قراءة في قرار الدستورية الاخير حول قانون التقاعد المؤقت
جراءة نيوز-اخبار الاردن-خاص-كتب المحامي اشرف سمحان:
قراءة في قرار الدستورية الاخير حول قانون التقاعد المؤقت المحامي أشرف سمحان في أولى الخطوات التي قام بها منذ تشكيله، اصدر مجلس النواب الحالي قراراً بسؤال المحكمة الدستورية حول مدى دستورية خطوات قامت بها الحكومة أدت إلى حرمان أعضاء البرلمان من رواتب تقاعدية أبدية، حيث اقترح النائب الاستاذ عبد الكريم الدغمي سؤال المحكمة الدستورية بشأن أمرين، أحدهما متعلق بالخطوة التي أوقفت على خلفيتها الرواتب التقاعدية الأبدية، حيث يرى أن تطبيق المادة (93) من الدستور لم يتم بصورة صحيحة دستورياً.
وللاسف فقد جاء قرار المحكمة الدستورية الموقرة مخيباً للآمال لأننا كنا نتوقع قراراً جريئاً ينتصرر لقيم الديمقراطية واحترام مبدأ المشروعية، حيث قررت المحكمة الدستورية عدم الزامية ابداء الملك موقفه من اعلان بطلان القانون المؤقت الذي تقرر رفضه من مجلس النواب خلال المدة المقررة اصلاً للقوانين العادية، ومثل هذا الاجتهاد يشكل انتكاسة خطيرة لدولة القانون ويضعف الى حد كبير دور مجلس الامة كجهة رقابية على اعمال السلطة التنفيذية مما يزيد في إمعان هذه الاخيرة في تغولها على غيرها من سلطات الدولة ويشكل انتقاصاً بل وهتكاً على اثر هتك لمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن المتكافئ والمساواة فيما بينها
وعليه، فاذا كان لي ان ادلي بدلوي في هذا المقام تعليقاً على ما جاء في هذا القرار وفي الرد على القائلين بدستورية رفض جلالة الملك الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت، نقول بما يلي: أولاً: في طبيعة سلطة الملك في ابداء موقفه من اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت قبولاً او رفضاً:
وفي ذلك نؤكد على المعطيات التالية: أ) ابتداء يمكننا ان نؤكد على ان سلطة الملك في ابداء موقفه من اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت قبولاً او رفضاً ليست سلطة مطلقة ولا حتى تقديرية وانما لا تعدو ان تكون مجرد سلطة مقيدة، مما يعني عدم تصور رفضه الموافقة على اعلان البطلان: وللتدليل على صحة هذا الرأي نسوق الاسانيد والحجج التالية:
1. بدليل قانوني مستمد من حقيقة ان المجلس ذي الاختصاص الاصيل بالتشريع هو مجلس الامة لا مجلس الوزراء وانما جاءت المادة (94) لتقرر رقابة مجلس الامة على القوانين المؤقتة حالما تسترد سلطتها الاصيلة بالتشريع عند انعقاد ذلك المجلس، فكيف نوافق اذن على اجتماع مجلس الامة لممارسة مثل هذا الدور الرقابي الذي اناطه الدستور به ويقول كلمته فيه بالرد وتكون هنالك من جهة بعده –وبعد كل ذلك- تقرر فيما اذا كانت هنالك قيمة لقول مجلس الامة -صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع- في القانون المؤقت الذي صدر في غيابه، بحيث تستطيع تلك الجهة ومن ناحية فعلية او واقعية تعطيل دور مجلس الامة ذلك ليصبح دوره الرقابي في المحصلة لغواً لا جدوىً فيه تنتظر ولا طائل منه يُرجا. فهل يا ترى يمكن ان يكون مشرعنا الدستوري المهيب قصد كل ذلك عند وضعه لنصوص الدستور؟ وهل يمكن ان يكون هذا ما انتهى اليه التقاء ارادة الامة بارادة الملك في ذلك الوقت؟
2. ودليل آخر لغوي مستمد من عبارة "وجب عليه ان يعلن بطلان نفاذها فوراً" الوارد في صلب المادة (94) من الدستور، مما يعني اننا امام نص آمر لا تملك اية جهة مخالفته او تجاوزه، وينفي بالتالي وجود اية سلطة تقديرية في رفض الموافقة على اعلان بطلان القانون. وذلك باعتبار ان صيغة الالزام في المادة (94) من الدستور بان يتم اعلان البطلان فوراً لم يخاطب بها مجلس الوزراء فحسب –كما يظهر لاول وهلة على قراءة نص المادة تلك- وانما خوطبت بها الذات الملكية ايضاً، باعتبارها تكوّن مع مجلس الوزراء السلطة التنفيذية التي خاطبها النص الدستوري كوحدة واحدة.
