متبقيات الأدوية البيطرية.. سموم بلا رقابة
جراءة نيوز - اخبار الاردن :
«ابتعت ذات مرة أربعة كيلوغرامات من لحم الجدي، وخلال تقطيع لحم منطقة الفخذ، تبين وجود كتل زرقاء فيه، فطلبت من اللحام أن يتوقف عن التقطيع ورفضت شراءه».
ويتابع المواطن أحمد سعيد «اسم مستعار»» ذهبت إلى الطبيب البيطري وسألته ما هي الكتل الزرقاء الداكنة في فخذ الجدي؟، فأجاب: «إنها حقنة أعطيت للجدي، لكن يبدو أنه لم يتماثل للشفاء فاستعجل الجزار عليه، وذبحه رغم مرضه، ضاربا بصحة المستهلكين عرض الحائط».
ويقول مربي الماشية «ابو رائد»: «أقوم بذبح المواشي المريضة التي لا تستجيب للعلاج قبل موتها، وبيعها للجزارين بسعر بسيط لتعويض خسارتي».
ماسبق من أقوال، يصف حال بيع المواشي التي تحتفظ أجسادها بمتبقيات الأدوية البيطرية، والتي تباع للمواطنين بغض النظر عن أضرارها السلبية.
عضو مجلس نقابة الاطباء البيطريين الدكتور يسار الخيطان يؤكد ان كثيرا من المزارعين لا يلجأون لاطباء بيطريين متخصصين لعلاج الامراض التي تصيب المواشي والدواجن، ما يسلط الضوء على قضية متبقيات الادوية البيطرية في اجسام الحيوانات، فالقضية لا تقتصر على ممارسة الطب البيطري لغير المؤهلين وانما تتعداها لسلامة وصحة المواطنين.
ووفقا لدراسات وابحاث علمية فان «متبقيات الادوية البيطرية في اجسام الذبائح مشكلة حقيقية تهدد صحة الانسان بأمراض خطيرة من سرطانات واورام وتشوهات وتحورات جينية للمواليد وفقدان الاستجابة للمضادات الحيوية، وتنتقل الى الانسان بعد ذبح الموشي والدواجن الخاضعة للعلاج من خلال تناول اللحوم البيضاء والحمراء ومنتوجاتها كالحليب والبيض».
مصادر طبية متخصصة تفيد أن «كثرة تعرض المواشي والدواجن للعلاجات والمضادات الحيوية غير السليمة تنتقل للانسان وتعمل على اضعاف مقاومة الجسم للامراض البكتيرية فيصبح غير قادر على الاستجابة للمضادات الحيوية والعلاجات عند اصابته بالمرض.
بيطريون بالممارسة
عادل «عامل مصري يعمل موظفا في صيدلية بيطرية بمادبا، ويقوم بمهام الطبيب البيطري من حيث «معاينة المواشي المصابة وتحضير العلاج الذي يراه مناسبا واعطاؤه لها». وهو حاصل على شهادة الثانوية، رغم أن قانون ممارسة مهنة الطب البيطري لسنة 1988 يحظر عمله ويشترط في المادة الخامسة أن «يكون حاصلا على شهادة الطب البيطري».
«أبو عماد» يملك 500 رأس غنم، يقول «منذ فترة طويلة وانا أرتاد صيدليات الطب البيطري عند ظهور اعراض مرضية على المواشي دون اللجوء للأطباء البيطريين، مضيفا أن العامل «عادل» يتولى عادة وصف الدواء بعد معاينته للمواشي».
وخلال جولة ميدانية «لكاتبة التحقيق «على تسع صيدليات وعيادات بيطرية في اليادودة ومادبا والجيزة، تبين ان صيدلية واحدة فقط يعمل فيها طبيب بيطري مؤهل.
ورصدت «كاتبة التحقيق «ان من بين من يقوم بمعالجة الحيوانات المريضة ووصف العلاج وتجهيزه واعطائه للحيوانات عاملا مصريا وفي اخرى مهندسا زراعيا تخصص انتاج نباتي، وان عددا منهم عمال لا يحملون شهادات جامعية ولا حتى ثانوية، تؤهلهم للعمل في هذا القطاع استنادا الى نص القانون.
ويوضح نقيب الاطباء البيطريين الدكتور نبيل اللوباني انه «ومنذ الثمانينيات اصبح يعمل في مهنة الطب البيطري ويشرف على علاج الحيوانات اشخاص غير متخصصين بالمهنة ولا يحملون شهادة الطب البيطري فاصبحت الادوية البيطرية تصرف بشكل عشوائي».
