هرمونات ومنشطات تحول مراكز بناء أجسام إلى "أوكار موت"!!
جراءة نيوز - اخبار الاردن :
وفاة أكثر من 14 شابا على مدى الشهور الماضية، بسبب تعاطي منشطات وهرمونات، فتحت الباب واسعا على جدل حول تفشي الظاهرة بين الشباب، وحول القوانين والتشريعات السارية في الأردن،مراقبون يرون أن غياب القانون الذي يجرم التعاطي، والبيع والترويج للمواد التي يوصف معظمها أنه "مضروب" أو منتهي الصلاحية، وليست ضمن المواصفات الصحية السليمة، ساهم في وصول المنشطات بسهولة إلى ايدي الشباب الراغبين في تحقيق إنجازات غير مشروعة في البطولات، وبناء عضلات وفق أسس غير صحية.
حالات الوفاة كشفت عن الحاجة إلى إيجاد قانون لمحاربة هذه الآفة، في حين بدأ الحديث يتراجع تدريجيا من السعي لإصدار قانون عام وشامل تشترك في تنفيذه عدد من مؤسسات الدولة، إلى مجرد إصدار تعليمات، يرى مراقبون أنها "لن تسمن أو تغني من جوع". التعليمات تسعى إلى تنظيم عملية البيع والاتجار والتعاطي، بدلا من منعها وتجريمها.
الحديث مع أصحاب الخبرة والاختصاص في "عالم" الهرمونات والمنشطات، من مستوردين ومروجين، متعاطين وموجهين، كشف الضوء في هذا التحقيق الذي أجرته "الغد"، أن عالم الهرمونات والمنشطات تتحكم فيه "مافيات" أردنية وعربية، يتورط فيها أطباء وصيادلة ومدربون في مؤسسات رسمية وخاصة، تبدأ من عملية التصنيع في المختبرات، إلى التهريب والرشوة والترويج، وصولا إلى إيجاد قاعدة خصبة من الشباب "الجاهل" بمخاطر هذه المواد.
وفي ظل سيطرة وخطورة تلك المافيات، طلب معظم من التقتهم "الغد" عدم الكشف عن هويتهم، خوفا من تعرضهم للخطر وحفاظا على حياتهم.
اللجنة الأولمبية الأردنية قامت بعمليات توعية وتثقيف وتجريم لفئة الرياضيين، بواسطة تعليمات داخلية وتعهدات يقدمها اللاعبون بعدم اللجوء إلى استخدام هذه المواد استنادا للقوانين الرياضية الدولية. كما قدمت اللجنة، عبر المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات، مشروع قانون للحكومة، لكنه بقي حبيس الأدراج منذ ثلاث سنوات.
وزير الصحة السابق د.عبداللطيف وريكات كشف في مؤتمر صحفي سابق أبعاد الظاهرة،فقد وجه مسؤولية انتشار المواد المنشطة إلى "أندية الجمباز"، فيما جل المتورطين من مراكز اللياقة البدنية وبناء الأجسام، كما أنه كشف عن عدد الوفيات بدون إبراز أسمائها وعناوينها وما إذا تم تشريح الجثث للتأكد من المواد التي تم تناولها، والثالث أن الوزير ذكر قيامه بتوجيه كتاب إلى رئيس الوزراء يطلب فيه إخضاع مراكز اللياقة البدنية إلى مسؤوليات وإشراف المؤسسة العامة للغذاء والدواء عوضا عن اللجنة الأولمبية، والأخير أنه كشف عن تورط خلايا في الترويج والاتجار بهذه المواد، ولم يذكر مصير المتورطين أو السند القانوني لتجريمهم، وفي ظل غياب القانون الناظم يتوقع أن يكونوا أحرارا الآن.
اللجنة العليا التي تم تشكيلها برئاسة أمين عام وزارة الصحة بغية التحضير لإصدار القانون، تضم مؤسسات وطنية عديدة لم تجتمع قبل المؤتمر لأكثر من ستة أشهر، رغم أن بوادر خطورة الظاهرة كانت تؤشر إلى وجود مخاطر محدقة في مجتمع الشباب.
ولعل ثبوت تناول أبطال المنتخب الوطني للمنشطات والهرمونات في الدورة العربية التي جرت مؤخرا في قطر، رغم خضوعهم للفحص قبل المشاركة، أوقع الاتحاد في حرج كبير.
