كفانا طعنا للوطن ...

هي المقالة الأولى التي نكتبها بعد قدوم قرة عيننا لهذه الدنيا، والذي أصبحنا نرى في عينيه معنى أن يشعر الإنسان بالأمان الذي لا خوف فيه، ذلك الذي لا يساويه شئ في هذه الدنيا، وهو الهاجس الذي أصبح يؤرق الكثيرين في بلادنا اليوم، بعد أحداث مؤسفة تتكرر بين شباب الوطن، أدمى القلب مجئ آخرها في أكبر محافظات الوطن، قبل أيام من إحتفالنا بذكرى إستقلال بلادنا.

ذكرى الإستقلال هذا العام تأتي في ظروف مختلفة وملتهبة داخلياً وخارجياً، فدماء الأشقاء العرب الزكية تتناثر من حولنا شمالاً وشرقاً وغرباً، والأصعب دماء زهرة شبابنا التي أصبحنا نراها تنزف هي الأخرى في منارات العلم، وحاضنة تخريج الأجيال في البلاد للأسف ..!

فمنذ إنطلاق الحراك في الأردن قبل أكثر من عامين، والدولة تحرص كل الحرص على عدم إزهاق نفس واحدة من أبناء وبنات هذا الوطن الغالي، مهما كانت التحديات، ومهما كان الظلام حالكاً، وقد مرت بالفعل بمنعطفات عاصفة كادت أن تعصف بها، لولا لطف الله، ثم قدر الحكمة الكبير الذي تعاملت به أجهزة الدولة مع الأحداث. لكن الدولة الأردنية اليوم وقبل أيام فقط من ذكرى إستقلالها، أمام تحد حقيقي لهيبة دولة القانون، وإثبات قدرتها على إدارة الأمور في البلاد نحو الخير والصلاح للجميع.

فدماء الشباب الأردنيين الذين نفقدهم في جامعاتنا لأتفه الأسباب، لا تقل أهمية عن دماء من يخرجون في المظاهرات من أبناء الوطن، ولا يجوز أن تقف الدولة عاجزة وجامعة تشتعل هنا، وأخرى يعيث البعض فيها فساداً هناك، ويتبادل ثلة من الشباب فيها الحجارة والشتائم، وربما الرصاص وإزهاق الأرواح ..!

ولطالما كان شعار الدولة الأردنية وقيادتها الهاشمية هو الإنسان أغلى ما نملك، لكن هل من تطبيق هذا الشعار أن تندلع أحداث جامعة الحسين الدامية، والتي تحمل الإسم الغالي على قلب كل أردني، ولا نجد مسؤولاً واحداً يتكرم للخروج لمخاطبة الشعب وتوضيح ما حدث له..!!

هذه الأحداث التي حدثت في جامعة الحسين بن طلال، جعلتنا نقف معصوري القلب والدمع، ونحن نتذكر جلالة الحسين بن طلال رحمه الله عندما قال يوماً في لقاء مباشر على التلفزيون الأردني مع الأستاذ هاني البدري: بلدنا بلد الخير والخيرين .. الخير والخيرين يا شبابنا، وليس المتقاتلين والمتنافرين، ولا بلد إهمال المسؤوليات يا حكومتنا، فدماء وأرواح كل أردني صغير كان أو كبير أمانة في عنق كل حامل للمسؤولية سيحاسب عليها يوم الحساب ..

واليوم نطالع خبر يعصر قلوبنا ألماً مجدداً، هدنة بين الدولة وقبيلة الحويطات لعشرة أيام لفتح الطريق الدولي !! وعندما ننظر إلى بيان قبيلة الحويطات بعد المشاجرة، وهي واحدة من أكبر قبائل الأردن، وشامة فخره وكبريائه كباقي قبائل وعشائر البلاد، متذكرين بأنها كانت أول من إستقبل الهاشميين في معان في العام 1920م، يظهر لنا كم من العمل الشاق أمام الدولة لإنجازه.

لطالما كانت بلادنا واحة غناء، نتغنى فيها بعمان يا دار المحبة، ومعان ياديرة الشجعان، وكرك يا ديرتي، والبلقاء يا درب المحبة، وجرش يا ديرة هلي، وعجلون يا قطعة مني، والعقبة يا عروس البحر، والمفرق هي عنواني، وعلى الطفيلة يا يما، ومادبا يا روعة المعاني، وإربد يا عروس الشمال، والزرقاء يا أجمل الليالي. ولأننا لا نريد أن نفقد هذه المعاني نكتب هذه السطور، لأننا لا نريد أن نرى في بلادنا ما يدمي قلوبنا، ويسئ لسمعتنا جميعاً، بلادنا التي علينا أن لا ننسى أنها وسمعتها أمانة في أعناقنا جميعاً، أمانة علينا أن نبذل كل ما نملك للحفاظ عليها وعلى صورتها المشرقة دائماً.

ليس أهلنا في بيوتنا هم الأمانة في أعناقنا فقط، وإنما هذا الوطن الذي نعيش فيه، ويعيش في قلوبنا، وننتمي لترابه هو أكبر أمانة في عنق كل واحد وواحدة بيننا، وعلى كل من يريد أن يرفع حجراً أو رصاصة في وجه أخيه من أبناء هذا الوطن ليريق دمه، أن يتذكر جيداً قبل ذلك أنه يريق دم هذا الوطن بيديه، وبأنه أول من يسئ لتاريخ وشهداء هذا الوطن، هؤلاء الذين بذلوا أرواحهم ومقلة عيونهم لأجل حفظ أرواح كل أردني وأردنية فوق ثرى هذا الوطن الغالي.

نرجوكم يا أبناء الوطن، كفانا طعناً للوطن بأيدينا، فليس هذا ما يستحقه وطننا منا، عدا أن هناك الكثيرين خارج الوطن ممن يتمنون أن تسنح لهم الفرصة ليجهزوا على كل معنى جميل متبق في هذا الوطن ... أحبتنا أبناء أردن الكرامة والشهامة، والعزة والنخوة، الوطن أمانة في أعناقنا، فلنكن خير من يحفظه في القلب والعين، لا من يطعنونه في رقبته بأيديهم، ويضعون السهام له في بؤبؤ العين ....!

وحفظ الله الأردن الغالي، وسائر البلدان العربية الغالية على قلوبنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ... قولوا آمين ..