ويضيف ان «آن الاوان لعودة الحق لاصحاب المهنة لوجود عدد كاف من الاطباء البيطريين للعمل بدلا من المزارعين الذين لا يحملون شهادة مزاولة المهنة ويصفون الادوية بشكل عشوائي وليس لديهم خلفية عن الطب البيطري».
وتنص المادة العاشرة من قانون ممارسة مهنة الطب البيطري «على انه يجوز للوزير الترخيص للمهندس الزراعي الاختصاصي بتربية الحيوان وانتاجه ببيع الادوية البيطرية الجاهزة دون غيرها، على ان يكون قد امضى مدة لا تقل عن ثلاث سنوات في التعامل بتلك الادوية على ان يسمح للمهندس الزراعي بالاستمرار ببيع الادوية البيطرية بعد صدور هذا القانون اذا كان مرخصا له ببيعها بموجب اي تشريع اخر».
عشوائية التشخيص والعلاج
ورافق كاتبة التحقيق في جولاتها «الدكتورالبيطري يسار الخيطان «وعرفا على نفسيهما كأصحاب مزرعة للمواشي والدواجن وطلبا من الموجودين في الصيدليات استشارات علاجية،وكشف واقع الجولات أن «التشخيص ووصف الدواء للمواشي والدواجن يقوم به عاملون في الصيدليات».
وفي واحدة من «الجولات»، ابدى عامل مصري يعمل في صيدلية استعداده لمرافقتهما لفحص وعلاج مواش ودواجن مصابة بالمرض في مزرعتهما».
العامل انتحل صفة طبيب بيطري، وقدم نفسه على أنه «الدكتور محمد» علما بأنه لا يحمل أي شهادة علمية، واللافت ان مالك الصيدلية البيطرية التي يعمل فيها الوافد قدم لنا بطاقة تعريف للوافد باسم «الدكتور محمد» للاتفاق معه على تقديم خدماته العلاجية حال الحاجة لذلك.
ولتسجيل طرق واسلوب التشخيص المرضي ووصف العلاج عمدت «كاتبة التحقيق «لسرد حاله مرضية محددة للدواجن والمواشي لعاملين في الصيدليات البيطرية، وجاءت الاراء حولها، والتشخيص المرضي ووصف العلاج متباينة واختلفت من صيدلية لاخرى.
ويبدو أن عددا غير قليل من المزارعين يلجأون إلى معالجة الماشية المريضة استنادا إلى حفظ ألوانها دون معرفة استخداماتها الصحيحة، وهو ما يعني استهتارا كبيرا في المعالجة بغض النظر عن نتائج العلاجات السلبية على الماشية المعالجة أو على مستهلك لحومها.
ويقر عضو نقابة الاطباء البيطريين الدكتور زياد المومني بأن «عددا من المزارعين يقومون بمعالجة الحيوانات بالادوية البيطرية على حسب اللون ومن ثم عندما لا تجدي نفعا يقومون بزيارة الطبيب البيطري».
ويقول بأن «واقع الحال يشير الى استخدام الادوية البيطرية من قبل المزارعين وغير المتخصصين بالمهنة بعيدا عن موافقة ذلك للنصوص القانونية»، مشيرا إلى أن: «هؤلاء يقومون بوصفها واعطائها للحيوانات بطرق غير صحيحة واسس غير علمية، بالاضافة الى ممارسة المهنة من قبل اشخاص غير متعلمين وبكثرة، ومنهم من يكون عاملا وافدا دخل الى قطاع تربية المواشي والدواجن كعامل مزارع ومن ثم يصبح «طبيبا بيطريا».
ذبح قبل الموت
ولا يقتصر خطر وصف العلاجات الخاطئة وعدم الاستجابة للادوية بموت المواشي، وانما يتعداه الى ذبحها قبل ان تموت أوبيعها خلال فترة المرض والادوية لا تزال في اجسامها.
ويقول المزارع ابو رائد «عندما تسوء الحالة المرضية للخراف ولا تعود تستجيب للعلاج بالدواء البيطري، فانني اٌقوم بذبحها قبل ان تنفق ومن ثم ابيعها لملاحم تقوم بشرائها بسعر اقل من سعر الذبائح السليمة،بعيدا عن أعين الرقابة الصحية في المحافظة».
