مكعب،وتؤشر تلك الأعداد عن الآبار المردومة إلى الصعوبة التي تواجهها الحملة في وقف استنزاف المياه الجوفية تراها «الوزارة» مهمة وطنية لا يجوز التواطؤ فيها أو التخاذل عنها،في ظل وضع مائي شحيح للمملكة التي تعد من أوائل أفقر دول العالم بالمياه،و تزامنا مع تقديرات تؤكد أن معدل كميات المياه المتجددة والقابلة للتطوير تبلغ (780) مليون متر مكعب سنوياً، منها حوالي (505) ملايين متر مكعب مياه سطحية و(275) مليون متر مكعب مياه جوفية.
ما أهمية المياه الجوفية؟
وتعيد دراسة حديثة أعدتها الوزارة» التأكيد مرة أخرى على أن «المياه الجوفية الشريان الرئيس لمياه الشرب والوحيد في معظم مناطق المملكة وخاصة المفرق ومعان والكرك والطفيلة والزرقاء وإربد وعمان الشرقية والبلقاء والعقبة حيث تشكل بعد تشغيل مشروع الديسي عام 2013 ما نسبته 80% من مجمل مصادر مياه الشرب».
وتشير الدراسة إلى أن الحد الآمن للضخ من كافة الأحواض الجوفية يبلغ 275 مليون متر مكعبا سنوياً ، في حين يبلغ ما يضخ من هذه الأحواض حاليا ما يزيد على 500 مليون متر مكعب سنوياً ، ما يعنى أن هنالك ضخاً جائراً بحدود 200% في معظم الأحواض.
وأصاب الاستنزاف في أحواض المملكة الـ12 عشرة منها،مما أدى إلى هبوط في سطح المياه الجوفية إلى 70 متر في بعض الأحواض مثل الشوبك، وعمان -الزرقاء والجفر والضليل والأزرق،وهو ما أحدث إرتفاعا في ملوحتها ،بمعدل تجاوز الثلاثة أضعاف في بعض المناطق مما جعل كثيراً من آبار هذه الأحواض غير صالحة للشرب.
كما تشير الدراسة أيضا إلى أن عدد الآبار المحفورة بالمملكة لكافة الأغراض يبلغ حوالي 6500 بئراً منها 3033 بئراً عاملة بما فيها غير المرخصة والبالغة 798 بئرا،يتوقع أن ترتفع إلى نحو ألف بئر بالكشف الحسي،أما الاحتياجات من المياه للأغراض المختلفة للعام الجاري تبلغ 1400مليون متر مكعب للعام الجاري ،العجز فيها 550مليون متر مكعب،و حالياً يتم التعامل مع هذا العجز من خلال برامج الدور المقنن زراعياً كان أم منزلياً.
وأرقام العجز المائي تلك، لم يعد يجد نفعا معها المشاريع الرأسمالية الكبرى كمشروع جر مياه الديسي الذي تبلغ موازنته المائية مئة مليون متر مكعب سنويا،إذ أنها بازدياد مضطرد بسبب التزايد السكاني الطبيعي والهجرات القسرية والنشاطات الاقتصادية،وهو ما حتم على «الدولة» إتخاذ تدابير وإجراءات قصيرة ومتوسطه وطويلة الأمد للمحافظة على المصادر المائية بشكل عام والجوفية منها بشكل خاص.
وتتوقع الدراسة أن تبلغ الاحتياجات المائية من مياه شرب و صناعة و زراعة ،بعد عامين فقط 1203 مليون متر مكعب في تقديرات لعدد السكان لا تتجاوز الـ7 ملايين و نصف المليون إنسان،غير أن التزويد المائي لهم لن يتجاوز الـ1005 ملايين متر مكعب لكافة الاستخدامات ،أي العجز المائي سيبلغ لتلك الفترة 200 مليون متر مكعب،مع عدم إغفال وجود مياه الديسي.
وعلى ضوء ذلك،تقع على وزارة المياه والري مسؤولية حسن إدارة المياه ومراقبة توزيعها العادل بما يؤمن مستقبلا للمملكة، يبعدها عن أي تهديد مائي والوصول إلى يوم لا يجد المواطن فيه شربة ماء يعيدنا إلى سنوات قليلة مضت عايش فيها المواطن التزويد المائي مرة كل أسبوعين.