3. ودليل ثالث منطقي مستمد من الحكمة التي جاء النص الدستوري بصلاحية الملك لتحقيقها وتتمثل في ان شرط موافقة الملك على اعلان بطلان نفاذ القانون انما جاءت لاضفاء نوع من الرقابة على تحديد وقت اعلان البطلان لا على مبدأ اعلان البطلان ذاته من حيث الاصل. وللتدليل على صحة قولنا هذا نقول بأن القوانين المؤقتة انما تصدر ابتداء بموافقة الملك مما يتيح له فرصة الرقابة عليها، فلماذا وبعد ردها من قبل مجلس النواب ان يعود ليمارس ذات الرقابة تلك عليها مرة اخرى؟ هذا في حال كان رفض المجلس لها بالكلية دون تعديل. ب) وبالتناوب مع ما سبق، يمكننا التأكيد كذلك على انه وحتى بالفرض الساقط بتصور رفض الملك الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت فان مثل ذلك الرفض لا يمكن بحال ان يكون مطلقاً وانما توقيفي فحسب.
بمعنى ان مثل هذه الصلاحية ترتبط فقط بمجرد تحديد توقيت اعلان البطلان لا غير،ودليلنا الى هذا الحكم نصل اليه بالقياس من باب اولى على رد الملك القوانين التي تأتيه مقرةً من مجلس الامة، حيث ان رفضه التصديق عليها لا يمكن بحال ان يكون مطلقاً وانما مجرد رفض توقيفي، بمعنى انه يتوجب في هذه الحالة عند رفض الملك الموافقة على اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت تتوجب اعادته الى مجلس الامة مشفوعاً باسباب الرفض لانها ستكون في هذه الحالة بمركز القوانين المجازة من مجلس الامة على الاكثر (في افضل الاحوال) ولا يمكن بحال ان تكون القوانين المؤقتة بمركز افضل من القوانين العادية.
وحديثنا هنا يتصور فقط في الفرض المتضمن حالة ما اذا كان رد مجلس الامة للقانون المؤقت مشفوعاً باستبداله بقانون اخر ففي حدود هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البديل له. والقول بخلاف ما سبق يصل بنا الى نتائج مفعمة بالتناقضة وعدم الاتساق، ذلك ان ترك الصلاحية لرفض اعلان بطلان القانون المؤقت والتوسع بها بالكيفية التي ينادي البعض بها يهدر في محصلة الامر ومن ناحية فعلية او واقعية اية قيمة تذكر لرقابة مجلس الامة على القوانين المؤقتة والتي قررتها واكدت عليها المادة (94) من الدستور بصريح النص
وان ابسط قواعد التفسير توجب الا يصل بنا تفسير نص ما الى التناقض مع النتائج المباشرة التي تمليها النصوص الاخرى التي تشكل في مجموعها جسماً واحداً هو النظام القانوني والدستوري للدولة. وعليه، فكيف يستقيم احترام النص الدستوري (القاضي بالاعلان الفوري لبطلان نفاذ القانون المؤقت) كيف يستقيم مع بقاء مصير القانون المؤقت الذي رفض من مجلس النواب معلقاً طيلة ستة اشهر او اكثر على رفضه من لدنه.