مشكلة متفشية ونفي رسمي
عضو سابق في اتحاد بناء الأجسام، أكد أن تفشي ظاهرة المنشطات "الهرمونات"، يعود إلى غياب الرقابة الفعلية على مراكز اللياقة البدنية، وأن مراكز بناء الأجسام التي تتبع للاتحاد، كانت تخضع إلى سيطرة ومتابعات بشكل مستمر.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن المشكلة تفاقمت بعد فصل مراكز اللياقة البدنية عن اتحاد بناء الأجسام، فأصبح تأسيس مراكز اللياقة البدنية يتبع لاتحاد الطب الرياضي، مشيرا إلى أن هناك مخالفات قانونية في ذلك.
وأشار إلى أن هناك زهاء 150 مركزا يتبع لاتحاد بناء الأجسام الذي يضع شروطا خاصة، كوجود مدرب حاصل على شهادة تخوله القيام بالتدريب، بما يسمح له التعامل مع الهرمونات التي تدخل جسم اللاعب، إلى جانب شروط خاصة لإنشاء المركز تتعلق بمكانه ومساحته وتجهيزاته وعوامل السلامة العامة بالتعاون مع جهات رقابية أخرى.
ومع اعتماد المسمى الجديد للاتحاد، "اتحاد بناء الأجسام واللياقة البدنية"، طالب الأخير مراكز اللياقة تنظيم تسجيلها وعملها للحد من تفشي ظاهرة المنشطات وارتفاع تأثيرها السلبي الذي بلغ حد الموت، لكن المصدر يؤكد أن "جهات داخل اللجنة الأولمبية تدخلت وطالبت بعدم المضي في ذلك".
الجغبير تنفي
أمين عام اللجنة الأولمبية لانا الجغبير نفت هذه الادعاءات. وبينت أن اللجنة طالبت الاتحاد بمسماه الجديد، الاهتمام بتنظيم شؤون اللعبة، ليس لعدم رغبة اللجنة في السيطرة على الظاهرة وما آلت إليه أوضاع ومخاطر المنشطات في المملكة، بل لعدم قدرة الاتحاد السيطرة على هذه المراكز، خصوصا أنه لا يملك أي كوادر أو صلاحيات قانونية تساعده على ذلك.
الجغبير أوضحت أن رد الأولمبية للاتحاد بالتقيد بطبيعة عمله، جاء بما يتماشى مع التعليمات الدولية للعبة، ورغم ذلك طالبت اللجنة الأولمبية اتحاد بناء الأجسام تقديم تصور وخطة واضحة لطرق إشرافهم على مراكز اللياقة البدنية، لكن الاتحاد لم يفعل ذلك، ومن هنا ومع المخاطر السابقة، تم حل الاتحاد وتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة الشؤون الفنية والإدارية للعبة، وهي لجنة لا تمتلك أي صلاحيات لمراقبة وتنظيم عمل هذه المراكز.
وختمت: "القضية ستبقى شائكة، ما دام ترخيص المراكز ومراقبتها لا يخضع لأي جهة تمتلك صلاحيات لذلك، وكذلك في ظل غياب قانون ينظم بيع وتداول هذه المواد ويجرم الجهات والأفراد في البيع أو التعاطي".
المراكز منبع التجاوزات
مصدر آخر في الاتحاد السابق، طلب عدم الكشف عن هويته أيضا، أكد أن غالبية التجاوزات جاءت من مراكز تابعة في تأسيسها الى اتحاد الطب الرياضي تحت مسمى "مراكز اللياقة البدنية"، وهي مراكز تم فيها ضبط حالات من تعاطي هرمونات "مميتة"، سواء من خلطات غير صحيحة علميا، أو غير معروفة نتائجها من قبل المستخدمين، وأدت إلى حالات موت أو فشل كلوي وضعف جنسي، فضلا عن حالات صلع وتلف الكبد وغيرها من الأمراض.
المصدر أكد أن هدف بناء الأجسام لا يتحقق بدون استخدام الهرمونات لأهميتها في عملية بناء العضلات التي تأتي تحت مسمى "المكملات الغذائية"، وهو ما جعل اللعبة خارج أسوار الألعاب الأولمبية، وغير معترف بها دوليا، فضلا عن استمرار "الحرب المستعرة" بين علماء إعداد المواد المنشطة وأقرانهم ممن يحاولون اكتشافها.