كما يضعها أمام مسؤولية عدم غض النظر عن المخالفين الذين يهدرون المياه في بلد بالكاد يجد مياه الشرب النظيفة ويستثمر المليارات من الدولارات ويثقل عنقه بالديون الخارجية لتأمين قطرات من مياه الشرب يعتبر تفريطا بالامانه وجريمة بحق المواطن الملتزم ومستقبل الوطن،وذلك أيضا يجعل المواطن شريكا في محاربة الهدر والتبذير ووضع حد للممارسات التي تهدد امن البلد المائي،ويحذر د.الناصر من مغبة التخاذل في وقف الاعتداءات على مصادر المياه و خاصة الاستمرار في السماح للآبار المخالفة بالعمل على حساب الوطن و المواطن،ويقول»التخاذل في محاربة الاعتداءات على مصادر المياه و منها إستنزاف المياه الجوفية ،سيوصلنا إلى ما لا يحمد عقباه ،ولا نريد أن نضطر يوما إلى استيراد مياهنا ونضع أرواحنا في أيدي الآخرين.»
ما الذي تسبب بالضخ الجائر؟
تشير الدراسة إلى أن عوامل لم تؤد فقط إلى الضخ الجائر،بل و إلى استمراره أيضا،كان أهمها منح رخص آبار بشكل عشوائي، حيث كانت تمنح رخص الآبار ولغاية عام 1992 دون الأخذ بالاعتبار إمكانيات الطاقة التخزينية أو الحد الآمن لكل حوض مائي،إضافة إلى التأخير في استصدار قرار حظر حفر الآبار الزراعية والذي تم في عام 1992.
ناهيك عن إستغلال أصحاب الآبار الزراعية للمياه الجوفية بكميات تفوق بكثير مما هو مسموح به حسب رخص الاستخراج والمبالغة في الحفر غير المرخص وخاصة في مناطق الأزرق والأغوار وعمان الزرقاء والجفر .
وألقت الدراسة باللائمة أيضا على «قصور الإجراءات المتعلقة بتفعيل وتطبيق القوانين والأنظمة الخاصة بمراقبة المياه الجوفية مما ساهم في تجاوز العديد لهذه القوانين والتوسع في حفر الآبار المخالفة لتزيد عن 1387 بئرا .
سلبيات الضخ الجائر
ما حصل في منطقتي الضليل والأزرق شاهد على سوء التعامل مع مثل هذه المصادر المائية،إذ خسر المزارعون كافة استثماراتهم في منطقة الضليل جراء تملح الحوض الجوفي دون النظر بالأساس إلى واقع الحوض وقدرته الإنتاجية في حين يعاني المزارعون في منطقة الأزرق من ارتفاع الملوحة الذي اثر على التربة وعلى إنتاجية المزارع.
تاريخ نظام مراقبة المياه الجوفية
بدأ حفر أبار المياه الجوفية في المملكة منذ الأربعينات من القرن الماضي وبطريقة غير منظمة،وصدر أول نظام لمراقبة المياه الجوفية في عام 1966 ليجدد هذا النظام عام 1977 حيث تضمن أحكاما نظمت استغلال المياه الجوفية وضبطت استخراجها بما في ذلك اشتراط الحصول على رخص الحفر ورخصة استخراج وتركيب عدادات مياه لقياس كمية الاستخراج وبالتالي ضبطه .
غير أن عملية حفر الآبار استمرت حيث شهد عقد الثمانينات وبداية التسعينات،زخما في منح الرخص إضافة إلى حفر العديد من الآبار بطريقة غير شرعية الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن في واقع الأحواض الجوفية والذي تمثل كما قلنا هبوط المناسيب وزيادة الملوحة وضعف الإنتاجية.
مضمون نظام مراقبة المياه الجوفية لعام 2002
تضمن النظام إجراءات وتعليمات تضمن عملية ضبط وتنظيم عميلة الاستخراج منح خلالها المزارعون المرخصون كمية مجانية مقدارها 150 ألف متر مكعب ليضع بعد ذلك تعرفة تصاعدية هدفها حث كبار المزارعين الذين يستهلكون كميات كبيرة من المياه على أهمية التقليل من كمية الاستخراج خاصة،أن ما يزيد عن 70% من المزارعين يستهلكون اقل من 150 ألف متر مكعب في العام ، وان 20-25 % من هؤلاء كبار مزارعين يستهلكون حوالي 60% من كميات المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة.
في المحصلة ورغم السير بتطبيق هذا النظام،إلا أن التوسع في حفر الآبار المخالفة و بشكل عشوائي،كان مستمرا إلى فترة النصف الأول من العام الجاري،وحقيقة أن أرقام ردم الآبار المخالفة وان كانت ليست كبيرة بسبب عدم سهولة مهمة أجهزة الدولة،إلا أنها أوقفت نزيف حفر الآبار المخالف ووقف الحفارات هو أمر لا يقل أهمية عن ردم الآبار القائم منها."الراي"