وفي رأينا انه تتوجب التفرقة ابتداء بين ما اذا كان رد مجلس الامة للقانون المؤقت مجرداً من اي استبدال للقانون المرفوض بقانون اخر او تعديل لبعض نصوصه فان موافقه الملك على اعلان البطلان تكون توقيفية وليست مطلقة بمعنى ان الموافقة تقتصر على تحديد وقت اعلان بطلان القانون المؤقت اما اذا اتبع رد القانون المؤقت او رفضه باستبداله بقانون اخر ففي هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البيدل له
وفي هذه الحالة بالذات يحق التساؤل عن مدة الاشهر الستة التي يتوجب ابداء الارادة الملكية خلالها في مصير القانون تصديقاً او رفضاً اما اذا اقتصر اعلان البطلان على القانون المؤقت فقط دون استبداله باقرار قانون اخر محله فان نص المادة (94) هو الواجب انطباقه في هذه الحالة والذي يوجب اعلان بطلانه بشكل فوري احتراماً للنص الدستوري الذي يقضي بوجوب ذلك وانصياعاً لارادة المشرع الدستوري بهذا الخصوص.
ثانياً: في التوقيت المتوجب اعلان جلالة الملك به عن موقفه من بطلان القانون المؤقت موافقةً او رفضاً: وفي ذلك نرى انه يتوجب ان يتم البحث عن موافقة الملك على بطلان القانون المؤقت قبل اعلان مجلس الوزراء عن بطلانه لا بعد ذلك، وعليه فلا نؤيد من ذهب اليه البعض من انه وفي حال رفض مجلس الأمة القانون المؤقت أو لم يقره خلال المدة الدستورية المحددة لذلك، فقد رتب المشرع الدستوري على ذلك وجوب اعلان الحكومة بطلان القانون المؤقت فوراً. ومن ثم يخضع مثل هذا الاعلان لموافقة الملك عليه.
ويرتب هذا الرأي على ذلك استغرابه من أن تقرر الحكومة بطلان القانون المؤقت ومن ثم يأتي الملك ويرفض الموافقة عليه،ومع كامل احترامنا للراي السابق الا اننا لا نؤيده البتة، ذلك ان النص الدستوري جاء في رأينا واضحاً جداً في القول بوجوب الحصول على الارادة الملكية قبل اعلان بطلان نفاذ القانون المؤقت، فكيف نعود للقول بأن موافقة الملك على اعلان مجلس الوزراء بطلان نفاذ القانون المؤقت هي موافقة لاحقة لا سابقة؟ ان حرف الباء في التعبير "بموافقة الملك" تفيد الترتيب على التعقيب، اي وجوب موافقة الملك كشرط اجرائي مسبق قبل اعلان مجلس الوزراء بطلان نفاذ القانون المؤقت.
الامر الذي يترتب عليه ان عبارتا "وجب" و"فوراً" لم يخاطب بهما مجلس الوزراء فحسب وانما خوطبت به الذات الملكية ايضاً، باعتباره يكون مع مجلس الوزراء السلطة التنفيذية التي خاطبها النص الدستوري جملة واحدة.
ومما يؤيد تفسيرنا للتعبير السابق حجة او سند منطقي يتمثل فيما اورده المشرع الدستوري بذات المادة (94) من الدستور، حيث قررت صراحةً زوال جميع ما كان للقانون المؤقت من مفاعيلَ وآثار بمجرد اعلان بطلان القانون المؤقت، فكيف تزول مثل هذه الاثار والمفاعيل بمجرد اعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت ومن ثم نسأل عن موافقة جلالة الملك على قرار مجلس الوزراء باعلان بطلانه؟ وما الحل اذا رفض كما حصل بالنسبة للقانون المؤقت الاخير؟
الصحيح في رأينا هو وجوب الحصول على موافقة الملك على اعلان بطلان القانون المؤقت، وهي موافقة اجرائية القصد منها تحديد توقيت اعلان البطلان لا موافقة موضوعية يمكن ان ينتظر او يتوقع ازاءها رفض جلالة الملك منح تلك الموافقة.
ومثل هذا التفسير هو في رأينا الاصح والاكثر مراعاة لاعتبارات المواءمة الدستورية والمواءمة العقلية والمنطقية ايضاً والاكثر اتساقاً مع حسن التطبيق السليم والقويم لاحكام الدستور والاكثر موافقة وحكمة التشريع الدستوري المتأتية من ظاهر النص والاسباب الداعية الى وضعه. وعليه، فيخطئ من يقول بان القانون المؤقت يرجع الى حيز الوجود (القانوني او الدستوري) بمجرد رفض الملك اعلان بطلانه، والصحيح ان القانون المؤقت لا ينتهي اصلاً الا باعلان بطلان نفاذه من قبل مجلس الوزراء وبعد موافقة الملك. حيث تبقى مفاعيله قائمة الى ذلك الوقت بدليل تأكيد الدستور صراحة في عجز المادة (94/1) من الدستور على انه [... ومن تاريخ ذلك الاعلان يزول ما كان لها من قوة القانون ...].
