الفلسطينيون مجروحون اليوم في اعز رجالهم و أعظم قادتهم

 في كلام الرئيس المصري “المخلوع ” محمد حسني مبارك ، في تسجيلاته الصوتية المسربة بصورة غير نظيفة ، و غير لائقة ، و ربما بصورة مقصودة ، متعرضا لاسم و تاريخ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ، و كل ذلك ، بكلام غير واضح و كلام يمكن إنكاره ، لكن دوافع مبارك تظل غير مفهومة ، فهل هو الخرف ، أم خيانة الرئيس الأسبق كلامة مردودة عليه بقوة و لعنة ، لان التاريخ يسجل

عشرات الاجتماعات بين أبو عمار و الرئيس المصري الراحل أنور السادات ، بعد حرب أكتوبر المجيدة ، و مئات الاجتماعات بين أبو عمار و ” المخلوع ” شخصيا في السنوات العشرين الأخيرة التي سبقت استشهاد أبو عمار , كيف ، و لماذا ، قبل حسني مبارك ، تلك الصداقة المتينة و الطويلة مع ابي عمار ، صداقة امتدت لأكثر من عشرين عاما ، و كل تلك السلسلة الطويلة من الاجتماعات و الاتفاقات ، بما فيها كافة خطط التحرك السياسي ، و خطط عودة مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية

 كيف فعل مبارك كل ذلك و هو يحمل في عقله و قلبه تلك ” اللوثة ” ؟ و كيف صمت مبارك عن كل ما لديه من معلومات أو هواجس كل ذلك الوقت الطويل ، و لماذا لم يتكلم قبل ألان ، و لماذا لم يتخذ إجراءات تفرضها عليه مهامه الرئاسية ؟ و هو القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية ، فهل كان مبارك يخون أسرار مصر و أمنها القومي ، أم قرر اليوم خيانة صديق عشق مصر حتى الثمالة ؟ .

وفاء ياسر عرفات لمصر ليس بحاجة إلى شهادة مبارك ، و حب عرفات لمصر معروف لدى كل أبنائها ، فقد نشأ رحمه الله في القاهرة ، وشرب من النيل ، وفيها ارتاد المدارس و منها أطلق حركة ” فتح ” ، ومن جامعات مصر تخرج مهندسا ، وعنها دافع ضابطا بالاحتياط في حرب القناة عام 1956 ، وحين قرر المرشد السابق للإخوان المسلمين مهدي عاكف أن يقدم برهانا على صدق مشاركته في حرب السويس ، قال و اعترف بعظمة لسانه ” أنا من دربت المقاتل ياسر عرفات في حرب الدفاع عن قناة السويس ” ، ولا أريد هنا أن أعيد استهلاك كلام المناضل المصري العتيد خالد محي الدين عن ياسر عرفات وحرب السويس أو علاقة ياسر عرفات مع مصر منذ ما قبل ثورة يوليو 1952 .

أنا مؤمن بان ياسر عرفات أحب مصر أكثر بكثير من حب حسني مبارك لها ، و أبو عمار لم يمس مصر بسوء أبدا ، مثلما فعل مبارك حسب اقتناع غالبية المصريين الذين ” خلعوه ” جراء أفعاله ، أما أبو عمار فقد عاش مصر و عاشت فيه ، وأولى كلمات نطقها طفلا كانت باللهجة المصرية ، فاستقرت على لسانه وأمضى حياته فخورا بأنه ” مصري الهوى ” .

الشعب المصري بغالبيته خلع مبارك في 25 يناير 2011 ، لأنه وجد فيه ما يهدد حاضره و مستقبله ، و يعتدي على خبزه و حريته و كرامته الإنسانية ، و إن كان مبارك قد اعتدى و افترى على عشرات الملايين من بني وطنه ، فما الذي يمنعه من العدوان على سمعة و تاريخ ياسر عرفات ، لكنه حتما لا يستطيع أن يتلاعب بوقائع التاريخ ، و حقائق التاريخ ترفض أن تتغير وفق أهواء أو افتراء أو خرف مبارك .

