التسلط والبلطجة ... الفكرية ... ؟؟؟

يشكل الحوار ازمة واضحة بين المتحدثين في اي مجلس كان فمن النادر ان يمر النقاش او الحديث بغير تنابذ وتخالف وصراخ وتضييع الوقت بغير نفع وقد درجت الكثير من البرامج الفضائية على استضافة نخب الى برامجها لمناقشة مواضيع مختلفة .

وكنا نشاهد العجب العجاب ثم يتساءل ذووا الحلم والبصيرة اذا كان هذا هو حال اهل الرأي والدراية فما هو حال من هم دونهم من عامة الناس . ان البنية الثقافية التربوية الاجتماعية هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن اشكالية اللاتفاهم وعدم القدرة على خوض حوار ونقاش مثمر لان غالبية المحاورين بمدلول اللغة ليس اكثر من كلمات والكلمات هي وعاء للافكار والافكار هي مخرجات العقل والعقل يتشارك في معالجة معطيات المعرفة مع القلب باعتبار ان القلب مركز رمزي للعواطف .

فاذا كان هناك مشكلة عند احدهم في الحوار والتفاهم فلا بد ان نبحث عن الخلل في هذه العناصر الثلاث العقل والقلب واللسان احاديثنا معظمها ثرثرة ومزاعمنا لا حدود لها لقاءاتنا اصبحت فرقة وحوارنا جدل والجدل اذا عرفناه بمعناه الفلسفي له دور خلاق وايجابي كما هو معروف فمثلاً الجدل عند الفيلسوف هيغل الفكرة ونقيضها تدمر بعضهما البعض وكل منهما تستنفذ طاقة الآخر وتكون سبباً في احباطها

وكذلك تكون غالبية حواراتنا مجرد رأي في مخالفة رأيك والنقاش معركة لتصفية الخصم ولن تخرج من الحوار والنقاش برأي ثالث اكثر نضجاً انه حوار الطرشان وكون ان المجتمعات لا تطبق مفهوم العدالة الاجتماعية فتكون بذلك سبباً رئيسياً في خلق ونمو ظاهرة التسلط واتساع مساحة الفردية والانانية على حساب الجماعة اي ان هذا يشجع على انتشار روح الفردية في ثقافة وتربية المجتمع والحوار احد اشكال السلوك او التفاعل الاجتماعي بين الافراد الذين ينفعلون بمثل هذه التربية والتسلط السياسي هو احد الاسباب التي تؤثر بصورة او بأخرى في المجتمعات وتؤدي الى انعكاسات سلبية ذات اشكال مختلفة سواء عند الطبقة المثقفة والسياسية او عند الشعب المهمش والمغلوب على امره وبسبب انخفاض المستوى المعرفي وانتشار الجهل والوعي السياسي والمجتمعي

فعندما يكون الفرد قد خضع لتربية تسلطية تقوم على فكرة الرأي الواحد فهو في الحوار اما يكون شخص لديه تحصيل معرفي جيد والمام بموضوع النقاش فنجده يتصرف في ضوء التربية التسلطية التي نشأ فيها فتنعكس في اسلوبه المتعجرف والتصرف الغير لائق اي اهوج ويكون هذا السلوك حاجز يحول دون تقبل رأيه من الاخرين حتى ولو كان على صواب بسبب هذه الاسلوب وهناك الشخص الجاهل الذي يحاول ان يعوض نقص المعرفة لديه بالصراخ والزعيق على الطرف الآخر الذي قد يمتلك المعرفة الجيدة بموضوع الحوار والنقاش لكن تحت ضغط وتسلط وجهل الطرف الاول لا يستطيع ايصال فكرته ورأيه وهذا ما نشاهده في مناقشات القوانين والمواضيع التي تهم المواطن سواء في مجلس النواب او في الحوارات التلفزيونية وغيرها من المجالس والندوات من التسلط والبلطجية الفكرية

والاساليب التي تتنافى واخلاقيات وادب الحوار البناء وفي اطار مشابه يتحدث المفكر الاسلامي الكبير مالك بن بني في مؤلفه ( ميلاد مجتمع ) عن ما يسمى بشبكة العلاقات الاجتماعية المقطوعة بين فئات المجتمع كأحد الاسباب في ضعف المجتمع وتفككه وجعله عرضه لتسلط البعض وفرض سيطرته ورأيه ومنع اي حوار بناء مبني على احترام الرأي للرأي الآخر وبما ان المجتمعات لدينا اصبحت تغوص في اوحال خلافات وصراعات مختلفة وصلت الى حد المواجهات المسلحة وقطع الطرق وقتلى وانعكاسات سلبية خطيرة من حيث الاخلال بالامن والامان فمن الطبيعي ان تنقطع شبكات التواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع الواحد وبين المجتمعات المتجاورة في نفس الوطن الواحد .

حتى وصل الامر لان يكون شبابنا طالبي العلم والعمل دروعاً بشرية لصراعات زعامات واصحاب اجندات لفرض انفسهم كزعامة تسلطية على المجتمع ولفرض الامر الواقع على الجهات المعنية ليثبت لهم ان الحل والربط بيده لتحقيق مصالحه ومنافعه الشخصية .