جولة داخل المراكز
"الغد" قامت بجولات ميدانية في عدد من مراكز اللياقة البدنية التابعة لاتحاد الطب الرياضي، ووجدت أن أغلبيتها تلجأ إلى تجديد رخصها التجارية ومزاولة العمل من جهات أخرى في أمانة عمان، فضلا عن وجود مراكز غير مرخصة في مناطق شعبية بعيدة عن الرقابة، ومجهزة بمعدات غير قانونية من "محال الحدادة". وتم ضبط عدد كبير من الوافدين يزاولون مهنة التدريب من منطلق الخبرة، وبدون وجود شهادات تخولهم ذلك، كما لوحظ غياب مختصين بالتغذية ومتابعتها وصرف الهرمونات أو التعامل معها، ما يؤكد غياب الرقابة من قبل الجهات المختصة لسنوات طويلة، لتنتقل من مراكز لبناء الجسم السليم، إلى أوكار لتجارة الهرمونات وتعاطيها.
مصدر في اتحاد اللعبة السابق، أكد أنه وخلال جولة على مراكز اللياقة البدنية في إربد، ودخوله خلسة إلى دورة المياه، لاحظ قيام أحد المدربين المغتربين بإعطاء "حقنة" لأحد اللاعبين "تشتمل على هرمونات محظورة".
شاهد عيان يؤكد
شاهد عيان على تجارة المنشطات، أكد لـ"الغد" قيامه بالاتجار بهذه المواد، قبل أن يتوقف عن ذلك،وبين أن تجارة الهرمونات والمكملات الغذائية "عالم واسع يدر ربحا وفيرا"، لكن "بدون بركة"، على حد تعبيره، حيث كان يطلق عليه اسم "تاجر سترويد"، مشيرا أن الهرمونات المتوفرة في الأسواق "مضروبة" وغير صالحة للاستعمال ومصدرها من تايلند، ولها عدة أشكال بين الحبوب والحقن أو على شكل خلطات يعرفها المدربون واللاعبون جيدا.
الشاهد رفض وبإصرار الكشف عن هويته، لما قد يتعرض له من خطر "يصل إلى حد التصفية الجسدية"،"التاجر التائب" يبين أن أكثر الهرمونات طلبا لدى اللاعبين تعرف باسم "ديكا" و"تيستوستيرون" ويشتملان على هرمونات ذكرية، ومصدرها من باكستان وإيران، ويتم تقليدها في العراق.
أساليب وطرق التهريب
شاهد عيان يؤكد أنه يتم إدخال الهرمونات والمكملات من المطار على شكل طرود أدوية، أو يتم إدخالها ضمن الأدوية، وغالبا ما يتم النجاح في ذلك لخفة وزنها، وإذا حامت حولها الشكوك، يتم تركها مع الحقائب المفقودة، ليتم توصيلها لاحقا إلى أصحابها، أما إذا تم اكتشافها، فيتم إعادة تصديرها إلى خارج الأردن، ويعطى التاجر مهلة 3 أشهر لذلك، فيتم إعادة تصديرها إلى العراق أو سورية أو لبنان، وتدخل بعد ذلك إلى الأردن عن طريق المهربين، ويتم بيعها إلى المراكز التي تتعامل فيها.
أحد أعضاء اتحاد اللعبة السابق، زعم أنه تم إرسال رسالة نصية عبر الهاتف الخلوي إلى اللجنة الأولمبية ومنظمة مكافحة المنشطات، تعلمهم بوجود شحنة منشطات في جمارك مطار الملكة علياء الدولي، وأنه سيتم إدخالها إلى الأردن، فجاء الرد من قبل المعنيين في المنظمة "ليس هناك قانون يخولنا التعامل معها".
الحديدي ينفي
رئيس منظمة مكافحة المنشطات د.كمال الحديدي، نفى أن يكون تلقى رسالة عبر الهاتف تخبره بوجود الشحنة. لكنه أكد أنه حتى لو تم إبلاغه، لما استطاع فعل شيء، لغياب السلطة القانونية وغياب التنسيق والتواصل بين الجهات المعنية، وعدم وجود قانون واضح يتعامل مع حالات تهريب المنشطات،ويشير إلى خلل في منظومة استيراد الهرمونات، خصوصا الكميات الكبيرة، ليبدأ ترويجها والاتجار بها من قبل مروجين وأطباء وصيدلانيين، وحتى مستودعات أدوية.
