حماس إلى المجهول

خروج قيادة حماس السياسية من معسكر المقاومة لم يكن بالشيء الغريب والمستهجن . فمنذ تأسيسها وبعد أعوام طويلة من تاريخ النضال الفلسطيني انطلقت حماس وهي تحمل بجعبتها أجندات خطيرة كانت أهمها الانقضاض على منظمة التحرير الفلسطينية التي ضمت في صفوفها كل أطياف وفصائل الشعب الفلسطيني على اختلاف أيديولوجياتهم وعقائدهم وقدمت التضحيات الكثيرة في سبيل تحرير فلسطين حتى تاريخ إبرام المعاهدة المشئومة .

لكن الرغبة لدى المعسكر الغربي والرجعية العربية بإيجاد البديل عن المنظمة لم يتوقف حتى لحظة تأسيس حركة حماس فقد غرس منذ تأسيسها قيادات لحفظ التوازن مع المنظمة والوقوف في وجه انجازاتها , وبقيت العلاقات الغربية مع الحركات الإسلامية هي الأقرب وان كان يعلن عن خلاف بين الحين والأخر مع بقاء الدعم المالي والغير محدود من قبل بعض الدول العربية حتى بات من الصعب السيطرة عليها فأوقفت بعض الدول دعمها وتحول الداعم الرئيسي لها من الجمهورية الإيرانية حتى وقت قريب .

شكلت حماس بالاتفاق مع حركة الإخوان المسلمين وبرعاية النظام الأردني الذي ساهم في تأسيسها الأمر الذي تحدث عنه الملك حسين رحمة الله في مذكراته والذي كان يعتبر الإخوان ركن من أركان نظامه ومع وجود بعض الخلافات بين الملك وقيادة المنظمة في ذاك الوقت شجع الملك حسين على هذه المساهمة في التأسيس وبقي الأقرب في فرض أجنداته على الحركة حتى نقطة الطلاق السياسي مع الإخوان

 فيما جاءت انطلاقتها أثناء الانتفاضة مما جعل البعض القليل من السياسيين الذين تنبهوا إلى خطورة مسعاها وتوقيتها , وقد شٌكل الجناح العسكري ( كتائب عز الدين القسام ) وهم من أبناء الشعب الفلسطيني الذين هم ثائرون بالفطرة ضد الكيان الصهيوني

 فقد اندفع العديد من الشباب المتحمس للانضمام في صفوف الحركة وكانت غالبيتهم لا ينتمون إلا لفلسطين يحترمون الخطاب ألإخواني لكنهم يعارضوه ، وإسرائيل المتابعة لكل الحيثيات والتطورات في الداخل الحمساوي كانت تسارع لتصفية هذه العناصر الثورية الصاعدة إن لم يتم عزلها من قبل القيادة السياسية لحماس وهذا ما شاهدناه للكثير من قادة حماس الغير منصاعة لقرارهم فقد تمت تصفيتهم أو استبعادهم عن القرار السياسي أو العسكري

 وخلال حقبة حكم مشعل وابومرزوق تم استقطاب عددا من رموز الحركة في الداخل وتعينهم مسئولين عن المواقع الحساسة للحركة لإبقاء زمام الأمور تحت السيطرة وهذا ما جعل رئاسة مشعل تستمر إلى يومنا هذا , ومع مقتل الجعبري القائد العسكري الذي قتل بعد زيارة مفاجئة لأمير قطر يضعك تحت علامات استفهام كثيرة وخصوصا بعد ما خلف مقتلة حصره في قلوب مقاتلي الحركة ورفاق دربه

 ومع الانقلاب المفاجئ الذي اتخذته قيادتهم السياسية ضد الحرب على سوريا والخروج من دمشق يؤكد على أنها كانت تقوم بعين للإخوان داخل سوريا .

فأما الرهان على التحالف مع أميركا وأعوانها لا يبعث بالتفاؤل على بقاء حماس على الوجود وسيصبح مصيرها في المجهول , في حين أن خلافات ظهرت بالشكل العلني بين قيادة حماس الداخل والخارج فالغالبية من المقاتلين لا يرغبون ببقاء خالد مشعل وأبو مرزوق على رأس الهرم القيادي وهذا ما هو ظاهر على الساحة الغزاويه في الآونة الأخيرة بعد مقتل الجعبري والمبحوح في دبي وخصوصا بعد التأكيد الذي جاء من قائد شرطة دبي بان التحقيقات تؤكد ان المعلومات جاءت للعدو الإسرائيلي من قيادة حماس الخارج

 والاعتداء على القيادي والمؤسس في الحركة الدكتور محمود الزهار من قبل عناصر تابعة لمشعل وابومرزوق لرفضه تحالفات حماس الطارئة ومنها الارتماء في أحضان قطر والانصياع لقرارات القرضاوي ومعاداة حزب الله ومحاولة قطر سحب مقاتلين من كتائب القسام من غزة للقتال ضد حزب الله في سوريا الذي اعتبرته قيادة الداخل محاولة لتفريغ القطاع من مقاتليه لتخفيف الضغط عن إسرائيل ومن ثم إنهاء المقاومة تدريجيا .

وهناك تخوف اخر من ان تغلق موارد الدعم المالي المقدمة من قطر وغيرها ان لم تقم بتنفيذ كل ما يطلب منها ولان هذا الدعم منذ بدايته مرهون بقدر التنازلات التي ستقدمها حماس على حساب الشعب الفلسطيني . فهل ستشهد الأيام القادمة زوال حركة حماس من الخارطة الفلسطينية

كما شهدنا زوال عدد من الفصائل التي كانت لها مكانتها وقوتها ولسبب ما انقرضت ولم يعد يؤتى ذكرها ... أم أن أبناء القسام سينقلبون على من توه بوصلتهم ويتمسكون بالحلف المقاوم؟؟؟