هل نعيش بداية الخطة البديلة؟؟
عندما قام الشعب المصري بثورته على حسني مبارك ونظامه, فرحنا له واحترمنا اختياره بفرض إرادته بشكل عام وأفرحنا بشكل خاص قراره بالتخلص من نظام جيّر إرادة المصريين على مدار ثلاثة عقود والحق الضرر الكبير بالشعب المصري مثلما ألحقه بالقضية الفلسطينية والعراق ولاحقا بالأمة كلها. وكل ما كان يقلقه ويشغله هو عقدة الريادة المصرية على العرب والعمل على إدامة المرجعية المصرية كأكبر دولة عربية اعتادت على المصادقة وعدمها على القرارات العربية.
ليس هناك من يتنكر للريادة التاريخية لمصر لكنها كانت ريادة شوهها مبارك وغير ملامحها حتى بهتت واختفى منها الكثير،والشعب المصري مطالب اليوم ليعيد مصر متربعة تقود شقيقاتها نحو الفلاح. والريادة كانت تعني له أكثر مما تعنيه صوابية القرار. وكلنا يذكر تصويت الزعماء العرب تحت رئاسته بالغالبية المتدنية بخصوص العراق وأعلن بنفس الجلسة أن التصويت بالإجماع وعندها احتج القذافي على تزوير مبارك وقلبه للحقيقة.
قبل وأثناء وبُعَيْد العدوان الأممي على العراق بقيادة أمريكا كان مبارك لاعبا أساسيا وخادما مطيعا وشديد الأمانة بالتوليف والتمهيد والترويج والتسويق لسياسة أمريكا وخططها التي حيكت ضد العراق. كان دائم الظهور على التلفزيون وبكل تصريح يعطي الأمان لأمريكا لتتمادى بصلفها وغطرستها, وفتح قناة السويس أمام البوارج الأمريكية لتنقض على العراق بنظامه الوطني العروبي.
ولعب دور السد المنيع والخانق أمام فلسطينيي قطاع غزة حتى أذاقهم الأمرين مانعا دخول المواد الغذائية والطبية وموقفا حركة النقل والتنقل للمرضى والمسافرين, إذ مصر هي المتنفس الوحيد لأهل غزة. كانت خدمات مبارك لأمريكا وإسرائيل لا تقدر بثمن.
وظل الحال كذلك حتى قدوم الإنفجارالعربي ونهوض الحركات الإسلامية وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، إذ أدركت هذه الحركة أن الطريق بات سالكا أمامها بفرض أجندتها وتحقيق طموحها بأحقيتها بالحكم. ولا يخفى على أحد أن هناك علاقة تواصل بين الإخوان وأمريكا وإن لم تكن معلنة رسميا ورغم خطابهم العدائي تجاه أمريكا. وهي علاقه تتسم بالود المشوب بالحذر والذي يتمثل بقناعة أمريكا بعدم جدوى تجاوز الإخوان بل من الضروري التعامل معهم بتحفظ وحذر شديدين.
قبلت أمريكا بتغيير نظام مبارك بعد أن قام بالدور المرسوم له خير قيام وأدى مهام وظيفته على أكمل وجه. وبنفس الوقت الإخوان بالنسبة لأمريكا لا يؤمن جانبهم ويمكن أن يشكلوا حجر عثرة أمام تنفيذ رغباتها من سيطرة على القرار العربي وثروات الشعوب. والحذر الأكبر من قبل أمريكا يأتي من قناعة مترسخة ومتجذرة بأن أسباب الصحوة والإنتفاض بوجه أمريكا متوفرة بالإسلام كدين ويمكن أن تفعل بأية لحظة لتعبئة الناس وإعادة تأهيلهم فتسبب قلقا مكلفا لها ولإسرائيل.