ويبين الدكتور الخيطان ان «ذلك يؤدي الى ظهور مشكلة متبقيات الادوية البيطرية في اجسام الحيوانات, والتي تنتقل الى الانسان بعد ذبحها لتسبب أمراضا خطيرة من خلال تناول اللحوم البيضاء والحمراء ومشتقاتها من الحليب والبيض».
وعاينت «كاتبة التحقيق»،عددا من الملاحم «المجازر» فتبين أنها تقوم بذبح المواشي داخل غرفة صغيرة في «الملحمة» ذاتها، وتقطيعها وبيعها دون وجود ختم رسمي عليها، في حين يلجأ بعض الجزارين إلى دبغها بماء «البقدونس» أو«خرق مبللة بألوان أحبار تستخدمها الرقابة الصحية».
وبحسب «كاتبة التحقيق»، فإن «أحد الأشخاص اصطف بسيارته أمام ملحمة في منطقة عين الباشا، واتفق مع اللحام على شراء خروف متوسط الحجم يربطه أمام ملحمته بمبلغ 225 دينارا، وقام بذبحه في غرفة خلفية تابعة للملحمة ومربوطة على المجاري الرئيسية».
واستطلعت «كاتبة التحقيق «عددا من أراء مواطنين مروا بتجربة شراء المواشي من الزرائب والملاحم دون معرفة حالتها الصحية، ولفت عدد منهم إلى أن مئات أو ألوف المواشي تباع في عيدي الفطر والأضحى عيانا على الملأ وتذبح على الشوارع الرئيسية في المحافظات دون اشراف طبي أو رسمي.
ويشير مزارع ماشية رفض ذكر اسمه أنه «لديه مئات الأغنام وهو عادة يطعمها ويعالجها دون اللجوء الى طبيب بيطري», ويقول: «أنا أعرف أكثر من الطبيب فقد اكتسبت خبرة واسعة من خلال عملي لأعوام، وهؤلاء الأطباء البيطريون يتعلمون منا، وليس العكس».
ويوضح أخصائي الأغذية الوظيفية والاستاذ المشارك في قسم التغذية وتكنولوجيا الاغذية في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور صدام العوايشة إن «وجود متبقيات المضادات الحيوية وهي نوع من الادوية البيطرية وارتفاع مستواها عن الحدود المسموح بها في المنتجات الحيوانية يتسبب بعدد من المخاطر الصحية للبشر بعد انتقالها جراء تناول اللحوم والبيض والحليب».
ويشير الى ان «التأثيرات السامة والمسرطنة للمضادات الحيوية غير المسموح باستخدامها في الانتاج الحيواني تعتبر من أكثر المخاطر تهديداً لصحة المستهلكين، حيث حظر استخدامها في دول العالم بعد ظهور العديد من التقارير العلمية التي أكدت على خطورة وسمية هذه المضادات من خلال رصد لحالات التسمم والمرض عند المستهلكين».
وينبه الدكتور زياد المومني الى ان «الادوية البيطرية اذا اعطيت بصورة خاطئة تتحول الى متبقيات في اجسام الحيوانات، وتؤدي لمخاطر حقيقية عند انتقالها للانسان تتمثل في التسبب بتشوهات خلقية لدى مواليد البشر والاصابة بالسرطان والاورام لدى الانسان».
ويبين بأن «خطر متبقيات الادوية يتعدى الاخطار السابقة، الى حدوث مقاومة للامراض البكتيرية بمعنى اخر سيصبح جسم الانسان غير قادر على الاستجابة للمضادات الحيوية، فالبكتيريا المعالجة في اجسام الحيوانات تكتسب نوع من المقاومة وعند انتقالها للانسان تصبح مقاومة للمضادات الحيوية والعلاج».
وأثبتت دراسات في معهد بحوث الغذاء في جامعة ويسكونسن ماديسون في أمريكا عن مخلفات الادوية البيطرية من ان البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تنامت في الحيوانات المعالجة «اللحوم الحمراء والبيضاء» وبالتالي فان علاج الالتهابات التي يصاب بها الإنسان حال تناوله لتلك اللحوم يصبح أكثر صعوبة.
غياب فترة الأمان
رغم ان التعليمات المتواجدة على كل نوع دواء تقضي بوجود فترة امان تساعد على تخلص اجسام الحيوانات من متبقيات الادوية البيطرية, الا ان الواقع يظهر عدم التزام المزارعين بتلك التعليمات.
