التغيير في الأردن .

 يضم الحراك الشعبي الأردني بكل أطيافه الشبابية و العشائرية و الحزبية التي تغطي كل أرجاء الوطن مدنا و بلدات و أرياف و بوادي .. قيادات شابة مفكرة و رائدة مؤمنة بنجاح مشروعها الإصلاحي و تحقيق أهدافه الكاملة رغم المعوقات و العراقيل و البلطجة و الاعتقالات التي يمارسها النظام .

ومنذ انطلاقة الربيع العربي في الأردن رافق هذه المسيرات و التظاهرات و الاعتصامات التي كانت تجري كل جمعة أو الوقفات الاحتجاجية التي تجري في بحر الأسبوع لمناسبات معينة كالمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين أو نصرة للمسجد الأقصى أو الشعب السوري أو الشعب المصري أو الروهينغا .. يرافق ذلك ندوات و جلسات نقاشية و حوارية موسعة و مصغره أحيانا للعصف الذهني و التحضير النفسي لما يتوقع من النظام و البحث و التحليل و الدراسة للأحوال اليومية و المستجدات الآنية ثم الحديث عن المستقبل لاستقراء القادم بناءا على معطيات متوفرة و توقعات ..

وكان البعض يسجل الملاحظات و الأفكار و البعض الأخر يحفظ في الذاكرة .. و مع الأيام يثبت بعضها ويتبدل أو يعدل بعضها الأخر بسبب مجريات على الواقع تلغيها أو توجب تعديلها أو تثبتها إلى حين،كان من الثابت في بداية الحراك لدى المفكرين الحراكيين الشباب .. القدرة الهائلة لدائرة المخابرات .. وأنها بأساليبها و إمكانياتها تعتبر عقبة كبيرة في وجه الحراك الشعبي ..

لكن هذا الثابت و بالتدريج و بظهور علامات و أحداث على أرض الواقع قد تغير .. نذكر منها على سبيل المثال نسبة الاقتراع المتدنية في الانتخابات النيابية رغم التزوير و محاولات حثيثة لرفع نسبة الاقتراع .. وجاءت نسبة الاقتراع المتدنية جدا في الانتخابات البلدية لتؤكد أن دائرة المخابرات قد فقدت أو أُفقدت قدرتها على تحشيد الناس للانتخابات كما كان قبل الربيع العربي .. الأمر الذي أصاب كثيرا من الضباط بالإحباط ..

و تسربت شائعات تفيد بأجراءات مساءلة قاسية .. كما كان محرجا للدائرة و مسيئا للحكومة الحديث الذي تداوله الناس في الانتخابات البلدية من أنها غير محتاجة للجيش للتصويت علنا هذه المرة لان الساحة الانتخابية خالية من الأخوان المسلمين .

يمضي المفكرون الحراكيون الشباب في تحليلهم أن دائرة المخابرات قد فقدت قدرتها المعهودة ..وهذا دليل أكيد على ضعف النظام .. وهو مؤشر على انهيار قريب .. في حين يرى البعض أن المخابرات لم تفقد قدرتها بل نُزعت منها ...

ويعزون ذلك إلى أنه ومنذ أقالة الفريق محمد الذهبي أحس " الديوان " أن دائرة المخابرات العامة و حتى بعد رحيل الذهبي لها توجه معين تربّى عليه كل الضباط وهو نهج ثابت دائم لهم لم يعد مناسبا في بعض أجزاءه لسياسة الديوان الجديدة و يتصادم معها ..

ومثاله أن رفض الفريق محمد الذهبي الرد على الهاتف عندما قالوا له أن " فلان " يود محادثته فقال بالحرف " آه بدو يصير وزير للداخلية والله ما يشمها و أنا حي " وكان يعزي ذلك لمعرفته بصلة المتحدث بالجهة التي ترغب في تعيينه وزيرا للداخلية خدمة لأهدافها .. ثم قام بتسمية " القاضي " وزيرا للداخلية في تلك التشكيلة.