مبارك أنكر على أبي عمار حبه لمصر و شعبها ، و يصبح منطقيا ان ينسى مبارك كل علاقاته الثنائية الحميمة مع ابي عمار ، كما كان متوقعا أن ينسى كفاح ابو عمار ، سواء من اجل عودة مصر إلى الجامعة العربية ، أو من اجل عودة مصر إلى قيادة الأمة العربية من جديد .

ياسر عرفات ولد في مصر ، تربى طفلا ، تعلم طالبا ، تخرج مهندسا ، و حارب جنديا ، ياسر تسجله وثائق الجيش المصري المجيد ضابطا احتياطيا ، و في القاهرة أيضاً تم انتخاب ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية فبراير 1969 ، و إلى القاهرة كانت أخر زيارة رسمية و مبارك كان أخر رئيس دولة اجتمع مع عرفات .

أخر طبيب رافق أبو عمار قبل موته كان مصريا ، مكلفا من مؤسسة سيادية مصرية ، و أخر وداع رسمي لأبي عمار شهيدا كان من القاهرة و بحضور حسني مبارك شخصيا ، فهل كان مبارك يودع جثمان عرفات بتلك المراسم المهيبة وقد استقر في ضميره أن عرفات غدر بأسرار المحروسة ، أم أن الأموات يستطيعون أن يحتملوا افتراءات ينوء بحملها الأحياء ؟؟؟

من يعرفون التاريخ ، يقولون أن ياسر عرفات ، لم يكن حاضرا في ذلك الاجتماع الذي أشار إليه حسني مبارك ، لكني أقول أن ذلك ليس مهما ، و هو ليس جوهر الموضوع ، و حقيقة عدم حضور الراحل العظيم أبو عمار ، ذلك الاجتماع الذي المح إليه مبارك ليس هو المشكلة ، لان المشكلة الحقيقية مستوطنة في شخصية و نفسية و ظروف حسني مبارك نفسه ، و ذلك ما أقنعه بان الأسهل و الأهون عليه هو الهجوم على الغائب ياسر عرفات ، معتقدا أن المزاج المصري العام منزعج من أفعال بعض الفلسطينيين ، و بالتالي يسهل عليه إقناعهم بروايته المضروبة !

الفلسطينيون مجروحون اليوم في اعز رجالهم و أعظم قادتهم ، و يرجون من قيادة مصر الانتقالية ، إجراء تحقيق شفاف وعادل ، تحقيق يتولاه الجيش المصري و أجهزته السيادية مباشرة ، تحقيق تاريخي وبالوقائع ، يُجرم الراحل و ” المتهم ” ياسر عرفات ، أو يُجرم ” المتهم المخلوع ” محمد حسني مبارك ، و لا أرى أي موجب للمساومة و التهاون في هذا الاتهام الخطير ، ولا بد من ذلك قبل أن يموت مبارك ، كشفا للحقيقة و كشفا عن عواهن التهمة ، أو عن عواهن مبارك .

قد لا تبادر الدولة المصرية إلى ذلك ، وقد لا يفعل جيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي أيضاً ، رغم كل حبه المعروف للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، نظرا لحراجة أوضاع مصر ، لكن لا شيء يمنع منظمة التحرير الفلسطينية ، و لا شيء يمنع قيادة حركة ” فتح ” من المطالبة و الإلحاح اليومي بفتح ملف تحقيق قضائي مصري يتمتع بكامل المصداقية و النزاهة و الشفافية وصولا إلى الحقيقة ، و لا شيء غير الحقيقة ، فهل نفعل ، و هل سيفعلون ؟

 الله اعلم ، لكن سمعة و كرامة و تضحيات ابو عمار هي سمعة فلسطين و شعبها ، و لا ينبغي لهذه القضية أن تترك لأقاويل رجل كذبه شعبه وخلعه عن حكم مصر.