والقول بخلاف ذلك يوقعنا بلا شك بأزمة التناقض التي على من يتصدى للنص القانوني بالتفسير تجنبه كمحذور رئيسي يتوجب عليه ان يستهدف عدم الوقوع فيه. اما حديث البعض عن انطباق المادة (93) من الدستور –والخاصة بالقوانين العادية او الدائمية- في حالة القوانين المؤقتة فلا نجد له قبولاً البتة، سيما في ظل وجود نص صريح هو المادة (94) التي توجب وبصراحة تامة الاعلان الفوري لبطلان القانون المؤقت بمجرد رفض منجلس النواب له، ولا يمكن بالتالي ان تجد المادة (93) مجالاً لانطباقها الا في حالة واحدة هي الحالة التي يكون فيها رد مجلس الامة للقانون المؤقت مشفوعاً باستبداله بقانون اخر ففي حدود هذه الحالة فقط تنطبق المادة (93) من الدستور لا على اعلان بطلان القانون المؤقت وانما على اقرار القانون البديل له
وفي هذه الحالة بالذات يحق التساؤل عن مدة الاشهر الستة التي يتوجب ابداء الارادة الملكية خلالها في مصير القانون تصديقاً او رفضاً اما اذا اقتصر اعلان البطلان على القانون المؤقت فقط دون استبداله باقرار قانون اخر محله فان نص المادة (94) هو الواجب انطباقه في هذه الحالة والذي يوجب اعلان بطلانه بشكل فوري احتراماً للنص الدستوري الذي يقضي بوجوب ذلك وانصياعاً لارادة المشرع الدستوري بهذا الخصوص.
نخلص مما سبق، ان المشرع الدستوري افرد في المادة (94) من الدستور تنظيماً خاصاً برفض القوانين المؤقتة لا علاقة له بالتنظيم الخاص برد القوانين العادية او الدائمة في المادة (93) منه، مما يجعل من الخطأ الخلط فيما بين البنيانين الدستوريين، تبعاً لأن المشرع الدستوري افرد لكل منها معالجة خاصة لها ذاتيتها المستقلة والمتمايزة عن الاخرى، مما لا يصح معه حتى القياس في الحكم بين الحالتين، لا لوجود النص الناظم للحكم في كل منهما فقط، وانما كذلك لان اي قياس فيما بينهما هو بكل تأكيد قياس فاسد، لاختلاف العلة في كل من المسألتين الدستوريتين
الا ان ذلك لا يعني بحال ان تكون القوانين المؤقتة في افضل من القوانين العادية (بحيث يبقى القانون المؤقت طيّ انتظار الارادة الملكية للموافقة على اعلان بطلانه مدةً تزيد على الستة اشهر)، وهو ما يتضح من جلاء السبب في افراد التنظيم الخاص بالقوانين المؤقتة في المادة (94) باعتبارها استثناء من الاصل، اي باعتبار الصلاحية في اصدارها استثناء من الاصل الذي يفرد للسلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان صلاحية التشريع، وهو ما حذا بالمشرع الدستوري الى فرض ضوابط وقيود عدة لضمان عدم خروج السلطة التنفيذية عن النطاق الذي حدده الدستور لها في اطار القوانين المؤقتة، والتي تبان جلية في عدد من المظاهر التي من بينها ضرورة اعلان القانون المؤقت فوراً بمجرد رده من مجلس الامة (صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع)
وفي اطار ممارسته للرقابة التي افردها او اناطها الدستور به وذلك بعد استرداده صلاحية التشريع. ثم، كيف تكون للملك ذات الصلاحية في مجال القوانين المؤقتة اذا علمنا ان القوانين المؤقتة انما تصدر ابتداء بموافقة الملك مما يتيح له فرصة الرقابة عليها، فكيف وبعد ردها من قبل مجلس النواب ان يعود ليمارس ذات الرقابة تلك عليها مرة اخرى؟ ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد.
والله من وراء القصد.....