المزارع «أبو أسعد» يقول عندما اصيب احد الخراف بالمرض توجهت لصيدلية قريبة من مزرعتي وأحضرت العلاج الذي وصفه العامل في الصيدلية، لكن هذه المرة لم تمض على خير وعانى الخروف من تنفخات واضحة في جسده ونفق في اليوم الذي يليه».
يوضح طبيب البيطري «فضل عدم ذكر اسمه» والذي عاين تلك الحالة بأن «المزارع قام باعطاء الماشية جرعة زائدة تعادل ثلاثة اضعاف الجرعة المطلوبة كما اتضح بعد المعاينه».
ويضيف «تبين ان المزارع قام باعطاء الماشية الدواء بنفسه وكان قد أعطاها ذات الدواء قبل ثلاثة عشر يوما، دون الانتباه لفترة الامان التي تقضي بعدم اعطاء الماشية هذا الدواء قبل ثمانية وعشرين يوما وذلك كي يتخلص من متبقيات الدواء التي دخلت جسمه».
واثبتت رئيسة شعبة الاغذية واللقاحات بقسم الرقابة بمختبرات الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة الدكتورة سلام الراميني في دراسة اعدتها حول «نوعية مياه الشرب للدواجن» بأن اعطاء الادوية البيطرية للدواجن يتم بشكل عشوائي ودون مراعاة فترة الامان قبل ذبح الدواجن واللازمة لتخلص اجسام الحيوانات من المضادات الحيوية لئلا يتم انتقالها للانسان».
وتقول الراميني من «خلال زياراتي لمزارع الدواجن في محافظات عديدة، وجدت ان المزارعين واغلبهم من العمالة الوافدة يقومون بوضع الادوية البيطرية وبخاصة المضادات الحيوية في مياه الشرب للدواجن دون ضوابط او نسب محددة ومن ثم يتم تصديرها للمسلخ ليتم ذبحها دون الانتباه لفترة الامان اللازمة».
وتشير الى ان «هذه المضادات يمكن ان تنتقل من الدواجن الى البيض ومن ثم للمستهلك الاخير وهو الانسان حيث تترسب تلك المضادات في جسمه ويصبح جسمه غير قادر على مقاومة الامراض».
ويشدد اخصائي امراض دواجن وصاحب صيدلية بيطرية الدكتور احمد دحيات على «اهمية اعطاء الدواء البيطري من قبل اطباء متخصصين بذلك، فالدواء البيطري مزود بفترة امان يجب على المربي ان يلتزم بها».
ويضيف عند «اعطاء المزارعين الادوية للمواشي والدواجن من دون دراية بتلك الادوية وفترة الامان التي يجب ان تتم مراعاتها قبل ذبح الحيوانات, ونتيجة لذلك من الطبيعي وجود متبقيات للأدوية في اجسام المواشي والدواجن ومتنوجاتها كالبيض والحليب».
ويشير الى ان «معظم الدول أنشأت مديريات رقابة وصيدليات دوائية وتستخدم الادوية البيطرية من قبل أطباء مؤهلين»، كما «تطالب الدول عند تصدير الدواجن اليها اجراء ستة عشر فحصا لضمان سلامة اللحوم حرصا منها على صحة مواطنيها، بينما في الاردن نطالب الدول المصدرة بفحص واحد وهو متبقيات الادوية».
منظمة الصحة العالمية وفي تقرير صدر عام 2006 أطلقت تحذيرا خطيرا نبهت فيه الى أن الاستخدام المتزايد للمضادات الحيوية وبمعدلات عالية وتبقيها في اجسام الحيوانات سيعيد العالم بحلول عام 2050 الى ما قبل عهد اكتشاف المضادات الحيوية، بسبب انتقال المضادات الحيوية من الحيوانات المعالجة الى الانسان ومن ثم صعوبة استجابة الجسم للعلاج.
غياب فحص المتبقيات
حتى اليوم لا يوجد فحص منتظم لمتبقيات الادوية على الذبائح من داخل المملكة لعدم توافر الامكانيات.
ويشير مدير دائرة المسالخ في امانة عمان الدكتور مهدي العقرباوي بأن فحص متبقيات الادوية أجري لمرة واحدة على الذبائح المستوردة وثبت خلوها من المتبقيات، اما الذبائح التي تذبح داخل المملكة فنحن بصدد البدء باجراء فحوص المتبقيات اما حاليا الامكانيات غير متوفرة».