"مافيا" الهرمونات
"التاجر التائب" يؤكد أن تجارة الهرمونات عالم أشبه بـ"عصابات المافيا"، وأرباحها تشبه تجارة السلاح، مبينا أن غالبية الهرمونات "مقلدة" وتدخل في صناعتها مواد محظورة طبيا، وأن تجار هذه المواد أردنيون وأجانب، ويتم إدخالها على شكل زيوت تعرف بـ"السحرية" أو "الذهبية"، وهي عبارة عن زيت خروع وزيت سمسم، ويتم تجهيز الشحنات وتقليدها في بلغاريا، وتوزع إلى مختلف دول العالم.
وكشف "شاهد العيان" النقاب عن تجار للهرمونات والمكملات الغذائية "المضروبة أو المميتة"، يدخلون المكملات الغذائية والهرمونات بشكل طبيعي، حيث يقدمون عينة من المواد، لا تكون من شحنة الهرمونات المستوردة، إلى مؤسسة المواصفات والمقاييس أو المؤسسة العامة للغذاء والدواء، على أنها من تلك البضاعة، ويتم أخذ الموافقة على إدخالها، كون المؤسستين ليستا من تختاران العينات من المواد المستوردة، وإنما التاجر من يقوم بذلك.
وتابع "المكملات الغذائية التي يتم إدخالها، ليست مكملات بمواصفات عالمية، بمعنى أنها ليست بروتينات، بل مواد محظورة عالميا".
وبين أن هناك أنواعا من المكملات الغذائية المزورة تصل قيمتها إلى 100 ألف دينار، وتباع في السوق المحلي بأضعاف المبلغ، وأن غالبية المروجين من مدربي مراكز بعيدة عن الرقابة، يجدون في الشباب غير الواعي صيدا سهلا لترويج بضاعتهم.
إدمان الهرمونات
مدرب في مركز للياقة البدنية، طلب عدم الكشف عن هويته، بين كيفية وصول اللاعبين إلى ما يسمى بـ"إدمان الهرمونات"، فبالتنسيق مع المدرب يبدأ رحلة التعاطي لمدة تصل إلى 8 أسابيع، يتم خلالها زيادة الجرعات بهدف الإسراع في البناء العضلي، ويبدأ بعد الأسبوع الرابع خفض النسبة وصولا إلى الأسبوع الثامن، ما يفقد جسمه كثيرا من الهرمونات، ويبدأ مجددا في تعاطي "كورس" ثاني من الحقن العضلية، ما قد يؤدي إلى التعرض للجلطات القلبية والموت البطيء نتيجة للأساليب الخاطئة في تناولها.
ويؤكد المدرب أن هذا الأمر حدث مع لاعب توفي قبل فترة وجيزة، بعد أن أعطاه مدربه حقنة وريدية في منطقة الفخذ، مبينا أن الهرمونات لا يجب إعطاؤها للاعب قبل 4 سنوات من مباشرته التدريب، وتعطى من قبل مختصين في التغذية وبشكل متوازن، حالها حال البروتينات.
ترويج الهرمونات
المدرب السابق عرض حالة حدثت مع والد أحد اللاعبين حين لاحظ وجود "بثور" على جسم ابنه، نتيجة "الحقن الزيتية" التي يعطيها له مدربه. ولدى سؤال ابنه، أعلمه أنه يعاني من الحساسية، وبعد ضغط من الوالد، اعترف الشاب أنها جراء تناول حقن هرمونية، وتم تبليغ الجهات المعنية ونصب كمين للمدرب، وضبط متلبسا، ليتم تحويله للقضاء بتهمة الاتجار والترويج.
مصدر آخر أكد أن لتجار الهرمونات والمنشطات موزعين معتمدين لدى غالبية المراكز، تماما كما يحدث في ترويج المخدرات، حيث يحضر المندوب إلى المركز ويقابل المدرب أو المسؤول في المركز ويتم تأمينه بطلباته بعد ساعات على طلبه، وذلك من خلال شخص آخر من نفس الشبكة تجنبا للفت الأنظار، وغالبا ما يدخل المندوب على أنه لاعب يريد التدرب بحقيبة التدريب ويؤمن المطلوب لمختلف المراكز.
