رياح الربيع العربي من تطبيق الشريعة الى تطبير الشيعة

 منذ أن هبّت رياحُ الرّبيع العربي العاصفة ؛ تطاولت بين المسلمين راياتُ الحزبيين بألوانها الخادعة وحركاتها التالفة ، وتكشفت – بصورة أكبر - عوراتُ الأمة من التشرذم والتفرق والاختلاف ، وشيوع الجهل والعصبية والانحراف ؛ فازدادت وهناً على وهنها ، وازدرت ما كان به عزّها ومجدها ؛ هجر الناسُ أهلَ العلمِ والسّنّة الفقهاء ، وأتوا الأصاغرَ والسّفهاء ، نطق الرويبضة !

 ونعق من الغربان مَن لم يخرجْ – بعدُ – من البويضة ! . أحوالٌ مُسمّمةٌ مَريرة ، وأوحالٌ مُقسّمة خطيرة ؛ لم تُبقِ لعاقل الحقّ مقاماً ، ولا لقائل الصدق مقالاً ؛ فعاثت في الخلق ذئابُ العلمانية المُحترفة ، و رؤوس الفرق الدينية المُنحرفة ، واقتاد النّاسَ أزمالُهم وأراذلُهم - تنكّبوا سواء السبيل وركبوا سوء الدليل – فضلّوا وأضلّوا.

سقطت أنظمة سياسيّة وتهاوت ، واستلم زمامَ الحكم من لبس ثوب الدعوة إلى تطبيق الشريعة ؛اغتر كثيرٌ من أهل الإسلام بهم ، وانجرّ بعض الدعاة وأهل العلم إليهم،واستقوى أتباعُهم - هنا وهناك – بصيتهم وصوتهم وصولتهم !؛ فما لبثت القشور المعجونة بماء السياسة المستوردة إلا أنْ تصدّعت ، ونزّت – بل تدفّقت - من الشقوق (موادٌّ حافظةٌ) للعهود والمواثيق الدولية ،والدساتير المدنيّة ، والعلاقات السياسية الوديّة ولو مع الدولة اليهوديّة .. !.

وسِعَ علماءَ أهل السنة التحفّظُ على كثيرٍ من هذا الواقع والتعامل معه وفق الضوابط الشرعيّة المتعلقة بأساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و مناصحة الحكام وولاة الأمر ، والثبوت على الدعوة إلى الخير ( الكتاب والسّنة ) وتربية الناس عليهما ، والذّوْد عن حمى العقيدة والتوحيد والسّنة ؛ وقطع الرؤوس المتطاولة عليه بسيف العلم والحق والحجة والبرهان ؛ فأمّا تمسكهم بهذه الأصول الشرعيّة العامة ،والمناهج العملية الهامة فإنما هو لِما أدركوه من سطوة السياسة العصريّة على الدول الإسلاميّة زمناً طويلاً من الدهر ، وتغيّر الأحوال الدينيّة والاجتماعيّة من أدهى إلى أمرّ ،وعلمهم أنّ أيّ دعوة إسلاميّة لا بدّ لها من اعتبار التدرج في التربية والإصلاح ومعالجة الفساد المنتشر المستمرّ ، وحفظ أولوياتها المقدّمة - في العمل والجهد – عند السلف الصالح ومنهجه العلمي المستقرّ ؛ وبخلاف هذا سيكون الفشل هو المرجّح ، وستتعمق الجراحات وتُفضح ، وستبقى الأمة عالقة بين المناهج الفكرية المُبْتَدَعة تتأرجح ،أو الذهاب في سراديب التيه بين الفرق الضالة تترنّح ! .

اليوم – ومع رياح الربيع العربي الشنيعة – نلْمحُ بأبصارنا خروج أفاعٍ سامة من أكمام بعض أهل السنة ! ؛ وقد عاشت بفكرها وكفرها قريباً من جلودهم سنين طويلة – مُنخدعين بملمسها الرقيق الناعم ، وتحرّكها الوهمي الدّاعم ! . دعوات التقريب مع الشيعة الرافضة تحت شعارات ( الوحدة الإسلاميّة ) و ( حشد القوة أمام العدو الصهيوني ) و ( يعذر بعضُنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ! ) و ( نبذ الطائفيّة! ) كانت تجد قبولاً عند طيفٍ واسع من أهل الإسلام وذلك قبل ما يسمى بالربيع العربي ؛ غير أنّ الرجاء باندثار تلك الدعوات قد أخذت من آمالنا نصيباً وافراً لا سيّما بعد تلكم الأحداث الموجعة في سوريا ، وانقشاع الغبش الذي اكتنف حقيقة العقيدة عند أولئك القوم من أثر التقية التي يمارسونها مع أهل السنة ،ناهيك عن الجهود التقريبية للإخوان والجماعات الحزبية؛ والتي سطروها في كتبهم وخطاباتهم خلال عقود خَلَت كانوا فيها على ودّ معهم وصفاء يُعاكس ما هم عليه مع المُحذّرين والمُنذرين الصادقين من علماء السّنّة .

