مفاجآت الانتخابات الإيرانية
الانتخابات الرئاسية الإيرانية قدّمت لنا حزمة من المفاجآت لم تخطر على بال أحد، فالسكوت الذي ران على الساحة السياسية طوال الأشهر الماضية تحوّل إلى صخب عالي الصوت في الأسبوع الأخير، والتقديرات التي تحدّثت عن عزوف البعض عن التصويت بسبب غياب الأسماء الكبيرة عن المرشحين، خصوصا بعد استبعاد الشيخ هاشم رفسنجاني، كذبها الإقبال الجماهيري الكبير على مراكز الاقتراع الذي تجاوز 80 في المئة في المتوسط، والتأكيدات التي تحدّثت عن حتمية الإعادة بين اثنين من المرشحين، بعدما بدا أنّ فرص الفوز متقاربة بين أربعة منهم على الأقل تراجعت بعد إعلان النتائج الأولية للفرز، حيث تبيّن أنّ الشيخ حسن روحاني متقدم بفارق كبير عن بقية المنافسين، الأمر الذي رجّح احتمال فوزه في السباق من الجولة الأولى، على الأقل حتى كتابة هذه السطور ظهر أمس.
والتقديرات التي سبق أن تحدّثت عن ترجيح كفة الدكتور على ولايتي باعتباره من القيادات التاريخية للثورة ووزير خارجية الإمام الخميني إلى جانب أنّه مؤيد من جانب علماء قم، وتلك التي راهنت على تأييد حرس الثورة لقائده السابق محسن رضائي، أو راهنت على مساندة الباسيج (قوات التعبئة) للدكتور سعيد جليلي باعتباره رجل المرشد الذي اشترك في القتال وفقد ساقه في إحدى المعارك، هذه المراهنات كلها لم تصمد أمام الإقبال الشعبي الجارف الذي رجّح كفة حسن روحاني رجل الدين الوحيد بين المرشحين.
وفي حين تواترت في أوساط الباحثين مقولة ادّعت أنّ السيد محمد خاتمي سيكون آخر رئيس معمم في الجمهورية الإسلامية فإنّ الانتخابات نسخت هذه الفكرة وقدّمت لنا نموذجا لرئيس معمم ولكن من طراز آخر، لأن الشيخ روحاني الذي يجيد 4 لغات درس العلوم الإسلامية في حوزة قم ثم درس القانون في طهران وحصل على الدكتوراه في القانون من جامعة جلاسجو في إيرلندا.
ما الذي حدث حتى غيّر من التوقعات إلى تلك الدرجة؟ إذا حاولنا الإجابة على السؤال فستظهر لنا عدة عوامل هي:
ــ إنّ المحافظين توزعت أصواتهم على ثلاثة مرشحين ممّا أدى إلى إضعافهم جميعا. الثلاثة هم الدكتور علي ولايتي والدكتور سعيد جليلي ومحسن رضائي. أمّا الإصلاحيون فإنّهم اصطفّوا وراء مرشح واحد هو الشيخ حسن روحاني، بعدما تنازل له المرشح الإصلاحي الآخر محمد رضا عارف، الذي كان مساعدا للرئيس السابق محمد خاتمي.
ــ إنّ الرأي العام الإيراني الذي صدم لاستبعاد الشيخ هاشم رفسنجاني من بين المرشحين، الأمر الذي فتح الباب للحديث عن شيوع السخط وقدر البعض أنّه سيكون سببا فى ضعف الإقبال على التصويت، هذه الشرائح جرى استنفارها وسارعت إلى التصويت حين أعلن الرئيسان السابقان رفسنجاني وخاتمي تأييدهما لروحاني، وهو الإعلان الذي تم في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية وأسهم في انقلاب المعادلات والحسابات.
ــ إنّ الذين صوتوا لصالح روحاني قوة تصويتية وسطية ظهرت وتبلورت بعد مضي 34 سنة على الثورة. الأمر الذي تجاوز تأثير قواعد حرس الثورة والباسيج، وتجاوز أيضا دور مدينة قم في الحياة السياسية، وهي القوى التقليدية التي ظلّت الأقوى تأثيرا بعد قيام الثورة.
أحد الأسئلة التي يثيرها تقدّم أو انتخاب روحاني ينصبّ على تأثير ذلك على السياسة الإيرانية. وللإجابة على السؤال ينبغي أن نلاحظ أنّ رئيس الجمهورية في إيران ليس من يرسم السياسة الخارجية التي هي مع الأمن من الملفات التابعة لمؤسسة المرشد، لكن ذلك لا يلغي تماما دور رئيس الجمهورية الذي يظلّ دوره حاسما في الشأن الداخلي ونسبيا في الشأن الخارجي.
في هذا الصدد لا بد أن تستوقفنا التركيبة الوسطية في شخصية ومشروع الدكتور روحاني الذي هو ابن الحوزة الدينية وفي قُم، وفي الوقت نفسه، ابن جامعة جلاسجو في إيرلندا (التي حصل منها على الدكتوراه في القانون)، وهو العضو المؤسس في منظمة الروحانيين المناضلين (المحافظة)
كما أنّه محسوب على الإصلاحيين ومؤيد من جانبهم، وهو مندوب المرشد في مجلس الأمن القومي رغم ميوله الإصلاحية جنبا إلى جنب مع الدكتور سعيد جليلي المحافظ الذي يمثّل المرشد أيضا في المجلس، وهو ابن الجمهورية الإسلامية الحريص على نظامها، لكن له تحفظاته على سياساتها الخارجية حيث يدعو إلى مرونة أكبر في التعامل مع الغرب، وقد رفع عدد من أنصاره أثناء حملته لافتات دعت إلى التركيز على إيران بدلا من غزة ولبنان
وهي رسالة تثير علامة استفهام حول حقيقة موقفه إزاء السياسة الخارجية، خصوصا ما تعلّق منها بالتدخل الإيراني فى سوريا وموقف حزب الله في إيران. صحيح أنّه من المبكّر الإجابة على السؤال الآن، إلاّ أنّ المقدمات تستدعيه إلى الواجهة بعدما غيّبته ممارسات السنوات الثماني الأخيرة، مع ذلك فإنّني أتوقّع أن يتبنّى الرئيس المنتخب خطابا جديدا عند الحد الأدنى، حتى إذا لم يستطع أن ينتهج سياسة جديدة.