مصدر آخر زعم أن طبيبا معروفا تحول إلى تاجر للهرمونات ومختص ببيعها، خصوصا هرمون نقص النمو والمعروف باسم "جي اتش" السحري لدى لاعبي بناء الأجسام، مبينا أنه يقوم ببيع العلبة للتاجر بمبلغ 30-40 دينارا، بينما يبيعها التاجر، الذي يكون لاعبا أو مدربا من شبكة الاتجار بالهرمونات، إلى اللاعبين بمبلغ يتراوح بين 50-70 دينارا، علما أن ثمن الهرمونات نفسها في الصيدليات العامة يتراوح بين 100-120 دينارا، وتحتوي العبوة على 16 وحدة بتركيز 50 ملغم بمبلغ 90-105 دنانير، و16 وحدة بتركيز 10 ملغم بمبلغ 180-190 دينارا.
تجربة لاعب
اللاعب محمد الساكت التقته "الغد" في أحد مراكز بناء الأجسام، وهو الوحيد الذي وافق على نشر اسمه، بين أنه اتجه إلى رياضة بناء الأجسام على سبيل الهواية قبل 14 عاما، حيث تدرب في أحد المراكز التي كانت تروج الهرمونات، وأمام إلحاح المدرب، بدأ يتناولها ولفترة طويلة من عمره الرياضي، مشيرا إلى أن رياضة بناء الأجسام، لا تتم بمعزل عن استخدام الهرمونات البنائية، لكن بنسب معقولة، منوها أنها اصبحت تصرف من قبل مدربين لا دراية لهم في تركيبتها العلمية أو آثارها الجانبية.
وكشف الساكت عن أن مدربين يقومون بعمل خلطات خاصة تحتوي تركيبتها على العديد من الأدوية والهرمونات، وغالبا ما تتحول إلى سموم مميتة في جسم الإنسان، ما سبب حالات وفاة في الآونة الأخيرة، خصوصا مع ترويجها للاعبين في بداية تدريباتهم، ليبدأ بمضاعفة "الجرعات".
أدوية حيوانية
لاعب آخر كشف عن أن هناك أدوية يتناولها لاعبو بناء الأجسام من محال بيع الأدوية البيطرية وعياداتها، مؤكدا أن الطبيب البيطري في غالبية الأحيان، وفور وصول لاعب بناء الأجسام، يعرف الدواء الذي يريده فيتم صرفه بشكل مباشر، ما أنعش عمل الكثير من عيادات الطب البيطري.
ومن أبرز تلك الأدوية، نوعان: الأول، إيكابويز، وهو صناعة أميركية، ويعطى للخيل ليمنح طاقة ونشاطا لمدة 24 ساعة، ويعمل على تهييج العضلات ويحفزها للبناء السريع وتضخم العضلات ويزيد من حالات التعرض للموت المفاجئ والجلطات.
النوع الثاني، ميديكو، ويصرف للحيوانات المريضة بهدف الاستشفاء السريع، ويستخدمها لاعب بناء الأجسام بهدف البقاء في جاهزية قبول البناء السريع للعضلة، ويعمل على تهييج العضلة وزيادة ضخامتها في وقت سريع، ولها آثارها السلبية، فبعد أخذها على شكل حقن موضعية، تتحول لمواد سامة، وتحتاج وقتا طويلا لخروجها من الجسم، كما تؤدي إلى تكون كتل داخلية تحت الجلد.
أدوية نسائية
مدرب في مركز بناء أجسام في غرب عمان، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد أن هناك أدوية نسائية يلجأ لاعبون إلى استخدامها، كأدوية منع الحمل، وأدوية تنظيم الدورة الشهرية، فيتم خلط مثبت الحمل بهرمونات، تعطى حقنا في الصدر بهدف تكبيره.
وبين أن هناك العديد من الهرمونات تؤخذ لدواع تجميلية بهدف زيادة بروز العضلات، مثل "سايكلين" التي تحتوي على مادة "بوتكس" بهدف التضخيم وتحفيز العضلات، و"سانثول" التي تحتوي على "فايتمين وبوتكس" والتي تؤخذ على شكل حقن موضعية في المكان الضعيف من الجسم، مثل عضلات الكتف، وجميعها تلتقي عند نفس الآثار التي تتعلق بتوسيع الشرايين وسرعة نبضات القلب.