تطفو الآن على السطح دعوة – أو قل : عودة – مبطّنة للتقارب و ( التعايش! ) مع الشيعة الرافضة ، وتمهيد الطريق لهم في مسعاهم خلق وجود متنامٍ في بلدان أهل السنة ؛ ولكن هذه المرة بصبغة سياسيّة بحتة في الظاهر ؛ إذ تأتي بصيغة التعاون الاقتصادي والثقافي ، والعلاقات الدُوليّة ،وغير هذا من المسمّيات المُسمّمات .. ؛

والعجبُ أن يصدر هذا ممن رفعوا راية تطبيق الشريعة في حملتهم وحميّتهم من أجل الوصول إلى كرسي الحكم والسلطة ؛ فإذا بشأنهم الجديد يُنسينا أمرَ سؤالهم عن الدين والشريعة ومصير الراية التي رفعوها ؛ويدفعنا إلى وضع الأيدي على القلوب وحبْس الأنفاس لهذا التقريب المريب لمن لا ينفكون عن الكيد لأهل السنة وتربّص الدوائر بهم ،واستباحة دمائهم ،والطعن بسلف الأمة الأبرار وعلمائها الأخيار . بعض الدّاعمين لمن تولّى كِبْرَ هذا التقريب وصحْبُهم ، ومن لفّهُ مذهبُهم ؛ ومن تحمّس بالأمس لوصول الإسلاميين للسلطة وتطبيق الشريعة - فشاركوهم بالخيل والرجال والمسير، والخيال والمقال والتفكير والتبرير – لم يجد من الأعذار والاعتذار إلا ما هو أقبح من الذنب نفسِه ؛ فمنهم من رهن التقريب والصفاء مع الشيعة بتركهم دعم النظام الحاكم في سوريا ! ؛وكأنّ هذا الدّعم أوّلُ وآخرُ ما يُنكر على القوم !، ومنهم – في صحيفة حزبيّة هنا - بات يهذي بثقل إيران في المنطقة والذي يجب أن يكون " مدعاةً للاهتمام بالعلاقة معها لا توتيرها "!؛ على حدّ تعبيره وتفكيره الذي لم يُسْعفه لإدراك ما تجنيه حاضنة الشيعة في تدمير الدول العربية السنية ، وأعماهُ عن تقتيلها – مع حزب الله – لأهل السنة في سوريا ؛ فأي علاقة نرجوها معهم ؟

 وهذا آخر يقول بأن " التطبيع مع الكيان الإيراني هو من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّته ! " ولا نجد – هنا – إلا أن نسترجع لمثل هذا الكلام المتهافت الباهت ، وأمّا المنظّرون من الجماعة فقسمٌ لاذ بالسكوت وآخر قد أتى مسألة التقريب بالنقد والتحذير ولكن على استحياء واستياء لكيلا يُشْمِتوا بحزبهم المخالفينَ والأعداءَ .. ؛و ليس هذا بغريب على أمثال هؤلاء " فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاهُهم أو رياستُهم وما نُسب إليهم ،لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كلّه لله " كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( منهاج السّنة النبويّة 5/255).

جماعة الإخوان المسلمين – وغيرهم من الواصلين للسلطة في دول الربيع – لن يكون بمقدورهم تطبيق الشريعة بتلك السهولة التي توهّموها وأوهموا الشعوب بها ؛ فإنّ للسياسة العالميّة أحبالُ علاقات ملتوية متلوّنة ،وأوحالٌ في العداوات والدعوات مُنتنة ، وأنظمة اقتصاديّة وإعلاميّة مُرتّبة ، وغير هذا من مُشكّلات وخفايا السياسة العصريّة التي لا يستطيعون اختزالها أو اعتزالها ولو حرصوا ؛ ناهيك عن تفرّق أبناء الوطن الواحد واختلاف قلوبهم ومشاربهم الدينيّة والفكرية ؛الأمر الذي كان دوماً يدفعنا لندائهم وتوجيههم نحو حقل الدعوة إلى الله تعالى

وتربية الأمة على العقيدة والتوحيد وصالح الأخلاق؛ وإلّا كانت النتيجة ما ترونه اليوم من الصراعات والمشاحنة والعداوة والبغضاء ، والتنافس المحموم أو الاقتتال على السلطة بين أهل الإسلام . يقتضي الإنصافُ عند النقد، ومعرفةُ القواعد العامة في فقه النفس وفهم الواقع شيئاً من تبرير عجزهم عن القيام بتطبيق أحكام الشريعة لأسبابٍ ومعوّقات عديدة سبق هنا ذكرُ بعضها ؛ لكننا لا نجد لهم ما نعتذر به عن التقارب مع المحرّفين لكتاب الله تعالى، الطاعنين في أعراض الصحابة ، والمستبيحين لدماء أهل السّنّة ؛ وتمكينهم من التسلل بيننا - تحت أيّ حُجّةٍ أو مُسمّى! – ، والإتيان بهم إلينا ؛ فينشرون دينهم ، ويلبّسون على العامة عقائدهم ؛ فهذا خيانة لله ورسوله ، ومن أخطر ما به نُقوّضُ الدينَ ، وننقضُ عقيدة الموحّدين .

ليس ( التطبير ) أو الإدماء عند الشيعة مجرّدَ طقوسٍ يمارسونها في مناسباتهم المعروفة كعاشوراء والأربعين وذكرى مقتل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - ؛ بل هو – أيضاً – من العقائد المميِّزة لهم و التي يتداعون عليها ،ويجمعون الأدلّة لها ؛ فإن أتت به رياحُ الربيع العربي – ونراها تأتي بكثيرٍ من السّم والسَّمُوم – إلى الأراضي السُّنّية ؛ فأيّ ربيعٍ سينبت فيها ؟ وما لونُه ولونُ أزهاره وثماره المرويّة بدماء التطبير؟! لعلّه سيكون أسْوداً كعمائم القوم ..! ؛ واللهُ – عزّت قدرتُه – هو المُنجي من الفتن والنوائب ،والمحن والمصائب ؛ عليه نتوكّل وبه نستعين .