الكهرباء وصندوق النقد : أين الحقائق الموثّقة؟
تصريح عجيب حمل مفاجأة مدوية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت صرح السيد مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الصندوق “لم يفرض على الحكومة الأردنية رفع اسعار الكهرباء كشرط وضمانة للحصول على قرض من الصندوق بل الحكومة هي التي تقدمت بذلك، وان الصندوق كان منفتحا على خيارات عدة”!
تصريح في منتهى الغرابة، ليس فقط بسبب “جرأته” التي تتناقض تماما مع سياسات الصندوق بل لأنه يشكل أزمة سياسية بل حتى أزمة أمن قومي لحكومة أردنية تواجه تحديا هائلا في إقناع الرأي العام بضرورة رفع اسعار الكهرباء كأحد متطلبات صندوق النقد لمنح الأردن قرضا يدعم الموازنة ويساهم في سد العجز ويفتح المجال للدول المانحة وحتى الخليجية منها لتقديم منح للمملكة هي أيضا مشروطة باتفاقية مع الصندوق.
ليس من شيم صندوق النقد الدولي “تقبل الخيارات البديلة” لأن برنامجه القاسي واضح ومحدد في الضغط على الدول التي تتقدم بطلبات القروض سواء كانت الأردن أو اليونان في تخفيض الانفاق العام وإيقاف خسائر الشركات العامة ورفع اسعار الخدمات إلى “سعر الكلفة الحقيقية” والذي يعني إزالة الدعم. مفاوضات الأردن مع الصندوق والتي بدأت منذ حكومة الخصاونة مرورا بالطراونة والنسور تضمنت منذ البداية خيار رفع أسعار الكهرباء ولكن السؤال الصعب الآن يتعلق بماهية الجهة التي اقترحت الفكرة فهل هو شرط من الصندوق كما تقول الحكومة أم اقتراحا من الحكومة كما يقول المدير الإقليمي للصندوق؟
الجواب على هذا السؤال من الصعب تقديمه عبر تصريحات متبادلة في وسائل الإعلام . مثل هذه المفاوضات تتضمن محاضر اجتماعات ومراسلات رسمية وتفاصيل فنية هي التي تحسم ما الذي حدث. طابع السرية وانعدام الشفافية الذي يهيمن على مثل هذه المفاوضات هو الذي يفسح المجال أمام الروايات المختلفة ومحاولة التنصل من المسؤولية من اي جانب كان. ربما لا تملك وسائل الإعلام إمكانية الوصول إلى هذه المحاضر والمراسلات ولكن مجلس النواب عبر لجنته المالية يمكن أن يطلب من الحكومة توثيقا كاملا للمفاوضات ومحاضر الاجتماعات، وفي حال كان الشرط من الصندوق نفسه (وهذا ما أميل إليه) فلا توجد مشكلة في قيام الحكومة بتوفير الوثائق.
ما هو منشور في الموقع الإلكتروني للصندوق مجموعة من الوثائق والتصريحات والتي تعود إلى سنتين حول تطورات المفاوضات، وهي تعطي انطباعا بأن مفاهيم “إعادة هيكلة قطاع الكهرباء” وغيرها من القضايا تعتبر من شروط الصندوق وليست افكارا من قبل الحكومة ولكن هذا مجرد استنتاج ولا يعكس بالضرورة طريقة سير المفاوضات.
آخر ما يحتاجه الأردن في هذه القضية الحساسة التي تثير قلق وغضب الرأي العام وتشكل تحديا اقتصاديا وأمنيا هو مثل هذه التصريحات الغريبة، ومن مصلحة الحكومة أن توضح للمجتمع بكافة أطيافه تفاصيل المفاوضات مع الصندوق وإذا كان رفع سعر الكهرباء هو شرط من الصندوق فلا بد من توثيق ذلك حتى لو كان عن طريق نشر كافة محاضر الجلسات. الشفافية والصدق تساعدان كثيرا في تخفيف هول الصدمات!!