تجربة عالمية
مدرب مقيم في دولة أوروبية، توجه إلى السويد بهدف العمل، بعد اعتزاله محليا، فالتحق بمركز رياضي يعنى باللياقة البدنية وبناء الأجسام. يتحدث المدرب عن مدى الرقابة والاهتمام من قبل الجهات المعنية بضبط موضوع الهرمونات والمنشطات، والذي يندرج، على حد قوله، في خانة المخدرات، حيث تقوم عربة تابعة لجهة أمنية مزودة بمختبر بسيط بزيارة معظم المراكز، ويتم فحص الشخص الذي تبرز عضلات جسمه بشكل لافت، وإذا ثبت تناوله للمنشطات، يتم تحويله إلى القضاء لاتخاذ العقوبة المناسبة بحقه، مؤكدا أن غياب الرقابة والتنسيق بين الجهات المعنية بضبط المنشطات في الأردن، هو السبب الرئيسي في رواجها وانتشار تجارتها بشكل كبير خلال اليومين الماضيين.
غياب القانون يضاعف الخطورة
رئيس المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات د.كمال الحديدي بين أن اللجنة الأولمبية والمنظمة دفعتا بمشروع قانون مكافحة المنشطات إلى ديوان التشريع العام 2010، وتمت مناقشته في جلسات عديدة، لكن حتى اللحظة لم يتم إصداره.
ويقول إن اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية تقوم بضبط في الجانب الرياضي، وملاحقة متعاطي المنشطات في الرياضة الأردنية، من خلال تعليمات دولية ملزمة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات واللجنة الأولمبية الدولية، والتي تم التعهد بتطبيقها من قبل الاتحادات الرياضية.
وأكد الحديدي أنه تم تشكيل لجنة عليا لهذه الغاية العام الماضي، برئاسة أمين عام وزارة الصحة، وتضم في عضويتها ممثلين عن المجلس الأعلى للشباب واللجنة الأولمبية وإدارة مكافحة المخدرات والمؤسسة العامة للغذاء والدواء والخدمات الطبية الملكية، ومهمة اللجنة المضي في خطوات إصدار القانون، وبمبادرة وجهد وطني كبير قادته اللجنة الأولمبية الأردنية، حيث قدمت اللجنة مشروع القانون لضبط استخدام المواد المنشطة والهرمونية، وإيقاع العقوبات بحق المخالفين من مروجين ومتعاطين ومستوردين.
ورأى الحديدي أن القانون سيضبط الشارع الأردني، انطلاقا من المعرفة بحدوث هذه المشكلات وانتشارها المتسارع، وضرورة إيجاد حلول لها،الحديدي يأسف كثيرا كون القانون لم يصدر حتى اليوم، "لتطل علينا سلسلة الحوادث الأخيرة التي أودت بحياة متعاطين للمواد المنشطة".
وكشف الحديدي عن أن خريطة الطريق نحو إصدار التشريع المناسب للحد من الآفة ليست واضحة، فهناك تباين في وجهات النظر، بين إصدار قانون أو نظام، لكن الحديدي يبين أن تجارب الدول المتقدمة تشير إلى أهمية إصدار قانون لصبغته التشريعية الأقوى، مع أهمية إيجاد مؤسسات لتنفيذه، ووجود مرجعيات قانونية مناسبة، والخروج بهيئة وطنية لمكافحة المنشطات والهرمونات.
"الغد" طلبت التأشير على الجهة المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة، وسبب غياب القدرة على إيقاف انتشارها بين فئة الشباب، لكن الحديدي امتنع عن الإجابة، "ليس بدافع الخوف من تحمل المسؤوليات القانونية، بل لصعوبة تحديد ذلك بدقة"، نتيجة لغياب القانون أو التشريع الضابط، وعدم وجود جهة رسمية تملك السيطرة على الشارع الأردني للحد من انتشار المنشطات والهرمونات في أوساط الشباب، على العكس من فئة الرياضيين التي تم ضبطها بشكل كبير من خلال تنفيذ التعليمات الدولية عبر اللجنة الأولمبية.
