قوموا إلى جهادكم ...!

منذ إندلاع الثورات العربية في تونس نهاية العام 2010م، ومن بعدها في مصر وليبيا واليمن، وأخيراً سوريا، كان موقفنا واضحاً ينطلق دائماً من المنطلق الإنساني قبل أي شئ آخر، ليقف مع كل مظلوم أو مستضعف من أي شعب كان، إيماناً منا بحق جميع الشعوب في الحرية، والعيش بعزة وكرامة لا يمتهنها أحد، لكننا في الوقت ذاته كنا ننبه دائماً إلى ضرورة عدم الوقوع في مستنقع الإسراف في الإنتقام من الظالم، حتى لا يتساوى الطرفان في الظلم، وقد قال الله عزوجل في ذلك في الآية 33 من سورة الإسراء: ((ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً)).

نكتب اليوم هذه السطور والمنطقة العربية مقبلة على حرب دولية أصبحت أقرب إلينا من أي وقت آخر على ما يبدو، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض بالأمس بقرار تسليح المعارضة السورية، وبقاء الطائرات الحربية الأمريكية وصواريخ الباتريوت في الأردن بعد تدريبات 'الأسد المتأهب'، ووجود أدلة دامغة على إستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه، إضافة إلى الدعوة الصريحة للجهاد في سوريا التي أطلقها نخبة من علماء المسلمين المجتمعين بالأمس في القاهرة، في مؤتمر 'موقف علماء الأمة من القضية السورية'.

ونعود اليوم للكتابة في الأمر الذي إفتتحنا فيه مقالتنا، بعد أن رأينا عدة أمور إستفزت قلمنا للكتابة فيه من جديد من دافع غيرتنا على ديننا، الذي لا نقبل أن يسئ إليه أحد، أو يتاجر به لمصالح سياسية دنيوية كائناً من كان، فمن يبتغي النصر على الظالمين لا يمكن أن يحارب الظلم بالظلم، أو يستنصر الله عزوجل بظلم الآخرين، أو رد ظلمهم بظلم مماثل لظلمهم.

وقد تحدثنا كثيراً عن ظلم الأنظمة لشعوبها، ولكن هذا الظلم لا يمكن أن يعالج بشق أحد الثوار لصدر من يقتله من الجنود، وإستخراج قلبه ليمضغه بفمه، مبرراً ذلك بإجرام ذلك الشخص أو غيره، أو بإعدام شاب صغير لأنه كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وماكان محمداً أمرنا بهذا يوماً أبداً. وقد كنا كتبنا مقالاً يحمل عنوان هذا المقال لم ننشره في العام 2005م قبل 8 أعوام، وسواء كانت هذه أفعال من مندسين يريدون الإساءة للثوار أو غيرهم

إلا أننا رأينا ضرورة التأكيد من جديد على أن القتال دفاعاً عن الدين والأرض والعرض والكرامة، لا يمكن أن يكون إلا بما يحفظ كرامتنا وكرامة الآخرين، وأكبر مثال لنا في ذلك هو نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، والذي تعرض للإهانة والضرب بالحجارة من الأطفال، ولأسوأ التصرفات من بني قومه، ولكنه كان يرفض دائماً حتى الدعوة عليهم، بل كان يدعو لهم بالهداية، ونذكر هنا موقفه عندما طلب منه بعض المسلمين الدعاء على المشركين، ليرد عليهم بقوله الإنساني: (إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة) رواه مسلم، وموقفه يوم فتح مكة عندما كان بإمكانه أن ينتقم من كل من أساء له من غير المسلمين كيف قال لهم إذهبوا وأنتم الطلقاء.

هذه هي حقيقة ديننا الإسلامي الإنساني الحنيف، الدين الذي بعث نبيه رحمة للعالمين، يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يكن في قاموسه إنتقام أو تمثيل أو إهانة لأحد يوماً. تابعت قبل أيام لقاء إحدى الصحافيات مع أحد الشباب الأردنيين الذي يقاتلون في سوريا مع جبهة النصرة، وهو مصاب بعد فشل عمليته التفجيرية في قلب دمشق، حيث قال بأنه جاء مبايعاً لتنظيم القاعدة ليثخن في أعداء الله، وبأن هدفهم إقامة الخلافة الإسلامية في الشام، وأن غير المسلمين سيكونون مخيرين بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتل !!!

وسؤالنا لهؤلاء هو هل عندما قامت الخلافة الإسلامية قامت على دماء وأشلاء أهل المدينة، أم أن أهل المدينة هم من إختاروا قيامها بينهم؟ وأي خلافة يتحدث عنها بضعة مئات يخرجون ليقاتلوا مع الشعب السوري نصرة لهم، ثم يريدون إلزام الشعب السوري بأكمله بوجهة نظرهم بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو فكرهم، علينا أن نتذكر أننا يجب أن نكون خير سفراء لديننا في أوقات الشدة قبل أوقات الرخاء، ولا ننجر وراء مصالح سياسية أو أهداف دنيوية، أو ردات فعل عاطفية إنتقامية، قد تسئ لنا ولديننا، وتعطي أسوأ الأفكار عن دين تحمل نبيه سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم الويلات 23 عاماً من أجل خروجه للعالم بصورته الحقيقية، ديناً للمحبة والسلام والتآخي بين الناس.

ولكل من يحاول الإساءة لدين الإسلام من المنتمين له قبل غيرهم، نذكرهم بقصة سمرقند مع الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، هل تذكرونها؟ عندما وصل قائد الخليفة قتيبة بن مسلم الباهلي بفتوحاته إلى حدود الصين، ودخل سمرقند بجيشه دون أن ينذر أهلها، فما كان من أهلها إلا إرسال رسول للخليفة عمر بن عبدالعزيز لشكوى القائد قتيبة بن مسلم، ليرسل الخليفة أمراً بأن يحكم قاضياً مسلماً بين قتيبة وكهنة سمرقند، ويأتي الحكم بعدها بخروج جيش المسلمين لأنهم 'أرعبوا' أهل سمرقند !!!!

وقد كان رد القاضي على القائد قتيبة بن مسلم الباهلي عندما قال يومها إنها حرب، والحرب خدعة، بقوله: (يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين، وإجتناب الغدر، وإقامة العدل، والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهاداً في سبيل الله، وما خرجنا لنملك الأرض ونحتل البلاد ونعلو فيها بغير حق).

ويخرج جيش المسلمين أمام دهشة أهل سمرقند الذي توافدوا بعدها للدخول في هذا الدين لعظمته، هذا هو دين الإسلام الذي عرفناه وتربينا على مآثره، وإن كانت الدعوة اليوم للمسلمين ليقوموا إلى جهاد كل ظالم في كل مكان، فنحن معها ومع أن نقوم جميعاً أيضاً لجهاد أنفسنا، وعدم السماح لها بأن تسول لنا بالإساءة إلى ديننا السمح، لنبقى دائماً أحرفاً من ذهب في كتاب يسطر فيه تاريخ أمتنا.