وتقول الدكتورة باسمة الزعبي من مديرية البيطرة في وزارة الزراعة «لا توجد صلة لوزارة الزراعه بهذا الموضوع ويتبع لاشراف امانة عمان حيث انها الجهة المسؤولة عن فحص المتبقيات في اجسام المواشي والدواجن».
وسألت «الرأي» الدكتورة الزعبي حول عدد الصيدليات البيطرية المخالفة، والعقوبات الصادرة بحقها لمعرفة إن كانت هذه العقوبات رادعة أم لا، لكنها امتنعت عن تقديم إجابة للسؤال المذكور في وقت قدمت فيه «الزعبي» إجابات لأسئلة أخرى.
وكذلك، رفضت «الزعبي» الاجابة حول آلية الرقابة للأدوية البيطيرية وواقع استخدام المزارعين لها بشكل عشوائي، وكذلك رفضت الاجابة عن التشريعات المنظمة لتداول الأدوية البيطرية.
وعرض صاحب صيدلية مخالفة لصيدلته المرخصة من قبل «الدكتورة الزعبي» لعدم وجود رقعة أسعار على الأدوية المعروضة لديه، في حين رفضت مخالفة صيدلية أخرى «بحجة أنها غير موجودة لديها في السجلات «على حد قول صاحب الصيدلية علما أنه طبيب بيطري.
سيارات تبيع الأدوية
تداول الأدوية البيطرية يفترض أن يتم وفق شروط صحية معينة لضمان سلامتها من التلف، وبخاصة وأن بعض الادوية تحتاج إلى وضعها في الثلاجة، لكن واقع الحال يشير إلى خرق هذه الشروط من عدد من الموزعين لها.
في منطقة الضليل رصدت «كاتبة التحقيق «عددا من سيارات النقل الصغيرة «البكبات «تبيع الادوية البيطرية للمزارعين مباشرة، ما يعرضها للتلف بسبب سوء التخزين وتعرضها لتأثيرات خارجية مختلفة وبخاصة ان هناك لقاحات تحتاج الى حفظها في درجات حرارة منخفضة كالثلاجة.
وفي هذا الصدد يبين الطبيب البيطري العبد عواد ان «هناك عدة جهات معتمدة تبيع الادوية البيطرية، وهي شركات الانتاج المحلي والشركات المستوردة للادوية من الخارج ومستودعات وصيدليات بيطرية، لافتا لعدم التزام كلي من الاطراف السابقة لعملية التداول الرسمي».مؤكدا «على وجود شركات تقوم بتوزيع الدواء مباشرة الى المزارعين متجاوزين الصيدليات البيطرية».
ويبين الدكتور احمد دحيات بأن «الادوية تختلف في طرق ودرجات الحرارة اللازمة لحفظها وتخزينها، وعند تجوال سيارات النقل المحملة بالادوية في انحاء المملكة تصل الى المزارعين بعد أن تكون قد تعرضت للتلف والفساد وتؤدي لمخاطر صحية حقيقية للمواشي ومن ثم للانسان».
وتقر الدكتورة سلام الراميني بأن الضوابط معدومة في التعاطي مع الادوية وبيعها في الصيدليات البيطرية التي يغيب عن غالبيتها المتخصصون، والتي تبيع الادوية البيطرية للمزارعين بشكل عشوائي.
آثار اقتصادية مباشرة
تتعدى عشوائية تداول وبيع الادوية البيطرية الجانب الصحي للثروة الحيوانية وصحة الانسان الى التأثير على الاقتصاد الوطني للمملكة.
يبين الدكتور دحيات ان «تداول واعطاء الادوية البيطرية بشكل عشوائي وخاطئ يزيدان من نسبة نفوق المواشي والحيوانات الداجنة ما يكبد القطاع الزراعي خسائر فادحة».ويقول بأن «الاستثمار في قطاع الدواجن يفوق المليار دينار ويشكل داعما قويا للاقتصاد الوطني». ويصف الوضع الصحي لقطاع الدواجن بجميع انواعه في المملكة بالمزري.
ويستشهد بان الانتاج المحلي للدواجن في الثلث الاول لعام 2013 أقل بنسبة 40 % مقارنة بالعام 2012، ما ادى الى عزوف المزارعين عن التربية نتيجة الكلف العالية في الانتاج والمشاكل المرضيه التي تتعرض لها الدواجن.
وتشير الارقام الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة في عام 2011 إلى نفوق «100 ألف رأس من «الضأن» من أجمالي مواليد مليون و300 ألف، فيما نفق من الأبقار 2،710 من أصل مواليد 32 ألفا، ونفق من الماعز 67 ألفا من أصل 565 ألف رأس».
ويعزو الدكتور دحيات النفوق الكبير في قطاع الدواجن الى سوء استخدام الادوية البيطرية واستخدامها بشكل عشوائي من قبل غير المتخصصين، بالاضافة الى غياب الرقابة من قبل وزارة الزراعة على الادوية البيطرية.
ويشدد على أهمية تداول الادوية البيطرية من قبل اخصائيين في المهنة من الاطباء البيطريين وتفعيل القوانين والانظمة الموجودة، عندما يكون المعالج طبيبا بيطريا فان القوانين التابعة لنقابة الطب البيطري تحكم عمله اما غير المؤهل فلا توجد قوانين تحكم عمله أو تخضعه للمساءلة.
ويبلغ حجم الاستيراد من العلاجات البيطرية 10 ملايين دينار في السنة في حين تغطي الصناعة المحلية للأدوية البيطرية 80 % من حاجة السوق المحلي لأدوية الدواجن و20% من احتياجات السوق من أدوية الحيوانات الكبيرة ويصل حجم الصادرات للخارج ما بين 30-40 مليون دينار أردني سنويا.
وتشير الارقام الصادرة عن وزارة الزراعة الاردنية الى ان عدد مزارع الدواجن اللاحم في المملكة 1722 مزرعة و290 مزرعة للدجاج البياض اما عدد مزارع الأبقار 596 مزرعة وهي جميعها مرخصة تحت إشراف بيطري.
وتظهر الارقام ان عدد المصانع المرخصة لإنتاج العلاجات البيطرية 19 مصنعا، ومصنع واحد لإنتاج اللقاحات للدجاج البياض في داخل الاردن.
مطالبات وحلول
تنظيم تداول الدواء البيطري بقوانين وتعليمات خاصة وزيادة اشراف الاطباء البيطريين على مزارع الدواجن والمواشي ورفد الجهات المختصة باجهزة فحص متبقيات الادوية هي أهم مطالب القطاع الزراعي والطبي العامل في مجال الثروة الحيوانية.
وتطالب الدكتورة سلام الراميني بدعم الجهات المعنية كوزارة الزراعة بالكوادر المؤهلة والاجهزة الخاصة بفحص متبقيات المضادات الحيوية والادوية البيطرية في المواشي والدواجن قبل بيعها في السوق المحلي.
وتشدد على ضرورة وجود ضوابط صارمة تحدد طريقة استخدام الادويه البيطرية من جهات مختصه وضمان فترة الامان قبل ذبح الحيوانات واقرار عقوبات صارمة لمن يخالف التعليمات. ويدعو الدكتور البيطري نبيل اللوباني الجهات المختصة إلى العمل على تنظيم المهنة واعادة الحقوق لاصحابها.
ويشدد الدكتور المومني على ضرورة تنظيم تداول الدواء البيطري من خلال القوانين والتعليمات الخاصة بذلك وزيادة اشراف الاطباء البيطريين على استخدام الدواء البيطري على الحيوانات والمزارع الحيوانية، وتفعيل الرقابة من الجهات الرسمية على الادوية البيطرية واستخداماتها وتشديد الرقابة عليها بمنع عمل الدخلاء بمهنة الطب البيطري.
كما يؤكد على ضرورة دعم الكوادر الخاصة بالصيدليات البيطرية والرقابة الدوائية، ووجوب استحداث مديرية مستقلة ذات صلاحيات واسعة في مجال تداول الدواء البيطري تغطي احتياجات المملكة.
ويطالب الدكتور دحيات بان يتم الاشراف المباشر على مزارع الدواجن والمواشي من قبل اطباء بيطريين للعمل على حصر استخدام الادوية البيطرية الا في حالات الضرورة.
بدوره يطالب الدكتور الخيطان بزيادة الاشرف على المسالخ خاصة وان كثيرا من المسالخ الموجودة في المحافظات يتم تجهيز الذبائح فيها مباشرة دون فحص، ما يرفع احتمال ذبح المواشي والدواجن المريضة وغير المهيأة للذبح في ذلك الوقت.
ويشير مدير المسالخ الدكتور العقرباوي الى أهمية اصدار شهادات من قبل الطبيب البيطري المشرف على الذبائح تثبت التوقف عن اعطائها الادوية والمضادات الحيوية ضمن فترة الأمان المحددة كما هو متبع في بقية دول العالم."الراي"