وأفضل مثال, تركيا التي استوفت كل الشروط لانضمامها للسوق الأوروبية والإتحاد الأوروبي ولم تكسب رضا أوروبا بعد بسبب ما يدين به الناس وهو الإسلام المقلق لهم. فكيف الخلاص من الحركة الإسلامية وإجهاض ما يمكن أن يتحقق بحال وصلت للحكم؟؟
القضاء على الحركة بالبطش والقمع والتصفية، أساليب باتت من أدوات الماضي ولم تعد تتناسب بزمن العولمة وثورة الإتصالات ووعي الشعوب وعدم سكوتها أمام القمع وعدم إستسلامها لعنف الدولة. والخطة البديلة كانت تهيئة الظروف والدفع باتجاه تسهيل وصول الإخوان للحكم وتمكينهم من السيطرة ومن ثم خلق المنغصات والعثرات والعمل على إفشالهم عن طريق خلق زعامات تمولها وتوجهها وعن طريق دعم وتشجيع الأحزاب المعارضة والقوى المناوئة على التصعيد والتجييش والإصرار على المطالبة بتغيير النظام الإخواني. وتلك رسالة تحاول أمريكا تمريرها للشعوب العربية وعلى رأسها الشعب المصري بأن الإخوان قد أخذوا فرصتهم ومارسوا الحكم ولم ينجحوا بإدارة الدولة وتجميع الناس ولم يتمكنوا من كسب قلوبهم وعقولهم، فلا أسف على غيابهم وتنحيهم عن المشهد السياسي.
وأمريكا بعد أن زجت بهم إلى قمة الهرم، لم يعد أمامها سوى خيار زجهم لينحدروا وينتهوا. وهذا ما حصل مع نابليون بونابرت عندما وصل إلى ما لم يصله غيره من القادة فبلغ أعلى درجة بالسلم وبعدها بدأ بالإنحدار ثم انتهى. لكن ما يحزننا ويقلقنا ويثير فزعنا على مصر وشعبها هو ما يمكن أن يلحق بها من عدم الإستقرار وزعزعة الأمن مما يسهل نهشها وهي رائدة العرب بشعبها العظيم. وأقولها بمنتهى القناعة والإيمان والثقة بأن خير العرب لا بد قادم من شعب مصر رائد الشعوب العربية الذي لم يقبل يوما الخضوع ولا الإستكانة أمام مستعمر مثلما لم يقبلهما أمام زعيم جائر.
السؤال الملح: ما مدى توافق وإنسجام الأحزاب والقوى المعارضة ومدى ضمان إستمرارية توافقها وإنسجامها بحال إنتهاء حكم الإخوان؟؟ التوافق اليوم يأتي من الإلتقاء على هدف إزاحة النظام الإخواني, لكن غدا ربما ينفرط الهدف الجامع بقصد المحاصصة وشعور كل حزب أو جهة بأحقية بالحكم والأهلية أكثر من الآخرين, وهنا الطامة الكبرى. نسأل الله أن يجنب مصر وشعبها كل مكروه.
هناك إنقسام واضح بين الشعب نفسه والأحزاب نفسها. فهناك المؤيد للإخوان وهناك المعارض وهذا ما يجعل المشهد القادم أكثر قتامة وخطورة وحساسية مما يجعل الباب مفتوحا أمام اندفاع الناس نحو الإقتتال والتصفية لا قدر الله فيهلك الناس وتبتعد مصر عن دورها المحوري وتفقد ثقلها وتوازنها لتنشغل بالداخل.
نقول للعقلاء من الطرفين أن يضعوا مصلحة مصر الوطن والشعب نصب أعينهم وليكن همهم مصر وشعبها وليس الحكم والسلطة. كما ندعو الزعماء العرب أن يسهموا بتهدئة الأوضاع ما استطاعوا بتقديم النصح الخالص لمصر وشعبها وليس لتغليب فئة على أخرى, وألا ينساقوا خلف رغبات أمريكا التي تدمر الأوطان وتنهك الشعوب حتى لا تقوم لها قائمة أمام مدللتها إسرائيل.
كفانا ضعفا وتمزيقا بتحييد مصر (كامب ديفيد) والسلطة الفلسطينية (أوسلو) والأردن (وادي عربة) والعراق (أسلحة الدمار الشامل) وسوريا (الكيماوي والدم السوري).
لن ترتاح أمريكا إلا بعد أن تنهك شعوب المنطقة بالتجويع والتضييق والتمزيق وتشغل كل شعب بشؤونه الداخلية ولا تبقي أمامه أية خيارات يمكن أن ينفذ من خلالها. وبذلك تكون قد أمنت على مدللتها واطمأنت على تسيدها للمنطقة وتكون قد خففت عن نفسها عبئا ثقيلا, إذ حمايتها لإسرائيل تكلفها الكثير ماديا وبشريا وسياسيا. فهل يعقل ويعي قادتنا هذا الواقع؟؟ حمى الله الأردن والأمة والغيارى عليهما.
والله من وراء القصد. ababneh1958@yahoo.com