الحديدي أشار أنه ليس من أنصار كيل الاتهامات جزافا على المتسببين في شيوع الظاهرة، وإطلاق وصف "رؤوس كبيرة" عليهم، لغياب المنطق في ذلك، لكنه لم ينفِ وجود مصالح تجارية أدت الى توسع دائرة تعاطي المواد المنشطة والقاتلة منها تحديدا، منوها أن الظاهرة اتسعت وباتت شائكة جدا، وتحتاج إلى جهد وطني كبير. وقال إنها "قضية لن يتم التوصل إلى حل لها في غياب إصدار القانون الناظم، على أمل تنظيف الشارع الأردني، والتقليل من انتشار الموت، لأن القضاء على المنشطات أمر غاية في الصعوبة".
التشريح يثبت الواقعة ووزير يعاني
عضو المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات وخبير التخدير المعروف د.موفق الفواز، أكد على مطالبة المنظمة إصدار قانون شامل يعالج الظاهرة بين جميع فئات المجتمع من رياضيين وغيرهم، لافتا إلى أن ملاحقة المواد المنشطة التي يتم تناولها تحتاج إلى جهد وطني كبير أسوة بالمبذول في مكافحة المخدرات.
الفواز أشار إلى أن أرقام الوفيات الأخيرة نتيجة تناول المنشطات مبالغ فيها، وهو ما تتفق معه أمين عام اللجنة الأولمبية لانا الجغبير. ويؤكد الفواز أنه حتى يثبت أن سبب الوفاة يعود لتناول مواد منشطة، يلزمنا تشريح الجثة، وأخذ عينات من الكبد وبعض الأعضاء الداخلية، فالوفاة قد تكون نتيجة لوجود أمراض مزمنة أخرى لدى بعض المتعاطين مثل تضخم القلب، كما لم يتم تقديم أي دلالات من حيث الأسماء والعناوين للوفيات، أو ذكر مصير من ثبت تورطهم في القضايا السابقة.
الفواز بين أن الجهة الأفضل لتبني إصدار قانون مكافحة المنشطات، يجب أن تكون "هيئة وطنية جامعة"، تتمثل فيها مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ذات العلاقة، داعيا إلى التركيز على عامل التوعية من قبل وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للشباب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، من خلال حملات وطنية كبيرة، تستهدف الحد من هذه الآفة.
وتحدث الفواز عن وزير سابق اصطحب ابنه لأحد المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، في محاولة لإقناعه من قبل الأطباء بخطورة المواد المنشطة التي كان يهم باستخدامها، بعد أن فشل هو في إقناعه. ويدلل الفواز بهذه الحادثة على أساليب الإقناع التي يستخدمها المروجون، وتأثيرهم الكبير على فئات الشباب.
ومؤكدا أن المنشطات مواد مدمرة للصحة وتؤدي الى اختلال في عمل العديد من الأعضاء الداخلية لجسم الانسان، مسلطا الضوء على مواد ومستحضرات طبية عديدة تباع في الصيدليات، توازي خطورتها المواد المنشطة، مثل الكورتيزون وهرمونات التستستيرون وغيرها، حيث يمكن الحصول عليها في غياب رقابة الجهات أو ضمائر أصحاب الصيدليات.
الجهات الأمنية جاهزة
العقيد أنور الطراونة نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات وعضو اللجنة العليا التي شكلها وزير الصحة، أكد أن قضية المنشطات شائكة جدا، فهي خارج اختصاصات التجريم والمتابعة أو الملاحقة لدائرة مكافحة المخدرات، كونها لا تدخل ضمن قوائم المخدرات، رغم تصنيف بعضها كعقاقير خطرة.
الطراونة أكد أن غياب القانون، ترك هذه الظاهرة تتفشى بين أوساط الشباب الأردني، وأن هناك حلقات مفقودة للقضية، فالمحال التجارية لا تخضع لأي جهة رقابية باستثناء البلديات، التي تصدر تراخيص عملها، وعمليات المتابعة على المواد المنشطة ضعيفة جدا.
الطراونة بدا متحمسا لجهة التركيز على عمليات التوعية في صفوف الشباب من أخطار الظاهرة، مسترشدا بما تقوم به إدارة مكافحة المخدرات بالتوجه إلى جميع أطياف المجتمع الأردني في المدارس والجامعات وأماكن العمل، للتحذير من مخاطر المواد المخدرة، ملمحا إلى النتائج الايجابية التي تحققها هذه العملية، مع تقديره للجهود التي بذلتها المنظمة الأردنية والمجلس الأعلى للشباب في هذا المجال.