ولقد كانت دائرة المخابرات تجمع المعلومات و تقدم تقاريرها عن الحالة أو الوضع و تقدم معها الحلول و المقترحات و النصائح اللازمة و يؤخذ بها دون جدال .. كما كانت تسمي أو تشارك أو تمنع أو توافق على تسمية رئيس الحكومة و الوزراء و معظم مناصب الدولة العليا .. حتى وصل الأمر في عام 2010 أن تتدخل المخابرات بتعيين حتى المراسلين و السائقين و تنفذ رغبتها .

عندما أدرك الديوان أن دائرة المخابرات و ثقافة ضباطها على ذلك التوجه عمد إلى احضار الفريق المتقاعد فيصل الشوبكي إلى الدائرة و حصر دوره و دور دائرته فقط بجمع المعلومات و تقديم التقارير ولا شيء غير ذلك ثم ينتظر من الديوان الأوامر بكيفية العمل بعد دراستها من قبل " المجموعة " وهذه المجموعة هي خارج الديوان لكنها ترسم و تحكم فترسل إلى الديوان و الديوان يرسل إلى مختلف الجهات و منها المخابرات و رئاسة الحكومة وأن كل ما يفعله النسور هو من رسم هذه المجموعة ..

في حين يظن الناس أن هذا من الديوان أو المخابرات وهو في الحقيقة من " المجموعة الخاصة " والتي تقول الإشاعة أن باسم عوض الله أحد أفرادها ولها عند الشعب الأردني أسم أخر .

لكل هذا عاد مفكرو الحراك الشعبي للقول بأن التغيير في الأردن يختلف عن غيره من المجتمعات العربية الأخرى لعدة أسباب أهمها حرص الحراك الشعبي الأردني على " السلمية " سلاحه الوحيد الذي يفتخر به وأن التغيير في الأردن ربما يأتي مفاجئا مثيرا " درامتيكيا " وهذا التغيير الدراماتيكي قد يأتي من عدة أبواب أو من أحدها ،الأول : من المأمن .. إذ يقول الأثر " من مأمنه يؤتى الحذر " وهذا قد يأتي به الضغط الشعبي السلمي المتراكم المتنامي لصالح عودة حق الأردنيين ،الثاني : فضيحة كبرى داخل النظام ليست كفضيحة عبود سالم أو الجلبي أو الكردي أو باسم عوض الله أو هاكان التركي أو الأجنبي بائع البترول من الأردن إلى الأردن أو عقل بلتاجي الذي تقلب في مناصب الدولة وهو لا يحمل الشهادة الأولى .. وعدّد من الفضائح ولا حرج .

ولقد أبتلي الأردنيون بهؤلاء ممن يأتون بالبراشوت فتحصل على الجنسية الأردنية ثم تحتل بعجل مواقع سيادية سياسية و اقتصادية في الأردن و يتسيّدوا على الأردنيين .. وبعد أن يهبشوا هبشهم بالمليارات يطيروا بأموال الشعب الأردني و ثرواته إلى غير رجعة .. أو يختبئوا في الأردن في ظل الحماية إلى ما شاء الله .

أقول ليس كفضيحة عبود سالم و أمثالها و أنما فضيحة كبرى تستوجب التغيير .. فالنظام الذي سمح بحدوث الفضائح الذي ذكرنا والتي لم نذكر قابل لأن تحدث و تظهر فيه فجأة فضيحة كبرى تستوجب التغيير،الثالث : حدث إقليمي كهذا الذي يحدث في سوريا الآن .. فقد تنفلت الأمور و يتوسع نطاق الحرب وعندها لا أحد من البشر يستطيع التكهن بشكل نهايتها .. أو غيره من الأحداث الإقليمية المتلاحقة .

وبحسب مفكري الحراك الشعبي فأن هذا يستوجب برغم الاستفزازات الحفاظ الدائم على سلمية الحراك و السير به الهوينا .. حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .