من رفح المصرية " كنتاكي " مع التحية

عندما تتراجع وتنخفض وتائر ومناخات المقاومة للمحتل الصهيوني الغاصب فمن الطبيعي أن ينشغل الناس في البحث عن ثانويات الحياة ، آخر مستجدات هذا الإنشغال جاء من محافظة غزة الفلسطينية حيث نقلت لنا العديد من وسائل الإعلام كيف ينشغل الناس هناك في هذه الأيام بقطع دجاج كنتاكي التي بدأت في الوصول إلى القطاع المحاصر منذ سنوات وذلك عبرعشرات الأنفاق التي لا تزال تعمل بين الجانبين الفلسطيني والمصري ، ولتأمين هذا الوصول فقد تم إفتتاح مكاتب خاصة بموظفين يعملون على مدار الساعة لتلبية حاجة الراغبين من أهل القطاع في تذوق قطع هذا الدجاج الشهية ! .

رحلة التوصيل من محلات كنتاكي في رفح المصرية وحتى تصل إلى هذه المكاتب في القطاع المحاصر تحتاج إلى ثلاثة ساعات على الأقل ، وهناك يقوم الزبائن بإستلام طلباتهم التي قاموا بدفع ثمنها وأجور توصيلها مسبقا ، الوجبة قد تصل باردة بعض الشيء بالرغم من الحقائب الخاصة التي تستعمل في نقلها بهدف المحافظة على سخونتها

 ولكن المتحمسين للفكرة من أنصار دجاج كنتاكي لا يرون في هذه البرودة التي تصيب قطع الدجاج أثناء رحلة التوصيل على أنها تشكل عائق يمنع أكلها ، فالمهم هو التمتع بالمذاق الشهي الذي تحمله أفخاذ وصدور هذا الدجاج . حركة حماس التي تسيطر على كل صغيرة وكبيرة داخل حدود القطاع المحاصر لم ترحب بالفكرة لأنها لا تعتبر هذا الدجاج من الضرورات

 وأكدت على أنها ستقوم بملاحقة ومتابعة القائمين عليها ، هذا ما جاء في تعليق أحد مسؤوليها على الموضوع لدى سؤاله لمعرفة موقف الحركة من هذه التجارة الجديدة التي بدأت تروج مؤخرا عبر الأنفاق التي لا تزال تشكل الطريق والشريان التجاري الرئيسي لنقل البضائع من مصر إلى القطاع .

هيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بالعربية هي صاحبة السبق الإعلامي في إماطة الغطاء عن هذه التجارة الجديدة التي أصبحت محل تندر واسع على ألسن الآف الغزاويين ، فهذه فالإذاعة وعلى مدى يومين من هذا الأسبوع أفردت في نشرات أخبارها حيزا كبيرا لتقرير مراسلها في القطاع الذي أشرف على إعداد التغطية الإعلامية اللازمة لهذا الخبر .

في ذات الوقت يتواصل ولليوم السابع وبقرار رسمي من الحكومة المصرية إغلاق معبر رفح الذي يشكل المنفذ الوحيد لسفر الفلسطينين لخارج القطاع وبكل ما يعنيه ويفرضه هذا الإغلاق من مشقة وعذاب على حركة الناس العالقين في المعبر والذين راحوا يفترشون قطع الكرتون وأوراق الصحف لتحميهم من حر النهار وبرد الليل ، مرضى وأطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم ينتظرون على أمل إعادة فتح المعبر ، في ذات الوقت الذي يتطوع فيه السيد إسماعيل هنيه رئيس الحكومة المؤقتة ليعرب عن تفهمه لأسباب هذا الإغلاق من الطرف المصري ، يواصل دجاج كنتاكي عبوره الآمن عبر الأنفاق غير آبه بهذا الإغلاق الرسمي للمعبر ، ولأنه وعلى ما يبدو يمتلك على الأرض سلطة أقوى من قرارات الحكومات ومن تصريحات رجال السياسة .

فلسطين المنكوبة ، وفي ظل أجواء الربيع العربي راهنت ولا تزال تتطلع إلى وصول المزيد من الدعم الوطني السياسي والعسكري من الشقيقة الكبرى مصر ، لا شك في أنها ستغض الطرف مؤقتا عن تهريب دجاج كنتاكي من رفح عبر الأنفاق لينعم به شعب القطاع ، لكنها قد لا تصبر طويلا على هذا التأخير في مدها بالإحتياجات الفعلية التي سوف تساعد على تحريرها وعلى كنس المحتل الغاصب عن ثراها المقدس والطاهر ، هكذا هي فلسطين التي تعيش في هذه الأيام على وقع الذكرى الخامسة والستون لنكبتها وتشريد شعبها وهذا هو صبرها وإنتظارها اللذين لا حدود لهما .

ختاما ، لا بد لنا من القول بأن اللحوم والدجاج والأسماك لا دور لها في تحرير الأوطان المحتلة وبغض النظر عن كونها مهربة أو قانونية ، وشعب غزة وكل قواه الوطنية من الذين صبروا وانتصروا على كل أشكال العدوان وما نتج عنه من حصار وتجويع جائر يواصل فرضه الكيان الصهيوني عليهم ، لا شك بأنهم في غنى عن كل دجاج العالم ، فمخزون الصمود بالعزة والكرامة والهامات العالية كفيل بسد كل إحتياجاتهم الأخرى ثانوية كانت أو رئيسية ، على الأقل هذا ما كانوا يثبتونه دائما على أرض الواقع عبر تمسكهم بالمقاومة وهم يواجهون الكوارث والشدائد والمحن .