الزرقاء: مدينة طاردة وبلدية عاجزة ينخرها الترهل وتخبط الإدارات؟؟!!
جراءة نيوز - اخبار الاردن :
لعل الوصف الأدق لمدينة الزرقاء هو ما أظهرته برقيات دبلوماسية أميركية سربها موقع "ويكي ليكس" العام الماضي، بأن "المدينة أصبحت رمزا لاضمحلال المناطق الحضرية والتدهور البيئي، ما جعل خطط سكانها تتمحور حول مغادرة المدينة بأسرع وقت ممكن فور توفر المال الكافي للقيام بذلك".
ورغم أن آفتي الفساد والترهل وغياب مبدأ الحساب نخرت جسد بلدية الزرقاء وتركتها عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين في حدها الأدنى، لكن النتيجة الأخطر كانت في فقدان سكان المدينة الثقة في أنها ستكون قادرة على حل مشكلاتهم وتحسين واقعهم المجتمعي مهما كان شكل المجلس البلدي القادم.
أوضاع بلدية الزرقاء والأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها تقود إلى توجيه الاتهام إلى "الفساد والواسطة والمحسوبية" من جهة ووجود "منتفعين من بقاء الوضع على ما هو عليه"، ما يعني بالنتيجة ترهل البلدية وتضخم الفساد المالي وغياب المسؤولية.
وصف يكاد يكون "مثاليا" لدى رامي الهامي، أحد سكان المدينة إذ يقول إن الزرقاء لم تعد صالحة للسكن ولا حتى للعمل، فهي عبارة عن "عشوائيات مزدحمة تحيط بها الملوثات من كل جانب، شوارعها المدمرة تختنق لأبسط الأسباب، ويسودها توتر اجتماعي قابل للانفجار في أي لحظة".
يقول رامي، الجهات المعنية "غير معنية" بحل أي مشكلة مهما كانت بسيطة فهم "لا يعانون مثل باقي المواطنين، بل إن معظمهم لا يقيمون في المدينة"، مضيفا أن مشاهدة أطنان النفايات ومئات آلاف الحفر وآلاف المناهل المكشوفة وحجز الشوارع والأرصفة من جانب الباعة المتجولين فضلا عن ضيقها باتت العناوين الأبرز للمدينة.
ويحمّل رامي، البلدية المسؤولية عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، قائلا "هي التي رخصت لصالات الأفراح والمولات والأسواق التجارية والمقاهي في جميع أحياء المحافظة دون أن يتوفر لمعظمها مواقف سيارات أو أماكن اصطفاف للحالات الطارئة".
ويقول إنه وقبل عام تشاجر سائقان على أحقية كل منها بإيقاف مركبته في منطقة الوسط التجاري فأقدم احدهما على قتل الآخر، وهي حادثة تكررت قبل ثلاثة أشهر لذات السبب وخلفت النتيجة ذاتها، أما "المسؤولون"، وفق رامي فتسبقهم سيارات مهمتها توفير المواقف لهم ولأبنائهم سواء أكانوا في مهمة رسمية أو لتبضع أو حتى للاستعراض".
أما المواطن جمال الخطيب فقال إن تردي البنية التحتية وسوء الخدمات العامة مرده الفساد المالي والإداري الذي نخر جسد البلدية ولم يتركها عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات فحسب، بل والامتناع عن أي فعل يعود بالخير على المدينة وسكانها، قائلا إن "المجلس البلدي الذي سمح بتعيين أكثر من 1500 موظف من المحاسيب والمعارف في البلدية دون أن تكون لهم أي وظيفة "أجرم" بحق المدينة وسكانها.
ولا يختلف رأي الآلاف من سكان الزرقاء عن رأي رامي وجمال في المدينة التي ولدوا فيها، إذ تتركز احتجاجاتهم وتذمرهم ونقدهم اللاذع على تردي البنية التحتية وسوء الخدمات العامة، وما ينتج عن هاتين المشكلتين من مشاكل يومية وهي مهام تقع في معظمها مؤسسة الحكم المحلية (البلدية).
ويرى المواطن ياسين محمد أن "أصحاب النفوذ والاستثمارات كانوا مستفيدين مما كان يجري في الزرقاء، وسخروه لصالح منافعهم الخاصة مقابل غضّهم النظر عن تجاوزات كثيرة، ما جعل مشاكل المدينة تتراكم وتكبر ككرة الثلج إلى الحد الذي بات من الصعب إصلاحها دون تدخل جراحي" بحسب ياسين.
المواطن خالد محمود يعزو تفاقم المشاكل في الزرقاء من عام لعام إلى عدم اكتراث الجهات المعنية بما يعانيه المواطن، ويقول "فقد المواطن ثقته في الجهات المسؤولة عن إيقاف التجاوزات على حقوق المواطنين فلا تجد أي جهة يمكن أن توقف أي تجاوز على المواطن". ويضيف انه وقبل أشهر قام احد سكان شارع طارق بن زياد بإغلاق الشارع بأكوام من الاسمنت والحديد في تحد لسكان المنطقة الذين ما تركوا جهة إلا وابلغوها بما فيها طوارئ الأمن العام دون جدوى، استمر إغلاق الطريق لأشهر حتى اكتمل بناء ثلاثة طوابق ومن ثم أعاد فتحه طواعية رغم أن الطريق يستخدم من قبل سيارات الإسعاف ومركبات الطوارئ.
ويعرض احد السكان وهو ماهر حسن أن الأرصفة، في معظم مناطق مدينة الزرقاء لم تعد مكانا لمسير المشاة بل تحولت إلى واجهات لعرض بضائع التجار،ويقول "في الزرقاء نسمع جعجعة ولا نرى طحنا"، في إشارة إلى كثرة تصريحات المسؤولين حول حل مشكلات المدينة.
كذلك يستهجن احد السكان وهو موسى عماد، غياب الردع العام لبعض السلوكيات التي تمارس جهارا في المدينة وخاصة التحرش اللفظي والجسدي بالنساء والرجال على حد سواء، أو الظاهرة التي بدأت بالبروز منذ عامين إلا وهي اصطحاب الكلاب الضالة إلى الشوارع العامة، مبينا أن كل ذلك يتم على مرأى ومسمع الجميع.
مشكلات يرى المواطن فراس إبراهيم أنها نتاج طبيعي لعقود طويلة من سوء التخطيط والتنفيذ والعشوائية والاكتظاظ السكاني.
الا أن البلدية التي عانت ترهلا ماليا وإداريا على مدار أعوام عديدة ترزح هي الأخرى تحت وطأة مشكلات مالية ووظيفية، إلى درجت دفعت برئيس لجنتها الحالي المهندس فلاح العموش بالتحذير أمام وزراء ونواب مرات عدة من أن "البلدية أضحت عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الضرورية للمواطنين".
فعلى سبيل المثال كشف العموش عن وجود 800 موظف في البلدية "لا يحضرون إليها إلا لاستلام الراتب". وان عدد عمال النظافة في البلدية يبلغ 650 من بينهم 450 عاملا وافدا، على الرغم من أن سجلات البلدية تشير إلى وجود 1450 عامل نظافة.
وقال إن هناك "دائرة في البلدية تضم 84 موظفا مهمتهم الوحيدة الرد على الهاتف، على الرغم من أن العدد الفعلي للموظفين المطلوب لهذه الدائرة 6 موظفين فقط".
وأشار العموش، الذي باشر عمله منتصف شهر تموز (يوليو) العام 2010، إلى أن "التدقيق والمتابعة في عمل البلدية كشف عن سلسلة من المشاكل التي ما تزال تعاني منها البلدية، ومنها عدم قيام البلدية بتوريد أموال الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي عن موظفيها إلى الحكومة، الأمر الذي رتب ديونا على البلدية تجاوزت 13 مليون دينار".
وقال العموش، إن المشكلة المالية التي تعاني منها البلدية، تنعكس سلبا على مستوى الخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين، حيث إن الديون المترتبة عليها في العام 2010، بلغت نحو 13.5 مليون دينار، والتي أدت إلى كشف حسابها الجاري لدى البنوك.
وبين العموش أن 80 % من تلك الديون كانت تنفق كأجور لنحو 4125 موظفا ما قبل عملية الهيكلة، والذين يشكلون عبئا إداريا على البلدية، إذ إن المبالغ التي تنفق من إيراداتها لهؤلاء ارتفعت ما بعد الهيكلة إلى 90 %.
وينفق ما تبقى من إيرادات البلدية لسد نفقات الكهرباء والمياه والمحروقات وغيرها، والتي أثقلت الكاهل الإداري فيها، حيث لم يعد قادرا على تلبية احتياجات المواطنين في حدها الأدنى، ما أدى إلى فقدانهم الثقة في أنها ستكون قادرة على حل مشكلاتهم وتحسين واقعهم المجتمعي."الغد"